جلـ ... منار

عرين الأسود … انكشاف أمن الاحتلال مجددا

نشرت

في

بإيحاء الأسماء والأوصاف نحن أمام نقلة نوعية في الضفة الغربية المحتلة تعبر عن أحدث أجيال الكفاح المسلح الفلسطيني.

<strong>عبد الله السنّاوي<strong>

لم تنتسب جماعة “عرين الأسود”، التى أنشئت أخيرا، إلى طلب تحرير الأرض المحتلة بقوة السلاح، كأغلب التنظيمات المسلحة التي أنشئت بعد نكسة (1967) مثل “فتح” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”، أو التى ولدت تاليا في مجرى الصراع مثل “حماس” و”الجهاد”.

أهدافها محدودة ومحددة بالقياس على ما طلبته المنظمات السابقة من تحرير كامل الأراضي المحتلة، لكنها تكتسب شرعيتها وشعبيتها من أوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال من قمع وإذلال وقتل بدم بارد دون رادع.
“العرين” هنا: مدن الضفة الغربية المنتهكة.. و”الأسود” هم: شبابها الذين نذروا حياتهم للحياة بكرامة ورد الصاع صاعين.
تضم بنيتها التنظيمية عناصر من تنظيمات مختلفة تنتمي لأيديولوجيات متباينة.
هذا يوحي بما قد يحدث مستقبلا في بنية وتوجهات العمل الفلسطيني.
نشأت في مواجهات الشوارع مع قوات الاحتلال لا في الغرف المغلقة، باحتياجات اللحظة الحالية لا باعتبارات الإيديولوجيا.

كانت المقاومة الشعبية، التي تصدر مشاهدها الشباب الفلسطيني في باحات وحول المسجد الأقصى، لاقتحامات جماعات المستوطنين نقطة تبلور الفكرة.
في تجربة جنين تأكدت ملحمية المقاومة والاستعداد لمواجهة آلة الحرب الإسرائيلية بأبسط الإمكانات.
كانت صور استشهاد “عدي التميمى”، وهو يقاتل حتى النفس الأخير، تعبيرا عن الروح الجديدة التى تعتري أجيال الشباب.
وفي تجربة نابلس، حيث أعلنت جماعة “عرين الأسود” تأكدت الروح نفسها والمعاني عرضت على العالم أن هناك شعبا يطلب حقه في الحرية والاستقلال ومستعد أن يدفع الثمن مضاعفا.
هناك شيء جديد يولد في الضفة الغربية المحتلة، أن القضية فوق الفصائل.
الانقسام استنزف الفلسطينيين، ونال من سمعة القضية، كأننا في صراع على سلطة لا أمام قضية تحرر وطني.
الفكرة الرئيسية لـ”عرين الأسود” نبذ الفرز الفصائلي وتغليب القضية على ما عداها.
هذه هي الرسالة الرئيسية.

بصورة أو أخرى أعادت جماعة عرين الأسود إنتاج ما يعرف بغرفة التنسيق بين الفصائل المتناحرة على ما يجمع ويوحد دون أن يستبين حتى الآن مدى التداخل التنظيمي.
تنسيق جديد داخل الأطر والهياكل المعتادة أم بناء مختلف يحاول تجاوز أوضاع الانقسام الحالية؟
فيما هو جديد ومختلف ويؤشر على اهتزاز عميق في معادلات التعاون الأمني بين السلطة والاحتلال، أن الأمن الفلسطيني هو الذى بادر بالاشتباك مع المفرزة الإسرائيلية لاقتحام نابلس عندما اكتشف وجودها.
كان ذلك تطورا جوهريا يناقض الدور الذي صمم وفق “اتفاقية أوسلو” للأمن الفلسطيني، أن يتولى بالنيابة حماية الأمن الإسرائيلي، يعتقل بالنيابة نشطاء ومقاومين، ويبلغ بما يتوافر لديه من معلومات حتى يمكن تصفيتهم.
هذه المرة هو الذي تصدى واشتبك قبل أن تنتبه قيادات “عرين الأسود” المتمركزة في البلدة القديمة إلى عملية التصفية التي توشك أن تبدأ.

