جور نار

علكة التجمع و اجترار الممجوج

نشرت

في

من المسائل التي لم تاخد حظها من التحليل الهادئ الموضوعي و الرصين مسألة الدور الذي لعبه التجمع الدستوري الديمقراطي في آخر سنوات حكم بن علي. و قد يرى البعض أن طرح هذا الموضوع بعد عشر سنوات من سقوط النظام السابق لم يعد ذا أهمية و الأولى و الأحرى أن نصرف عنايتنا إلى واقعنا الحالي بكل أحماله و أثقاله.

<strong>محمد الواد<strong>

و الرأي عندي أن العكس هو الصحيح لأن الهبّة الثورية أو الثورجية التي طغت على الساحة منذ ذلك الحين و إلى الساعة الراهنة و في ظل هروب رأس السلطة لم تجد أفضل من التجمع ككيس رمل لإفراغ شحنات الانتقام من النظام المستبد و رموزه و الجهاز السند الذي يستمد منه شرعية سلطته و جوره … كلام يبدو في المطلق وجيها لكننا حين نسعى إلى إخراجه من مطلقيته فإننا سنكتشف أن بين طياته مواطن حيف كثيرة من شأنها أن تعيق النظر عن راية الحقائق كما هي لا كما نريد لها أن تكون.

ولعل أول مطب يقع فيه المتسرع في الحكم الزعم أن التجمع كان العقل المخطط لسياسات بن علي لكن الحقيقة هي غير ذلك تماما. الحقيقة أن بن علي و بتأثير واضح من دائرة النفوذ داخل القصر و حواليه لم يعد ممسكا بزمام أمور الدولة و ليس أدل على ذلك من أن التسميات و الإقالات في صفوف الكوادر العليا و خاصة في مجالات الأمن و الديوانة و المؤسسات الكبرى كانت تطبخ داخل دائرة العائلة و الأصهار و الموالين لهم و الشركاء في الغنائم .

و قد طال هذا السلوك التجمع ذاته حيث تم تحييده و ملء مكاتبه بالانتهازيين و الطيعين المؤتمرين بأوامر الأسرة الحاكمة . هذا دون الرجوع إلى غضب الدساترة القدامى من تصرف بن علي مع بورقيبة آخر سنوات حياته و خاصة إبان وفاته و ما اكتنف جنازته من تعتيم وتهميش . و كنتيجة حتمية للعزلة التي وضع فيها بن علي نفسه أو بفعل فاعل أن اكتشف أن الأحداث قد تجاوزته و أن الحل و الربط لم يعودا بيده و هذا الأمر نستشفه بسهولة من خلال القرارات الارتجالية التي اتخذها زمن اشتداد الأزمة …و حتى عندما أصدع بكلمته الشهيرة (فهمتكم) فإنه لم يكن له ساعتها نفوذ لا على الأجهزة الأمنية و لا على الجيش و لا على التجمع الذي صار وعاء فارغا تماما .

و لعل ما يهمنا من هذا التوصيف و استحضار هذه الأحداث و المواقف هو الربط بين هذا الواقع و بين الطرح الذي تبناه قادة ما بعد الثورة . فكلنا يتذكر الهجمة الشرسة على المؤسسة الأمنية و على الكوادر الكرتونية للتجمع و مقراته و توابعه بل أن الحملات طالت كوادر الدولة بدعوى أنها لزمت الصمت على خروقات بن علي و تجاوزاته. و كلنا يذكر أن حملات إزاحة البوليس السياسي لم تؤد في النهاية إلا إلى نسف جهاز أمن الدولة برمته و فتحت أبواب الاختراقات على مصراعيها.

و السؤال المطروح منذ ذلك الوقت و ظل مطروحا إلى يومنا هذا هو ماذا قدم الساسة الجدد من طروح جديدة تقطع مع كل نوازع الاستبداد و تضع البلاد على سكة البناء من جديد في دولة القانون و التعددية و الحريات و الكرامة الوطنية ؟ أما الجواب فلا يحتاج الى تفصيل . أما ما يحتاج الى تفصيل حقيقي و جاد و موضوعي فيتمثل في الأسئلة التالية و ساتركها دون جواب .

إلى متى سنظل نلوك علكة التجمع و الحال أن هذا التجمع قد مات في زمن بن علي نفسه ؟

و إلى متى سنظل نرجم بالغيب و سوء الظنون كل من خدموا الدولة التونسية بدعوى أنهم اشتغلوا في زمن بن علي و بالتالي فهم فاسدون إلى أن يثبتوا عكس دلك ؟

و إلى متى ستظل هذه الأحقاد الغبية أداة تصنيف و سببا في إقصاء ظالم لكل من ساءه ما آلت إليه البلاد من شعبويات و عكاظيات ثورجية ممجوجة و هدامة ؟

انظروا إلى كوادر مرموقة و قد أكرهت على الانزواء لأن المحتكرين الجدد ليسوا على استعداد للنظر إلى حقيقة الكوارث التي تسببوا فيها للبلاد ……أفيقوا يا سادة قبل أن يجرفكم التيار و تنازلوا قليلا عن عرش الأوهام فلا خلاص لكم و للدولة إلا بالصدق و التواضع و الكف عن الظلم و الشعودة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version