في اليوم العالمي للقراءة … ويظلّ الكتاب ألذّ الملاذات
نشرت
قبل 3 سنوات
في
قال الرئيس الأمريكي ترومان ذات يوم إن “القرّاء ليسوا كلهم زعماء ولكن كل الزعماء هم قرّاء”، فشاعت منذ ذلك الحين عبارة Leaders are readers للتدليل على أن المطالعة عِماد أساسي من أعمدة بناء الشخصيات القيادية وصنع الزعامات التاريخية.
يحتفي المجتمع الدولي في 23 أفريل من كل سنة منذ 1995 باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف والذي أصبح يُعرف أكثر فيما بعد باليوم العالمي للقراءة باعتباره مناسبة للوقوف على أهمية الكِتاب ودوره الحاسم في تنشئة الأطفال واليافعين وفي ضمان توازنهم الشخصي ونموّهم الذهني.
وقد تمّ اختيار 23 أفريل لأن عدة مشاهير في عالم الأدب وُلدوا أو وافتهم المنيّة في هذا التاريخ بالذات، مثل ميغيل سرفانتاس صاحب كتاب “دون كيشوت” الذي دُفن يوم 23 أفريل
ويليام شكسبير الذي وُلد في هذا التاريخ
فلاديمير نابوكوف (الذي وُلد يوم 22 أفريل)
وموريس دريوون …
سأحتفي على طريقتي بهذه المناسبة الثمينة لدى ملايين البشر في العالم بأن أقسّم ورقتي هذا الأسبوع إلى ثلاثة أجزاء :
ما يقوله العلم في خصوص فوائد المطالعة.
تدوير فعل “قرأ” في لهجتنا العامية التونسية وتقليبه.
منتخب من بعض الجُمل- الدُّرر التي عثرت عليها في كتب قرأتها والتي أهديكم إيّاها طيّ هذه الورقة لأنها طريفة أو مبنيّة بطريقة هندسية فريدة أو كذلك لأنها تقولُنا على نحو ما ولم نتوفّق إلى إخراجها من تحت رُكام اللغة اليومية المكرورة.
أولا : ما يقوله العلم
قد يكون من المُتعارف عليه لدى الجميع أن المطالعة تُساعد على النجاح المدرسي وأنها تقي من مدارات اهتمام شبابيّة أخرى غير محمودة المآلات وكونها تُصلّب من العود اللغوي للفرد، ولكنّ قليلين هم من يعرفون نتائج ما توصّلت إليه أحدث الدراسات العلمية المُستندة إلى التصوير الطبّي وأعمال بعض المخابر في كُبرى الجامعات العالمية، ويمكن تلخيصها بإيجاز في العناصر التالية :
– يساهم التحفيز الدّماغي في كبح تطور مرض إلزهايمر لأن إبقاء الدماغ في حالة نشاط دائم يجعله مُحافظا على كامل إمكانياته ونضارته (الخلايا الدماغية تواصل الاشتغال بعد الانتهاء من فعل القراءة).
– المُطالعة تُخفف من حدّة الضجر والاكتئاب وتساهم في تحسين جودة النوم خاصة في ظل الضغوط اليومية الراهنة.
– المُطالعة تُطوّر من مهاراتنا الاتصالية من خلال إثراء مخزوننا اللغوي والاصطلاحي وكذلك من خلال التعرف على استعمالات وتوظيفات لغوية شتّى تساعد بشكل عفوي في استعارتها عند الضرورة.
– المُطالعة تُخصّبُ الذاكرة لأن القارئ مضطر للربط بين الشخصيات وتخزين المواقع والاحتفاظ ببعض التفاصيل ومحاولة رصد المعاني المقصودة وتأويل الترابطات المختلفة وتضافر الأحداث المتنوعة.
– المُطالعة تُقوّي من روح التعاطف (لدى الفرد بالرغم من كونها فعلا ذاتيا منعزلا) والتدرّب على مغادرة الذات وكسر التقوقع باتجاه التعرف على الآخر وتقمّصه وتمثُّل آلامه وأحلامه.
ثانيا : تدوير فعل قرأ في اللهجة العامية التونسية
هذا الفعل، مثله مثل مصطلحات زئبقية سائلة أخرى كـ “برّة” و”باهي” و”ميسالش” … قابل للتوظيف على أكثر من معنى ومقصد.
