في صدارة الأخبار الدولية هذه الأيام، تأتي مستجدات الحدود الروسية الأوكرانية تحت عناوين من فئة “الحرب تقترب” و “دقت الطبول” أو “صوت أحذية عسكرية” … و يحبس العالم أنفاسه و هو ينظر إلى ساعة العد التنازلي لنزاع قد يتجاوز البلدين المعنيّين … و بكثير.
مفاوضات فوق هذه الطاولة و تلك، و تحت تلك الطاولة و هذه، و حسابات تُحسب من الآن في العواصم الكبرى و حتى المتوسطة و الصغرى … و أيضا تصريحات تخرج من موسكو و لندن و واشنطن و باريس، تشدّ مرة، و ترخي مرة، مستظهرة بأرقام و توقّعات و تطوّرات و تصوّرات و صور من الفضاء حول تقدم الجيوش و الدبّابات و راجمات الصواريخ … تليها حركة محسوسة على شاشات البورصات و قد ارتفع سعر النفط من بين ما ارتفع من أسعار … الكل خائف و الدول بدأت تحذّر رعاياها الذين في أوكرانيا و تدعوهم للعودة إلى بلادهم، بل و راحت تقوم بإجلائهم فعلا … كل الدول؟ أنا لا أعرف منها سوى دولة واحدة و لا أسأل إلاّها: ماذا قلت لرعاياك المقيمين هناك يا تونس؟
هم أوّلا لا أفهم إن كانوا رعايا أم مواطنين أم جالية أم غبار أفراد قذفت بهم الصدف في الأنحاء و الذنب للأيام لا لي … 1500 شخص حسب جمعية للتونسيين بأوكرانيا، و يقيني أن معظمهم طلبة يئسوا من تعاسة جامعاتنا و انسداد أفقها و تدنّي قيمة شهائدها … خيّروا الدراسة بالخارج و وجدوا أن أيسر ما في هذا الخارج دول أوروبا الشرقية سابقا … طلبة و يمكن أيضا بعض لاعبي الكرة ممن يوقنون بأن باب المنتخب يكون أوسع لمن ينتمي لناد غير تونسي و لو كان في مدغشقر … و لو كان في الدرجة الثانية أو الثالثة هناك … المهمّ أن هذا الجمع الصغير المرميّ في بلد بلوخين و شيفشنكو، صار يستغيث بنا و يناشدنا بأن نفتح هناك سفارة أو عمارة فوقها علم بلادنا … فمصيرهم مبهم و أحوالهم معطّلة، و أقرب سفارة تعوّدت التعامل معهم، هي سفارتنا في موسكو !
أه، كم أنت موجوع أيها القلب … تريدون سفارة في كييف؟ تي نحن لم نقم حتى بـ “إعادة” فتح لسفارتنا في دمشق رغم أن عدد مواطنينا الواحلين هناك آلاف مؤلفة، و منذ عشر سنوات و هم بين السماء و الأرض … تريدون سفارة في أوكرانيا؟ و بماذا ستنفعكم و المنتفع الوحيد لن يكون سوى السفير و الموظفين الملحقين به و هم أسعد خلق الله بحصولهم على مناصبهم كالمكافأة السنيّة؟ … و روحوا اسألوا مهاجرينا الآخرين في العواصم التي لنا فيها سفارات و قنصليات، يجيبوكم بالخبر اليقين … هل تتخيّلون أن سفارة أخرى لنا في الغربة ستكون ـ كما سفارات دول الغير ـ سندا للغريب و حامية لحماه؟ … إذن بهذه المقاييس، يجدر أن نفتح وقتها “سفارة” للتونسيين بتونس، حتى نجد ملاذا نلجأ إليه و يدا توضع على أكتافنا و تزيل بعضا من فزعنا …
و في انتظار أن تستجيب دولتنا لتضرّعات أولادنا الذين في أوكرانيا … لا بفتح سفارة، بل ببذل جهد معقول لإرجاعهم سالمين إلى أرض الوطن كما يقال … حتى نتأكّد أنهم فعلا بخير، بعيدا عن بلاغ من وزارة الخارجية تصدره بنفس النص كلما جدّت خطورة في بلد أجنبي … من دون حتى أن تكون لها فكرة عمّن عاش منهم، وعمّن مات …