جور نار

عندما يرتفع مقام الفقّوس … ويشتكي المواطن من قلّة “الفلوس”

نشرت

في

من عادتي خلال شهر رمضان أن أخرج وحيدا إلى السوق ومن عادتي أن أجيب كل من يعترضني ويسألني أين أنت ذاهب بإجابة طريفة “نهزّ القفّة”… لكن شهر رمضان هذا وفي ظلّ حكم مولانا صاحب الجلالة ملك ملوك افريقية وتاج رأسنا قيس بن المنصف سعيد لم تعد القفّة قفّة بل أصبحت شبحا لما كانت عليه…لم يعد السوق سوقا بل أصبح مهجورا ممن كانوا يصنعون بهجته وفرحته…

<strong>محمد الأطرش<strong>

 فقد غابت ابتسامة بائع الخضر…وغابت معها تحية حبات البطاطا التي كانت تعترضني ضاحكة وهي تغنّي أغنية شادية رحمها “خذني معاك…” وترتمي في قفتي سعيدة بما سأفعله بها …كما غابت غمزة الموز الذي كان يلقيها عوضا عن التحية واصفا جاريْه التفاح والإجاص وكأنه في حملة انتخابية لمن ستطأ قدماه أرض قفتي الفارغة، بكل الأوصاف التي تجعلني أنفره وأخيّره عليهما وأطلب من البائع أن يزن لي ما يليق بمقام الموز ثقلا… وتجرأ “الفقوس” كعادته ورفع صوته ليغنّي لي ككل شهر رمضان أغنية لطيفة “يا سيدي مسّي علينا أو حتى لمح بكلمة” ويشعرني كأنه ذلك المسكين الذي اصبح منبوذا من الجميع بعد أن تطاول على كل الخضر والغلال بسعره الجنوني…

ودون إذن من البائع يقفز “فلفل” من صندوق إخوته وأبناء عمومته، ليقف أمامي متطاولا طالبا ودّي وكأنه يريد أن يجلس في قفتي إلى جانب حبّات البطاطا صارخا في وجهي قائلا “وأنا من سيشتريني …لم تتركوني وحيدا، لست أنا من رفع سعري بل البائع…أنا اصلح لكل المأكولات أهكذا تتركوني أتعجبكم أكلاتكم دوني…” ولأول مرّة اشعر بالحزن على “الفلفل” وما وصل إليه من وضعٍ جعله منبوذا من الجميع وأكتفي بقول “برّه ربي يجيبلك مكتوبك” فلأول مرّة يبكيني الفلفل وهو الذي أبكانا جميعا ونحن نأكله… وترفع حبات الفراولة صوتها عاليا بموشّح “على خدّو يا ناس مائة وردة…” أرمقها بعين اللامبالاة وأرسل إليها بغمزة قائلا “يظهرلك..”وأذهب في سبيل حالي فأنا والفراولة في خصام دائم … وأمر على الجزار لأجده مكشرا عن انيابه…فأرمق سعر كيلوغرام لحم الضأن فأصاب بدوار خفيف… ألتفت إلى سعر لحم العجل فأصاب بضيق في التنفس…فأكتفي بالتحية مرددا أغنية نبيهة كراولي “انت اللي جفيت وجبدت روحك مني”…

أواصل طريقي في سوق مقفر حزين وكأنه احدى مدن أوكرانيا الحزينة حتى أصل أمام بائع الدجاج لأسمع احدى دجاجاته وهي تنشد ما جادت به قريحة نزار …

نحن دَجَاجُ القَيْصَر

نأكُلُ قَمْحَ الخَوْف،

ونشربُ من أمطار المِلْحْ

كلَّ نهارٍ ..

…..( حذفت بعض الأبيات خوفا من تأويل سكان القصر)

نحنُ دَجَاجُ القيصرِ ..

يعلفُنا في فصل الصيفِ،

ويذبحُنا في عيد الفصحْ …

فتمتمْت ” كأنها المسكينة تعاني من حراك 25 وأتباع مولانا” كما يعاني بعضنا نحن الشعب المسكين، ولم أكن أعلم بأن بائع الدجاج يسمعني ولم أكن أدري أنه قيسوني الهوى من أتباع “حركة الشعب” التي “ماحت” مع الأرياح فأخذتها إلى شواطئ مولانا…

خلاصة ما أنا فيه …لم أجد مدينتي التي أعرف ولم أجد شوارعها التي كانت تبتسم لي وأنا أمر عليها بقفتي …مدينتي لم تعد مدينتي… ووطني لم يعد وطني…فمدينة يرتفع فيها مقام الفقوس ويتطاول على التفاح والموز …وينقلب فيها الفلفل على غيره من الخضر لا يمكن العيش فيها بأمان…وبلاد يكتب بعض كبارها أن الأسعار في متناول الجميع لا يمكن أن تشعر فيها بالطمأنينة…تسأل بعض الجالسين على كرسي السلطة عن هذا الغلاء فيجيبك “عليكم ان تتأقلموا مع الأوضاع” … وتسأل آخر فيجيبك وهو يصرخ ” اشبيكم ما عملتوش هذا كي النهضة كانت تحكم؟؟”…وتسأل أحد كبار المسؤولين عن الحلّ في ما نحن فيه فيجيبك “كولوا التراب أصبروا عالدولة يهديكم…”

 قلت في خاطري ألا يمكن أن يدخل التراب في خانة الاحتكار والمضاربة… فماذا لو مسكوني وأنا أملأ كيسا من التراب لآكله أخذا بوصية المسؤول حماه الله من العين والحسد على علمه وكفاءته …أقول ماذا سيفعلون بي هل سيتهمونني باحتكار التراب أم بتهريب تراب الوطن…أو الاعتداء على تراب الوطن…ففي هذه البلاد أصبح الحديث مع سائح، خيانة وعمالة واستقواء بالأجنبي…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version