جور نار

في أنواع اللايكات الفايسبوكية

نشرت

في

أعتقد أن دخول الفايسبوك إلى حياة الناس يُضاهي في تأثيره وحضوره دخول الإذاعة والتلفزة إلى بيوت الناس مع اختلاف أساسي ربّما، هو أن المستمع أو المتفرّج نادرا ما يكون وحده في مواجهة ما يُذاع أو ما يُبثّ تلفزيّا بما يضمن حدّا أدنى من “الاجتماع” والتفاعل والتشكّل الجماعي لنوع من الوعي أو الرأي العام،

<strong>منصف الخميري<strong>

بينما يستحوذ الفايسبوك والشبكات الاجتماعية بصورة عامة على انتباه الفرد معزولا وأعزل فيسهُل الاستفراد به والتأثير فيه خاصة عندما يكون الشّخص غضّا أو هشّا واستدراجه أحيانا إلى ما يسمّى بالواب السّحيق أو الواب المُظلم غير الخاضع للرّصد والتعقّب من قِبل محرّكات البحث التقليدية. الفايسبوك وأخواته اقتحمت يوْمَنا وليْلنا وبيوتنا وعقولنا وهواتفنا ومدارسنا وعامّيتنا أيضا حتى أصبحنا نستعمل سجلاّ اصطلاحيا لم نتعوّد عليه من قبل، مِثل أجوتيني وأنفيتيني وطاقيه وجاميلو أو ليكيلو وبلوكيها وبوستيلها وهاشتاغيها الفكرة ويكمّونتيلها ويشاري أو يبارتاجي وتنتست في بروفيلو وبرّة للحيط متاعو ويآبوني روحو عندها وعملتلو كابتور ويغرّد النهار وما طولو على تويتر الخ …

وما دُمنا من متساكني هذا الفضاء نتقاسم الحلوة والمرّة ضمن مجموعات هُلاميّة سائلة ونستعمله كحائط مَبْكى أحيانا أو باحة فرح أحيانا أخرى، تجدنا نُقضّي السّاعات الطوال في التعبير عن إعجابنا (أو عدمه بصمت) أسفل صورة أو نص أو فكرة أو نكتة أو خبر أو خاطرة … ولكن هذه الإعجابات ليست لها كلها نفس الشحنة المعنوية ولا نفس الهدف الذي يُضمره صاحبها وفي كل الأحوال هي أبعد ما يكون عن كونها مجرّد إعجابات محايدة وتلقائية وغير حاملة لرسالة مخفيّة.

أحاول في هذه الورقة رصد بعض الأنواع من اللاّيكات التي أراها مُتداولة في بيئتنا التونسية ولكن من زاوية طرافتها لا من منطلق البحث فيها على نحو علمي خاضع إلى محاذير وضوابط صارمة، إذ نجد على سبيل المثال :

اللاّيك المحايد والصادق

الذي يعبر عن إعجاب حقيقي خال من أي حسابات حافّة يستعمله المُتابع الذي يرى أن ما قرأه أو ما شاهده أو ما استمع إليه يتوافق مع ذائقته ويضيف له شيئا لم يكن يعرفه أو يكون سببا في إدخال بعض البهجة أو الغبطة على نفسيته (يحدث هذا عادة مع صُور الأصدقاء والأغاني المتميزة أو الرقصات الفرِحة أو الكلمات الوطنية الصادقة أحيانا).

اللاّيك التبادلي

(لايكيلي ألايكيلك وشيّلني أشيّلك) وهو نوع من الإعجاب الآلي الذي يعكس معاهدة ضمنية بين مجموعة من الأصدقاء الواقعيين أو الافتراضيين يتمّ بموجبها تبادل اللاّيكات بصرف النظر عن طبيعة ما يُنشر أو ما يُقال، والعكس صحيح أيضا، إذ هناك من يرفض التعبير بشكل واع عن أي نوع من الإعجاب حتى وإن كان محتوى منشور صديقه متميزا وطريفا لمجرد كونه يريد معاملة صاحب المنشور المعني بالمثل كما في الإعراف الديبلوماسية.

