جور نار

عبد القادر المقري: هدية الإمارات المتحدة … إلى “إمارة” مفتفتة خمسين قطعة

نشرت

في

ما زالت كرة اللقاحات المنتظرة ـ عبثا ـ في تونس موضوع تقاذف و تراكل و تعافس بين أكثر من سلطة و أكثر من يد … و ما يزال هذا المستحضر الحاضر عند الآخرين منذ أشهر، و في علم الغيب والغياب و الاغتياب عندنا يا ولداه … الناس في الديار الأخرى بحثت و اخترعت و جرّبت و زرّقت و داخت قليلا ثم شفيت و تحصّنت، بينما ما تزال الدار التونسية تتعلق بما يفوه به وزير صحة أو رئيس حكومة أو حتى رئيس تعاضدية حول أمل استقدام اللقاح ذات يوم و رؤية هلاله فوق ميناء حلق الوادي …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

هناك منا من بقي على ثقة، و هناك من يراوده الشكّ، و هناك من بطحه اليأس، و هناك من صرعه الموت، و هناك من لديه يقين بأن اللقاح سيأتي دون ريب ولكن بعد رحيل العمر و قبل يوم القيامة بقليل … و في أثناء ذلك، ها أن أيدينا تمتدّ على استحياء أحيانا، و بصفاقة لافتة أحيانا أخرى، نحو أشقاء و أصدقاء وأجوار … طالبة “نصيبها” مما تشتريه تلك الدول لمواطنيها، معرضة إيانا لسخريات و ردود بالرفض مهذبة كما حصل مع الجزائر، و لكنه رفض مهين على أية حال، و هو مستحق بالكامل يجب أن نعترف بذلك …

و أشنع من الرفض ما صدر عن دول أخرى وجهت حثالة جرعات من فضلة مخزونها إلى تونس … و أشفعت ذلك بحملة من الطبل و الزمر و المنّ، و تقديم بلادنا على أنها من قائمة البقاع المنكوبة التي يجود عليها الخيّرون بحسناتهم … و من إيجابيات هذا المنّ الصاخب، أنه فضح نظاما تونسيا رخيصا يتكتّم على رخصه، و يكشف أننا محكومون بأسفل طينة حكمتنا و ربما حكمت في أية بلاد … أناس لا يفتؤون على مدار الساعة يشتمون دولة الإمارات و يتهمونها بالضلوع في كل مؤامرة تحدث، و في السرّ يقبضون منها الصدقات و يوزعونها في ما بينهم كأي لصوص لا يهمهم السعر الذي يبيعون به …

بربي بكم تتكلف هذه الجرعات من اللقاح حتى نعرّض أنفسنا للرذيلة من أجلها؟ … ثمن الجرعة يصل إلى أربعة دولارات، بمعنى أن الألف جرعة التي جاءتنا (بل جاءتهم) من الإمارات لا تزيد قيمتها عن 4000 دولار … أبهذا الثمن تبيعون ماء وجوهكم يا آخر حكّام تونس؟ … ألهذا السبب انقضضتم على الغنيمة موزعين إياها على أنفسكم و أقاربكم يا أنظف و أنزه رؤساء؟ … و هل عجزت بلادنا و صندوق 1818 و أرصدة مليونيراتنا و مليارديراتنا الذين انتقلوا الآن إلى “تصنيع” الأقمار الصناعية تحت إعجاب رئيس الدولة العجيب … هل عجز كل هذا و كل هؤلاء عن شراء ما يلزمنا من لقاح؟ … لعنة الله عليكم يا من حوّلتمونا إلى قطيع بقرات تنتظر “لقاحا” من نوع آخر …

أنا لا تهمني الإمارات و لا قطر و لا تركيا و لا مالطا العورة … و لا تهمني صراعات التسلية التي يخوضونها ضد بعضهم البعض كلما فاض بهم المال الدافق من ريع النفط و لم يجدوا كيف ينفقونه … و لا تهمني سحابات الصيف هذه التي يصدقها بعض غافلينا فإذا بها تنجلي بسرعة و يعود الأمير إلى الأمير، و السلطان إلى حاشيته، و تعود المصالح لتلتقي من جديد تحت أنظار جمهور ذاهل من الحمقى … و لكن نعجب من ميلان نصف شعبنا مع هؤلاء في شطحاتهم، و يقاتل لأجلهم نصف البلاد الآخر …

و ما حصل البارحة في خير الدين باشا، يؤكد من جديد هوان أنفسنا علينا، و استعدادنا التام لكي نخدم الآخر بأهداب عيوننا، و لا نبذل واحدا من ألف من تلك الحماسة، في الدفاع عن مصير شعبنا … لو حصلت المعركة على مياه سدنا الأكبر الملوثة، لقلنا مفهوم … لو اختلف المختلفون على حال مدارسنا و مستشفياتنا لقلنا في الخلاف رحمة … و لكن الضرب و السباب في منتصف الليل كان لأجل هيكل أجنبي اصطنعه أصحابه تسلية و أداة فرعنة على الآخرين … و وجها من وجوه إنفاق ريع نفطي لا يجد مشائخه فيم ينفقونه …

و ما يدمي الفؤاد حقا، أنهم هناك يحلّون مشاكل شعوبهم و يلبون رغباتها، في حين نطحن نحن عظام بلادنا، و نفتح أبوابها مشرعة للرائح و الغادي، و نهدر أول ما نهدر كرامتنا … و يتشدق كثيرون عندنا مع ذلك، بأننا أنجزنا ثورة للكرامة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version