دفءُ نار

ضياء الدين بن الشيخ حسين: القانون حمار

نشرت

في

ينبغي أن يكون للقانون سلطة على البشر ، لا أن يكون للبشر سلطة على القانون لأن القانون الذي يدين شخصا هو نفسه الذي يبرئ شخصا ثانيا اقترف الفعل نفسه . إن مقولة «القانون حمار» هي الترجمة العربية للعبارة الإنجليزية (The Law is an ass)، و تنسب إلى «وليام شكسبير»، و لكن البعض ينسبها إلى الكاتب «جورج تشابمان»، في روايته «انتقام من أجل الشرف».

<strong>ابن الشيخ الحسين ضياء الدين <strong>

و أياً كان الشخص قائلها، فإن شيوع هذه العبارة يرجع إلى الروائي «تشارلز ديكينز»، سنة 1838 في رواية «أوليفر تويست»، . و السبب وراء تلك المقولة هم رجال القانون الذين خلقوا منه حماراً، و تترجم مشاعر الكثيرين في مختلف أنحاء العالم ممن تتعرض مصالحهم لأحكام قوانين بالية لا تتلاءم مع ما يشهده المجتمع من تطور أو تخضع لتفسيرات و تطبيقات متعسفة لهذه القوانين. و الواقع أن القوانين تحتاج في تطبيقها إلى حكمة من القائمين على ذلك، سواء كانوا من رجال الإدارة أو من رجال القضاء. ولذلك، يقول الإنكليز إن ) قانونا سيّئا و قاضيا كفءا خير من قانون جيد و قاضٍ غير كفء.

( وفى هذا الإطار، أشارككم بوقائع سردها لي أحد الأساتذة الذين لهم باع في القانون من خلال تجربته الكبيرة في القضاء، و يروي لي أنه صادفه مشهدا لم و لن يراه الكثير … يقول: طلبت النيابة من القاضي تأجيل الجلسة للإطلاع على الملف، و من الصدمة هرعت للإطلاع على قانون أصول المحاكمات و الإجراءات الجنائية لأعرف من يمكنه إثارة الدعوة العمومية غير النيابة . و يعلق قائلا إن النيابة أحالت الملف على القضاء كيفما قدمه رجال الضبط دون حتى الإطلاع عليه و يضيف أن الأزمة التي شهدها البلد في الماضي من تغول الدولة البوليسية جعل من النيابة أداة بوليسية في يد مسؤولين أمنيين يتابعون بها من أرادوا متابعته و يغضون البصر على من أرادوا .

و في ملف أخر رأيت متهما يصرخ في قاعة المحكمة و يقول من في هذه القاعة يعرف تاريخ الوقائع؟ من في هذه القاعة يعلم تاريخ الجريمة؟ و أحرج النيابة التي وجهت له الاتهام بناء على تصريحات الشاكي دون الإطلاع على الوقائع و لا على تاريخ الوقائع … و لم يستطع أحد أن يجيبه في القاعة فأضطر القاضي لتبرئته حفاظا على ماء الوجه … و في موضع آخر يقول: أودع أحد قضاة التحقيق متهما بالحبس الإحتياطي بعد إتهامه بجناية كان المتهم في تاريخ وقوعها مسجونا على خلفية قضية أخرى !

أما بالنسبة إلى القضاة فقد شهدت كوارث و يقول في أحد الجلسات شيخ متهم بسرقة هاتف إشتراه من السوق السوداء و القاضي بكل فخر يقول للشيخ أثبت لي أنك لم تسرقه مخالفا بذلك قاعدة أساسية و هي أن عبء الإثبات يقع على النيابة و لا يقع على المتهم الذي هو بريء إلى أن تثبت إدانته … يتحسر و يقول في احد الأيام الحالكة السواد صادفت قاضيا يصرح للاعلام و يقول إننا تحايلنا على نص القانون، و يتساءل هل هذا مشكل القانون أم مشكل قضاة . ليس القانون هو الذي يحدد ما هو عادل ، بل العدالة هي التي تفرض ما هو قانوني ، فحين يكون الصراع بين القانون والعدالة يجب أن نختار دوما العدالة .

أما فيما يتعلق بالإدارة فيقول أحد الأصدقاء إن في بلده الإدارة تمثل أكبر حزب فهي متحكمة في أعناق المواطنين و يردف بأن “كل شيء في بلدي ورقي، حياتك وثيقة و وفاتك وثيقة، سكنك وثيقة و أنت وثيقة” … و يروي حادثة وقعت معه يقول ذهبت لتجديد رخصة سياقتي فطلب مني الموظف مجموعة من الوثائق فقدمتها و غادرت … و في مساء الغد اتصل بي موظف بالمصلحة ليخبرني أن قانون المالية دخل حيز التنفيذ و يجب تسديد الرسم المقدر بـــــــــــ 100.000 ( عملة محلية ) فطلبت من صديق الذهاب لتسديد الرسم في مصلحة الضرائب و المالية و تقديم الوصل لموظف مصلحة رخصة السياقة و بعد ثلاثة أيام و أنا مسافر يتصل بي صديقي ليعلمني أن موظف مصلحة رخصة السياقة رفض إستلام الوصل بحجة أن صديقي ليس له صفة و إضطررت إلى قطع مسافة طويلة لتسليمهم الوصل و العودة …

و هذا مثال على الكثير الممارسات تتم باسم القانون وتنفذ من موظفين بيروقراطيين . كما يقول إن العمل السياسي و الجمعياتي و الإعلامي و حتى التجمعات و التظاهرات و الملتقيات بأشكالها تخضع للترخيص المسبق من الإدارة و لن تمنح الترخيص إلا إذا كنت منبطحا للإدارة أو تخدم أهوائهم و يعطي مثالا بمجموعة من الشباب قاموا بتأسيس جمعية و بما أن الجمعية يجب أن تحصل على اعتماد لكي تباشر نشاطها قاموا بإيداع الملف على مستوى المصلحة ذات الإختصاص فرفض الموظف تسليمهم وثيقة أو وصل إيداع الملف … و بعد إنقضاء المدة القانونية التي منحها القانون للمصلحة المختصة لم يتحصلوا على رد سواء بالايجاب أو الرفض فلجؤوا للقضاء الإداري من أجل إنصافهم فتم رفض القضية لعدم التأسيس لان القضاء يمكنه إلغاء قرار في حين لا يمكنه إلزام الإدارة بإتخاذ قرار …

و يقول أيضا إن هذا حال آلاف الأشخاص التي تعاني ممّا يسمى بالإرهاب الإداري الذي ينخر بلدي … فالمسؤولون عن تطبيق القانون سواء من إداريين او قضاة ، بوجه عام أمناء على كل مصالح المجتمع، و الأفراد و إذا فقدوا الضمير صار القانون حمارا في يدهم ، و القانون بريء منهم . لا تستغربوا عندما ترون شبابا في عمر الزهور يهجرون أوطانهم إلى المجهول لأنهم يعلمون جيدا أنهم سيجدون الحق و العدل الذي فقدوه في بلدانهم بسبب مسؤولين حمير . الكاتب الجزائري:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب جزائري، رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان*

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version