لمْسُ نار

فاش نستنّاوْ ؟!

نشرت

في

ضاعفت الأحداث المتتالية طيلة هذا الأسبوع و ما قبله من درجة المرارة و حالة التشاؤم لدى التونسي فأينما سرت في الشارع لا ترى إلا وجوها واجمة و أعينا زائغة و نظرات تائهة… ترى الحيرة في أعين الصغار قبل الكبار، ترى خوفا و توجسا من مستقبل غامض …

<strong>عبير عميش<strong>

فلا أحد آمنٌ في هذه البلاد فمن نجا من الوباء قد لا ينجو من شاحنة مجنونة تعبر الطريق فترديه صريعا، و قد لا ينجو من منحرفين يداهمون بيته و ينكلون به أمام عائلته، وقد لا ينجو من مطاردة على الطريقة الهوليودية لقتله، و قد لا ينجو من التعذيب و السحل في الشارع في بلد لم يعد يسود فيه القانون، و قد لا ينجو… و قد لا ينجو… إن التونسي اليوم ما عاد يشعر بالأمان في بلاده وقد ساد فيها قانون الغاب و اعتنق الجميع شعار ” ذراعك يا علاّف” و ” حوت ياكل حوت و قليل الجهد يموت”…

و ليس غريبا أن يكون الشعب التونسي في المرتبة الثانية و الثمانين من بين أكثر شعوب العالم تعاسة فهو شعب تتوالى عليه المصائب منذ سنوات باسم الديموقراطية و لا يكاد يمر يوم دون أن يعيش حادثة أليمة محبطة. و بالعودة إلى تقارير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية فقد تم تسجيل 285 حالة ما بين انتحار فعلي و محاولة انتحار مُصرّح بها سنة 2020 وحدها ، فهل قارنا هذه الأرقام مع ماكانت عليه قبل 2011 لنعرف حجم الخراب الذي نعيشه ؟؟ هل نعرف كم شابا أو حتى كم أسرة صار أفرادها يفكرون في ” الهجة” من هذه البلاد بالهجرة الشرعية لمن استطاع إليه سبيلا و بالحرقة للبعض الآخر؟ كم هو مؤلم و مرهق للنفس و للروح أن تعيش داخل دولة تشعر فيها بدونيتك و تفقد قيمة الانتماء و تفقد بهجة الحياة بسبب ضعف الدولة و غياب العدالة و سيادة قانون الغاب.

يوم الاثنين الماضي تسبب تهور سائق شاحنة ثقيلة بقلب باب بحر بصفاقس _ تحديدا في الشارع الرئيسي للمدينة شارع الحبيب بورقيبة أمام أحد أهم المركبات التجارية و الطبية و ذلك على الساعة الواحدة و النصف بعد الظهر أي في توقيت يمنع فيه جولان مثل هذه العربات داخل المدينة _ في وفاة طفلة الخمس سنوات و إصابة والدتها إصابة بليغة تطلبت تدخلا جراحيا.. حادث هز المدينة و جعل سكانها يشعرون بانعدام الأمان و غياب سلطة القانون فالشاحنات في صفاقس و أمام صمت السلطات و غياب الردع تقطع طرقاتنا و تعطل مفترقاتنا و تقتل أبناءنا… فكيف يشعر المواطن بالانتماء و هو يفتقد للأمان؟!

في أكودة من ولاية سوسة و في ساعة مبكرة من الصباح في بداية هذا الأسبوع أيضا يعمد منحرفان إلى الهجوم على منزل و يتداولان على اغتصاب الزوجة أمام زوجها و أبنيها تحت تهديد السلاح فكيف يشعر المواطن بالانتماء و هو يفتقد للأمان؟!

في جدليان من ولاية الڨصرين و في نفس الأسبوع أيضا رئيس بلدية يُفترَض أن يكون أحرص الناس على علوية القانون يستغل صفته و سيارته الإدارية في محاولة لدهس شقيقه و قتله بسبب خلافات عائلية فكيف يشعر المواطن بالانتماء و هو يفتقد للأمان؟!

في قلب العاصمة و في نفس الأسبوع أيضا يقوم مجموعة من الأعوان البلديين بمحاصرة مقرّ إذاعة خاصة و يهددون بعض من فيها بحرق سياراتهم نصرة لرئيس بلديتهم و احتجاجا على موقف أبداه أحد الإعلاميين… فكيف يشعر المواطن بالانتماء و هو يفتقد للأمان؟!

و في نفس الأسبوع أيضا و في سيدي حسين أحد الأحياء المهمشة للعاصمة يعمد أمنيون إلى نزع ملابس أحد الشبان المحتجين على وفاة صديقهم و سحله و جره عاريا في الطريق و بدل تطبيق القانون يطبقون قانونهم الخاص و يتجاوزون عنف الدولة المشروع إلى العنف الذاتي الممنوع فكيف يشعر المواطن بالانتماء و هو يفتقد للأمان؟!

هذه بعض أحداث أسبوع واحد فكيف لا يفكر التونسي في الهجة و هو يعيش واقعا متعفنا كهذا، دون أن ننسى تعفّن الوضع السياسي و الصراع بين الرؤساء الثلاثة على الحكم و محاولة كل واحد منهم قضم صلاحيات الآخر و الاتهامات المتبادلة بينهم و دون أن ننسى تألمه من سياسة الكيل بمكيالين و تمتع بعض النواب بحصانة لا يستحقونها و استغلال البعض الآخر لنفوذه في الصفقات و التعيينات و حتى في مغازلة الخليلات و خيانة البعض الآخر و تفضيله مصالح بلدان أخرى على مصلحة تونس

و دون أن ننسى كذلك معاناته من ترفيع الأسعار و من تعطل مصالحه الإدارية بفعل تواتر الإضرابات و الاعتصامات و من الانقطاعات المتكررة للماء و الكهرباء و من أخبار الوفيات و الإصابات جراء الوباء و فقدان الأدوية و آلات الأوكسجين و امتلاء المستشفيات و تأخر التلاقيح و ضعف المنظومة الصحية… فكيف يشعر المواطن بالانتماء و هو يفتقد للأمان؟! و كيف يستطيع أن يبتسم وسط هذه الظروف و من أين يأتي بالطاقة ليحلم أو ليأمل في مستقبل أفضل له و لأبنائه و هو اليوم جثة في حالة حياة؟!

ليس أمام التونسي اليوم إلا خياران فإما “هجة” ينسى بعدها هذه البلاد و أهل هذه البلاد و إما ثورة تحطم أذرع الفساد و تقضي على منظومة أثبتت الأيام فشلها و تقتلع عروق من نصبوا أنفسهم حكاما و معارضين يدعون بأنهم ينطقون باسم الشعب و هم لا ينطقون بغير أهوائهم… ثورة حقيقية لا على شاكلة ما وقع ذات 2011.. ثورة تكنس كل الموجود و ترتقي بالبلاد و تعلي قيم العلم و العمل و العدل و المساواة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version