جلـ ... منار

عدوَى الفرح

نشرت

في

وفاء سلطان:

عام 2008 انهارت البورصة في أمريكا،

وبدا كل شيء كاحلا إلى درجة أرعبت البشر وهددت نوعية حياتهم.

في ذلك العام كنت في زيارة عمل لشيكاغو.

أذكر دخلت أنا وصديقة أمريكية إلى إحدى المولات نبحث عن مطعم لنتناول وجبة الظهيرة.

أثناء دخولنا مررنا عبر بناء لشركة Macy’s المختصة ببيع الملابس والأدوات المنزلية.

لم نقطع نصف المسافة داخلها حتى غطت صديقتي وجهها بيديها، وراحت تندب:

يجب أن نعود، لا أستطيع أن أرى المكان خاليا تماما من الزبائن، هذا عادة أكثر مولات شيكاغو ازدحاما، كل شيء هنا يدعو إلى الإحباط، هذا يشائمني ويحطمني نفسيا، البلد في وضع مرعب، لا أريد أن أرى المحلات أشباحا

ثم رجعنا احتراما لمشاعرها.

كانت صديقتي يومها تعيش في بيت على الأقل يقدر ثمنه بخمسة مليون دولار، وزوجها أشهر أطباء لوس أنجليس،

لكن إحساسها الوطني وحبها لبلدها جعلها تحس يومها بحجم الكارثة التي سيعيشها غيرها.

ذكرني موقفها بحدث عشته في سوريا

كنت أعاين في المستشفى مسؤولا كبيرا كان قد تعرض لحادث سير على مفرق قريب من بيتي.

قلت له: أخيرا قرروا أن يصلحوا تقاطع الطرق على المفرق لأنه أدى إلى حوادث موت كثيرة!

فصاح بي صوتا اهتزّ له المبنى: لا يعنيني الأمر، وتابع: بعد حماري ما ينبت حشيش

تعلمت من التجربتين أنه لا يمكن أن تعيش سعيدا دون أن تشعر بألم التعساء،

وبأن نجاحك الحقيقي يكون عندما تؤمن بحق غيرك في أن ينجح أيضا، وتدافع من أجل ذلك الحق!

ليس هذا وحسب، بل أن عظمة الوطن تأتي من محبة وإخلاص مواطنيه

لا ترى بلدا مدمّرا إلا وتأكد أنه مستنقع للكراهية، وأن وضعه صراع لطاقات الحقد التي استعمرت أرواح مواطنيه

لذلك، عندما أدخل مقهاي المفضل كل صباح، ليس مذاق القهوة ما ينعشني، بل رؤية وجوه الزبائن الفرحة والتي تعيش اللحظة وتستمتع بها!

نعم، الفرح ينتقل بالعدوى

لكنه ينقل العدوى فقط للمؤهلين لأن يفرحوا لفرح غيرهم

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version