أفضى ذلك التطور الجوهري إلى انزعاج بالغ في دوائر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دعت رئيس الوزراء “يائير لابيد” إلى إنذار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.. إما أن يضبط أدوار الأمن الفلسطيني على مسارها السابق أو تتهدد سلطته فى وجودها.
لم يكن هناك أمام رئيس السلطة سوى طلب التدخل الدولي العاجل لوقف التصعيد الإسرائيلي.
وكان أقصى ما فعلته الإدارة الأمريكية أن تصدر تصريحا باهتا ومعتادا على لسان المتحدث باسم خارجيتها يدعو إلى عدم التصعيد.
لم تكن معركة نابلس حدثا عابرا في وقائعه ورسائله وتداعياته.
استخدمت قوات الاحتلال قذائف تخترق الدروع ومسيرات صغيرة لكنها بالغة التقدم تقنيا قادرة على اختراق الأبنية والغرف قبل إطلاق الرصاص.

في اليوم التالي تأكدت إرادة المقاومة بجنازة حاشدة اخترقت شوارع نابلس تودع الشهداء بالسلاح.
شاعت عبارة وردت في بيان المجموعة المسلحة الجديدة: “جاء وقت خروج الأسود من عرينها”.
هناك ما يؤكد أن الضفة الغربية على وشك إعلان انتفاضة شعبية جديدة.
وهناك ما يوحي باحتمال انفجار آخر يشمل الأراضي الفلسطينية التاريخية كلها، الضفة وغزة وخلف الجدار.
إذا ما تفاقمت الأمور فليس من المستبعد أن تدخل غزة فى عمل عسكري لإسناد المقاومة في الضفة الغربية.
هكذا بدا الأمن الإسرائيلي مجددا فى أحوال انكشاف.
الأرض المحتلة تهتز من تحت أقدامه والمقاومة المسلحة تنبئ بتصعيد يصعب تحمله.
في الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، اللتين على وشك البدء، الميل العام يتجه يمينا، مزيدا من التنكيل بالقضية الفلسطينية رغم ما يبديه شبابها من مقاومة باسلة بظروف شبه مستحيلة.

قد تتقوض قوة الرئيس الحالي “جو بايدن” إذا ما خسر حزبه الديمقراطي انتخابات التجديد النصفي لمجلسى الكونغرس.
وقد يزاح التشكيل الوزاري الإسرائيلي الحالي لصالح الليكود وأقصى اليمين مجددا.
أقوى ما يمتلكه الفلسطينيون في ظروف معاكسة: القوة الأخلاقية والعادلة لقضيتهم، التي دعت استراليا إلى التراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل استعدادا لنقل سفارتها إليها.
التراجع الأسترالي يعود الفضل الأول فيه إلى بطولة الشعب الفلسطيني فى الدفاع عن المسجد الأقصى، وعن حقه الأصيل أن تكون القدس عاصمة له.

في جنازة الصحفية الفلسطينية “شيرين أبو عاقلة” تبددت الدعايات الإسرائيلية عن أن القدس عاصمتهم الأبدية، الاعلام الفلسطينية التي رفعت والمسيرة التي جرت في البلدة القديمة أكدت فلسطينيتها رغم ما تعرضت له من قمع.
المفارقة الكبرى في كل ما يحدث حولنا أن إسرائيل المأزومة في أمنها التي تعاني من تراجع صورتها في العالم ولا توجد لديها أية تصورات لمستقبلها غير ضم الأراضي بالقوة وممارسة الفصل العنصري ضد كل ما هو فلسطيني تستشعر القدرة على الضغط والتداخل في ملفات عديدة استثمارا في العجز العربي الفادح.
من غير المتوقع أن تسند القمة العربية المقبلة القضية الفلسطينية على أي نحو مؤثر، باستثناء عبارات عامة لا تعنى شيئا ولا توقف شيئا من التدهور الحادث والتنازلات المجانية.

إذا ما أردنا أن نتصارح بالحقائق فإن مصير القضية الفلسطينية بيد الفلسطينيين وحدهم دون إسناد عربي له قيمة وأثر حتى يأتي يوم يدركون فيه من جديد أنها قضيتهم بقدر ما هي قضية الفلسطينيين وأنهم يدافعون أولا وقبل كل شيء عن أمنهم نفسه.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version