كنت أتابع عبر هاتفي تسجيلا لبعض المسيرات التي شهدتها أغلب العواصم والمدن العربية دعما لأهل غزّة حين استمعت إلى بعضهم وهم يصرخون بـــ”الشعب يريد تحرير فلسطين”…فضحكت…واستغربت غباء الشعوب العربية التي لا تزال إلى يومنا هذا تصدّق أكاذيب وشطحات حكامها…
كأني بهذه الشعوب تنتظر هروبا للكيان من أرض فلسطين بمجرّد سماعه لخطاب حماسي ناسف، عنقودي الكلمات ومبيد المفردات من حاكم عربي يرفع على الاعناق بمجرّد الانتهاء من خطابه ويصبح عند بعض أتباعه زعيما لا مثيل له…وكأني بجنود الكيان ستترك أسلحتها وتهرب بمجرّد سماعها لهذه الشعارات الغبية التي ترفع في المسيرات الداعمة لشعب يئن ويتوجع منذ أكثر من سبعين عاما…وكأن هذه الشعارات ستصبح رصاصات تخترق أجساد جنود المحتلّ…أهكذا تريدون دعم القضيّة التي تعتبرونها قضيّتكم الأم…أظنّ أننا جميعا أخطأنا الطريق وأن حالنا لن يصلح ما لم نرتق بأفكارنا وندرك حقيقتنا…حقيقتنا التي تقول اننا شعوب تفاخر بما ليس فيها وبما لا تمتلكه…
نرفع شعارات ضدّ التمييز وكل بلاد العرب اوكار للتمييز وللعنصرية…نرفع شعارات تنادي بالديمقراطية ونحن لا نعرف ما تعنيه الكلمة ولا وجود لها أصلا في كل البلاد العربية…نرفع شعارات تنادي بحقوق الانسان ونحن نهين الانسان وننكّل بالإنسان أينما كان في البلاد العربية…وكأني بالشعوب العربية لم تدرك إلى يومنا هذا أن فلسطين لن يقع تحريرها ممن هم حولها من الشعوب العربية وغيرها…شعب فلسطين هو الوحيد القادر على تحرير أرضه ولا أحد من الشعوب العربية سيفعل ذلك نيابة عنه…وهو ليس في حاجة إلى هذه الشعارات التي نرفعها لأنها لن تخيف الكيان ولن تدمّر مدن الكيان…في حاجة فقط أن نقول جميعا “لا” للكيان ما لم يترك الأرض لأصحابها…
منذ سنة 1948 وحكام العرب يكذبون على شعوبهم وعلى بعضهم البعض…جميعهم يهددون الكيان بالويل والثبور وهم يرتعشون خوفا بمجرّد سماع صوت رصاصة…جميعهم يفاخرون بقوّة جبّارة وسلاح مدمّر وفي الأخير يموتون شرّ ميتة برصاصة من أسلحتهم التي كدسوها، ولم يفكروا يوما في شعوبهم وحياة شعوبهم وتركوها تعاني الفقر والتخلّف والويلات …هاتوا لي زعيما عربيا واحد أو ما شابهه كان عقلانيا في قضيّة فلسطين باستثناء بورقيبة الذي قالوا فيه ما لم يقله مالك في “السلتيا” وقذفوه بكل أنواع حبّات الطماطم …
جميعهم وعدوا شعوبهم في خطب حارقة حماسية تشتعل نارا ووقودا وشحنوا شعوبهم بأمل كاذب باسم القومية العربية وغيرها من الشعارات الكاذبة التي لم تجلب يوما خيرا واحدا للأمة العربية…جميعهم كبّلوا شعوبهم في أقفاص أيديولوجية لا نفع من ورائها غير تأليه من وضعها… وجميعهم وهنا اقصد دول المواجهة يكدسون السلاح خوفا على كراسيهم وعلى حكمهم من خصومهم ومن شعوبهم التي قد تثور عليهم يوم تكتشف خداعهم…يوم يجوع افرادها…وينتهي مخزونهم من الصبر…فلا أحد منه الحكام يكدّس السلاح لأجل شعب فلسطين أو من أجل تحرير أرض فلسطين…
هل حرروا شبرا واحدا من الأراضي المحتلّة بعد حرب السادات؟ أكانت حرب أكتوبر من أجل فلسطين أم من أجل استعادة الأراضي المصرية والسورية التي احتلت في حرب 67؟ هل أرسلوا يوما عتادا عسكريا أو رصاصة واحدة لفصائل التحرير؟ لا…هم اليوم أو لنقل بعضهم يشعرون بالدوار والغثيان لمجرّد سماعهم أن من نجحوا في كسر حاجز الخوف من الكيان هم من فصيلة خصومهم السياسيين الذين حاربوهم في بلادهم …فبعض حكام دول المواجهة لم يفاخروا بما اتته فصائل غزّة ولم يصفّقوا لها، فقط لأن من قاموا بها هم من خصومهم السياسيين…فصيل لا يفوق عدد أفراده الثلاثة آلاف نجح في ما لم تنجح فيه اية دولة عربية منذ 1948…
أغلب الحكام العرب إن لم نقل كلهم جعلوا من قضيّة فلسطين ملهاة ومجرّد فقرة في خطاب عنقودي الكلمات…وناسف المعاني لأهداف انتخابية…جميعهم يطربون ويرقصون لعملية فدائية لا تكسب القضية من ورائها شيئا غير تيتيم أبناء من قام ومات في العملية، ولا يتكفلون بيتيم واحد من يتامى الأرض المحتلة…جميعهم يبحثون عن لقب “الزعامة” وهم يخطبون في شعوبهم خطبا مليئة بحقوق الانسان والحريات والكرامة والعدالة والديمقراطية، وهم يفاخرون في نشرات الأخبار ببرنامج “سجن في كل قرية”…
في غزّة تموت الشهيدة إيلين بنت الشهيد باسل الخياط والشهيدة هديل ابو الروس وحفيدة الشهيد محمود الخياط والشهيدة رجاء فخري أبو الروس…وعلى بعد بعض مئات الكيلومترات منها يقع ختان الأمير ابن الأمير والأميرة وحفيد الأمير والأميرة أبناء الملك والملكة وتصرف ملايين الدولارات من أجل الحدث …فشتّان بين دولة تنجب الشهداء ودولة تنجب الأمراء ونصف شعبها من الفقراء…