كلّ نار

عبد القادر المقري: الكاذبون علينا ذهابا … و الكاذبون علينا إيابا

نشرت

في

لو كان لدينا برلمان حقيقي يمثل الشعب، لا نتاج ألاعيب مافيات محلية و أجنبية و هيئة انتخابات مأجورة … لو كان عندنا برلمان بجدّ، لما رضي أن تهان حكومة منحها الثقة بهذا الشكل، تُهان و ترتهن و تُبتزّ علنا و تلتحق بقافلة المعطلين عن العمل … لو كان في بيتنا برلمان، لبادر إلى أكثر من إجراء لإيقاف هذه المهزلة الرئاسية، و إيقاف صاحبها عند حدّه، و حتى خلعه من مكانه و إرجاعه إلى حجمه الصغير كما كان …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

و لو كانت لدينا رئاسة دولة (و لا أقول رئيس) يقع ما تتباكى عليه يوميا في خطاباتها المملّة، من فساد و خيانات و مؤامرات و متآمرين “تعرفهم بالإسم” كما صدعت رؤوسنا مرارا … لمرّت من القول إلى الفعل و لاستعملت ما أتيح لها من آليات، كي تقضي على كل هذا و تبدأ أخيرا في العمل الذي تقبض عليه أعلى شهرية في تونس …

و لو كانت لدينا أحزاب، لنظر كل واحد منها في أولويات البلاد و عدد الغصص التي تحفل بها أفئدة المتساكنين … و لقام بترتيبها و الاشتغال عليها معارضا مقترحا في البداية، ثم (و هذا حق لا نلومه عليه) مستلما للسلطة في النهاية، ثم منتقلا من نجاح إلى نجاح و من ثقة إلى تجديد ثقة … كل هذا دون أي خدش بقوانين البلاد القائمة، و باتساق تام مع قواعد اللعبة الديمقراطية، و مع أخلاق الكبار اقتباسا من البلدان التي يحكمها كبار …

و لو كانت لدينا منظمة نقابية عريقة يقرّ كثيرون (و أنا منهم) بدورها التاريخي و بعدها الوطني … لو كان لدينا اتحاد شغل يتساوى فيه خطابه مع أفعاله، لانتصر فيه التطوّع على الأطماع، و حَكَمهُ الانحياز إلى الكادحين لا التناور مع لوبيات الحكم، و قدّس قيمة العمل و هو المبني أصلا على حق العمل و حقوق العمال … و لكان انحيازه أعلاه أول و آخر انحياز، لا مجال معه لانحشار في مباريات سياسية لم يفوّضه منظوروه لخوضها، و لا اصطفاف أو “مصفوفة” من المصطلحات الركيكة التي امتلأ بها نص مبادرته الفاشلة الأخيرة …

و لو كان لدينا إعلام يستحق هذه التسمية، لقام بفضح انحرافات الأول و الثاني و الثالث و الرابع، زد عليهم أوكار التهريب و التهرّب و الإرهاب و كل من يشتغل فيها و معها … و لكان مستندا إلى ضمانات الدولة و القانون لكي لا يخاف من أحد … و لصنع رأيا عاما رشيدا مسموع الكلمة و قادرا على تعديل المسارات و تنقية المؤسسات … و لساهم في بناء مواطن ذي عقل يفهم معنى المواطَنة و الوطن …

لو كانت لأي من هؤلاء رغبة في الحد من تغوّل الآخر، كمبدإ رئيسي في تبادل الرقابة بين السلطات، لفعل ذلك منذ زمن بما لديه من صلاحيات و أدوات مشروعة … البرلمان باسم الشعب يراقب الرئيس … و الرئيس يقدم ما لديه من ملفات فساد إلى القضاء … و القضاء لا يضيع حقا وراءه طالب … و الاتحاد يفهم أن جمهوره هم العمال لا الوزراء من يتسمّى منهم و من يسقط … و الأحزاب تهتمّ بإرساء الديمقراطية داخل جدرانها، قبل المطالبة بها خارجها…  

و لكنهم لم ينجزوا شيئا من كل هذا … و يستمرّون في التظاهر بأنهم في معركة و صراع و نزاع، و كل منهم يفلق جماجمنا بالصراخ و الوعد و الوعيد … بينما في الحقيقة نحن حيال طبقة سياسية متضامنة متكاتفة متحدة ملتحمة مشتحمة … و معروف في عالم الحيوان: أوّلا أن الكلاب التي تنبح كثيرا لا تعضّ، و ثانيا أن الذئاب لا تأكل لحوم الذئاب …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version