جور نار

فهّمونا … هل عندنا أم ما عندنا؟

نشرت

في

تونس أسعار السيارات الشعبية تشهد انخفاضا تونس أخبار تونس

ما ينفكّ البنك المركزي ينذرنا بأن رصيده من العملة الأجنبية تناقص إلى ما دون المائة يوم توريدا … في حين يزيد على غمّنا بعض الخبراء بقولهم إن الرصيد الفعلي أقل من ذلك إذا طرحنا منه مبالغ سداد ديوننا، وخدمات تلك الديون، وطائفة أخرى من المتخلدات المودعة ببناية محمد الخامس، بالدولار واليورو …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

يعني بالمختصر، نحن الآن نكاد نلمس قاع القجر الفارغ … تماما كما يفعل عطار حومتك حين يداهمه أمين مال جمعية حيكم الرياضية طالبا تبرّعا، أو قابض الحافلة حين يعلمك بأنه ليس لديه صرف … مع فارق … العطّار والخلاّص لا يخرجان المال رزما لجلب مطرب عربي، ولا يفتحان خزانة جانبية لشراء لاعب كرة من وراء البحار أو الصحاري … هما لا يفعلان ذلك، ولكن يفعله البنك المركزي المستقلّ الذي لا يتذكر استقلاله إلا في مواجهة الشعب الكريم … ولكنه يصبح تابعا راكعا للقوى المالية التي تحكم البلاد منذ دهر، من هنا ومن الخارج …

غني عن القول بأننا نعيش أزمة اقتصادية لا نظير لها … ليس ذلك في تحاليل الإذاعات ولا في تشنيعات المعارضين، بل مصدر أخبارنا هو تلك الطوابير اليومية على الخبز، و أبواب المخابز التي أغلقت، وترحّم العامة على كثير من الموادّ التي صار الحديث عنها كحديث الغول والعنقاء … قصة الاحتكار ومؤامرة التفليس مللناها صراحة، لا لشيء إلا لأننا نفترض أنه لو كانت صحيحة لتمّ القضاء عليها وفتح مستودعاتها وإغراق السوق بخيراتها … نعم … فعندك كل السلطات وفرق المراقبة وجهاز القضاء والقوات المسلحة بوليسا وجمارك وجيشا … ولديك من القوانين أكثرها زجرية في الدنيا قاطبة وذلك مشهود به للدولة التونسية التي ورثت السيطرة التامة على كل سنتيمتر مربع من البلاد … كما أن دولتنا رابحة في كل معاركنا معها وجميع عقودها معنا هي عقود إذعان … إذن؟

وفي الأزمات الكبرى تصدر القرارات الكبرى، ولو كانت استثنائية … وسط الثمانينات مثلا، عشنا ظرفا شبيها وربما أرحم قليلا … ومع ذلك فقد أعلن الراحل محمد مزالي عن جملة إجراءات تقشفية مثل وقف استيراد السلع المصنفة كمالية، ومعها التشدد في إخراج العملة الصعبة … فاختفت السيارات الجديدة والفواكه الأجنبية وازدحمت مهرجاناتنا وإذاعاتنا بالمطربين المحليين وازدهرت أغنيتنا … حتى السفر إلى الخارج تم التضييق عليه بعدة أشكال من بينها فرض طابع ضريبي على المغادرين … ولم ينفرج ذلك إلا بعد عشر سنوات تقريبا، إلا في ما يخص “التنبري” الذي بقي ثابتا كدليل على أن دولتنا لها دائما اليد العليا…

اليوم ليس مطلوبا مزيد ضربنا بالضرائب … ولكن على الأقلّ التنبيه على البنك سنترال بأن يمسك يده قليلا وأن يقصر الاستيراد على الضروري الضروري من البضائع … مع تشجيع المصانع الوطنية على الإسهام في جهد الاكتفاء، ورفع نسبة الاندماج في منتجاتها … يطال ذلك التجارة كما يطال الثقافة كما يطال الرياضة كما يطال السياحة والملاحقة الجزائية لمرتكبي المقاصصة مع الوكالات الأجنبية وفاتحي حسابات محظورة بالخارج … والأمثلة كثيرة ومن يريد يستطيع …

طبعا الجواب: لا يمكن فأنت تخرّف … اللوبيات والمافيات ودهاقنة الاقتصاد الريعي والثقافة الريعية (سنعود إليها هذه) والبنك المركزي سيّد نفسه وغير ذلك … كل هذا لتبرّروا عجزا وتستروا تواطؤا تحت شعار فاسد عنوانه “لم يتركونا نعمل” … أخرّف؟ أوكي … وفي هذه الحال لا تلوموا النقابات التي تطالبكم بالزيادة، ولا تتعللوا بفقر ليس ظاهرا على كثير من أفعالكم وتبذيركم الباذخ وكأننا في سلطنة بروناي …

و … نموت نموت، ويحيا البذخ …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version