اللايك المتعالي (يمكن تسميته أيضا باللايك الهواوي أي العالق “بين هوا وفضاء” مثل توقيع البذيء الصافي سعيد يوم جلسة سحب الثقة من الغنوشي)

هذا ليس بلايك بالمعنى الحقيقي وإنما هو عبارة عن حَجْب مُمنهج للإعجاب يُمارسه أشخاص متعالون من أصحاب الذوات المُتورّمة، ولا شيء في قاموسهم يستحق الإعجاب أو التعليق لأنه في كل الحالات أقل شأنا مما ينشرونه هم. كما يصعب جدا أن تجد لهؤلاء أثرا في صفحات الغلابة من الفايسبوكيين العيّاشة المتخلّصين من عُقد التباهي ووَهْم التأثير في سير الأحداث… هؤلاء لا يترحّمون على الموتى ولا يجدون معنى مُضافا إلا فيما يكتبون، ويتمنّون في لاوعيهم أن يتمّ تحجير استعمال الفايسبوك على العامّة لتوفير مزيد من المساحة أمام حِكمتهم وخِبرتهم ولِياقتهم الذهنية أو البدنية.

“الجادور” التضامني أو لايك المؤازرة والمجاملة

يأتيه المتابعون من كل صوْب وحدْب عندما يتعلق الأمر بحالات الوفاة والإيقاف والمرض والحوادث المختلفة أو كذلك عندما يقوم المستعملون بنشر صورهم الشخصية وهم مزهوّون بأنفسهم أو فرحون بنجاح بناتهم وأبنائهم أو منتشون برحلة رائقة أدّوها إلى أماكن بدتْ لهم ليست من الدنيا.

لايك الموالاة

هو نوع خاص جدا من اللاّيكات يفرضه اصحاب السلطة وموزّعو المنافع بشكل رمزي أو صريح (عرفت شخصيّا مسؤولا ساميا في الدولة التونسية يحاسب معاونيه على عدم تفاعلهم مع ما ينشر في الصفحة الرسمية للمرفق العام الذي يشرف على حظوظه المشؤومة).

اللاّيك العقائدي

وهو نوع من اللاّيكات اللامشروطة التي يتبادلها من يعتنقون نفس الأفكار ومن ينتمون إلى نفس المنظومة أو نفس التوجه الفكري أو السياسي اعتقادا بأن ذلك يساهم في نشر الفكرة وتعزيز الوحدة الداخلية وترسيخ الهويّة الخاصة بالمجموعة.

اللايك الديني الإيماني

هذا النوع يهمّ حصريا التفاعل بالإيجاب مع أية إحالة فيها نفَس ديني وأي ظاهرة طبيعية خارقة لا تفسير علمي لها إلى حدّ الآن فيتجمّع المُسبّحون والمُستنجدون بــ “ما أوتيتم من العلم إلا قليلا”.

اللايك البيداغوجي التشجيعي

ويوضع أسفل التدوينات لمستعملين صادقين نشعر أنهم بذلوا مجهودا استثنائيا لبلورة فكرة طريفة أو المساهمة في الرفع من مخزون الفرح والسعادة في سدود الوطن الحزينة.

اللاّيك الانتهازي المصلحي

يهمّ هذا النوع من الإعجاب أشخاصا لا تربطهم أية علاقة خاصة بصاحب المنشور ولا يُعرف عنهم أي اهتمام بمواضيع ومراكز اهتمام معينة لكنهم يحاولون إشعارهُ بأنهم يتابعون بشغف كل ما ينشرهُ… ثم يأتونه على الخاص لطلب شيء ما ويختفون بعد ذلك.

اللاّيك الكَيْدي

الغرض من وضعه هو تصفيه حسابات عائلية أو علائقية مّا مع شخص ثالث وإغاظته من خلال التعبير عن تأييد مضمون ما ينشره شخص معيّن لاستهداف المقصودين بالمنشور.

لايك المُراودة أو الصّيد على الشبكة (ويشبه الصّيد بالشّباك)

هي تقنية من تقنيات المُفاتحة كما يقول ميلان كونديرا وتُستخدم من قِبل الذكور خاصة المتجولين بين جدران الفتيات والنساء للجَمجمة على كل ما ينشرن رغبة في شدّ انتباههنّ والتعبير لهنّ عن الإعجاب “البريء” في مرحلة أولى قبل المرور إلى مراحل متقدمة من المكاشفة على الخاص.

اللاّيك الزردوي (نسبة إلى الزّردة)

هذا النوع من الإعجاب لا يوضع وضعا بل يتهاطل وينهمر شلاّلا لا يتوقّف كلّما حصل تراشق إباحي بين متشخلعات الشاشات التلفزية أو كلّما تشاجر تُيُوس الحلبة السياسية… في محاكاة للروح الفرجوية العامة وظاهرة “الحضبة” في الأسواق الشعبية و”الزّرد” الموسمية حيث تحدُث أفعال ووقائع مُثيرة وغير مألوفة تتحول إلى موضع حديث العامّة على امتداد أيام وأسابيع.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version