فيُقال مثلا فلان قرّاي على معنى أنه مُجتهد ومُثابر وجادّ.
وفلان يقرّيه قراية أي يتفوّق عليه علما ومعرفة ودراية.
والشيء الفلاني اقرى عليه صلاة الجنازة أي اعتبره من الأشياء المفقودة إلى الأبد.
وقارين عند نفس المدّب بما يعني أن لهم نفس السلوك وذات الطِّباع.
ويسلّم قرايتو بما يُفيد أحد الاحتمالين : إمّا متعلّم مغشوش أو فعلا أحرز نجاحا مستحقّا بفضل تفوّقه الدراسي.
وما تقراش في نفسك النّقص في إشارة إلى ضرورة تثمين الذّات وعدم الاستسلام للإحباط.
واقرى حساب لنهار آخر أي أنه يتعيّن عليك أن لا تُسرف أو تُبذّر تحسّبا لما يُخفيه المستقبل.
وفلانة تقرى الكفّ وهي شقيقة قارئة الفنجان.
واقرى سورة ياسين وفي يدّك حجرة أي أن التحصّن بالمقدّس غير كاف لدرء المخاطر والمهالك.
وراك قاري راك، عندما يُراد تأنيب شخص بذيء وطويل اللّسان على فعلة مُشينة لا تليق بالمتعلّمين.
والله يرحم من قرّى وورّى للإشادة بمن شجّع على التعلّم والمعرفة ومن أمّنها ويسّرها لأن الدراسة تُهذّب وتُقوّم وتُعلّمُ.
إلخ…
ثالثا : جُملٌ سميكة بقيت في الذاكرة من خلال قراءة كُتب لا من خلال صفحات الأقوال والأمثلة
في وصف العناء : “لو كان البؤس بذارا لنبت في شقوق وجهها شوكه الضّاري من فرط من سقتها بالعرق والدّموع” غسان كنفاني في رواية الأعمى والأطرش.
في أهمية السؤال : “إن التساؤل هو مفتاح المعرفة، والمعرفة هي سبر أغوار جديدة… مناجم موجودة ولكنها مطمورة. التساؤل هو تهديم صخور لشق منجم جديد … إننا في حاجة إلى المزيد من لظى المعرفة حتى نشعل النيران في العديد من الأقبية المظلمة المتوارثة.” الأديب الفلسطيني الراحل إيميل حبيبي في رواية خطيّة.
في القوّة المادية للأفكار : “هناك أفكار كأنها عمليات إرهابية” ميلان كونديرا في رواية “كائن لا تُحتمل خفّته”.
في معاني الواقع المُضاعف : “لا نُبصر جيّدا إلا بقلوبنا، فالأشياء المهمة لا تُدركها الأعيُنُ” سانت إكزوبيري في “الأمير الصغير”
في تلازم الأنا والآخر : “في الواقع، وجهنا الذي نراهُ في المرآة ليس وجهنا كاملا… لكنه مجرد انعكاس. لا نستطيع اكتشاف كينونتنا الحقيقية إلا من خلال وجه الآخر” أليف شفق في رواية ” البنات الثلاثة لحوّاء”.
في تعريف الأندلس والسلطة والمرأة :
“ما الأندلس؟ عودة أبدية قال. ما السلطة؟ رقصة مقبرية. ما المرأة؟ جزيرة ليلية”. الروائي المغربي محمد الشركي في “العشاء السّفلي”.
في معنى الوطن : “البلد الذي يحزنني غيابه، ليس البلد الذي عرفته في شبابي، بل ذلك الذي حلُمت به دائما والذي لم يستطع الولادة أبدا” أمين معلوف في روايته “التائهون”.
في مُلاحقة أصحاب الفكر النيّر والتنكيل بهم عربيا : “لا أبالي إن كنت في جانب والجميع في جانب آخر .. ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم ولمعت سيوفهم .. ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول .. إنما يؤرقني أشد الأرق أن لا تصل هذه الرسالة إلى ما قصدت .. فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح .. أخاطب أنصار المبدأ لا محترفي المزايدة .. وقصاد الحق لا طالبي السلطان وأنصار الحكمة لا محبي الحكم”. الكاتب المصري فرج فودة شهيد التطرف الديني في كتاب “قبل السقوط”.