جور نار
في موضوع الاستشارة الوطنية حول التربية والتعليم
… حتى لا نُعيد إنتاج فشل التجارب السّابقة
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriدُعيتُ يوم الاثنين الماضي إلى إبداء الرأي على موجات الإذاعة الوطنية مع الإعلامي الشاعر عز الدين بن محمود في برنامجه الأسبوعي “مجرّد سؤال” بخصوص موضوع الاستشارة الوطنية للتربية والتعليم التي أذنت بها رئاسة الجمهورية، وقد عبّرت عن بعض الأفكار حِيال هذه المسألة أردت أن أتقاسمها معكم في هذه الورقة.
ولا بدّ من التوضيح في البداية أنني لست من الرافضين بشكل مطلق لهذه المبادرة ولا من الذين يضعون كل آمالهم على مثل هكذا خطوة نظرا إلى التحفّظات العديدة والتخوّفات المتنوعة التي لديّ (وأنا الذي عايشتُ وواكبتُ من الاستشارات والندوات الاستشارية والحوارات الوطنية ولجان التفكير وورشات الإصلاح والموائد المستديرة المخصصة للتشخيص والتمحيص … ما يؤثّث مجلّدات ضخمة من الأدبيات والمقترحات والمُعالجات لكنها لم تُثمر في أغلب الأحيان أية نتائج ملموسة تركت أثرا يُذكر في واقع مدرستنا التونسية)… بل أنا من المُتحمّسين دوما لأي مشروع خاصة عندما يقول اسمه ويُعلن عن نواياه بوضوح بصرف النظر عن التمشيات المعتمدة لتفعيله وتركيبة الهياكل القائمة عليه والمدى الزمني الذي سيستغرقه، وكذلك مدى توفّر الظروف المواتية موضوعيا وذاتيا. ولكن هذا لا يمنع من أن تكون لديّ عديد التحفّظات الجدية التي تحفّ بهذا المشروع والتي يرتبط بها وثيق الارتباط نجاحه من عدمه حسب اعتقادي، متّكئا في التنبيه إليها على تجاربنا السابقة لا في مجال التربية فقط بل في كل المجالات تقريبا فوق أرضنا غير المستصلحة في مجملها.
ما الذي يجعلني أغذّي بعض الأمل ولو بصفة حذِرة ونقديّة ؟
“عندما يسوءُ كل شيء، يصبح الأمل ضرورة وطنية” … يصلح هذا لأن يكون شعارنا الأوحد خلال هذه الفترة من تاريخنا، لأنه ليس أمامنا سوى وطن واحد سنذود عنه – كل بما توفّر لديه من طاقة وقدرة على تجاوز الكبوات المتتالية- وسنظل متعلّقين بأيّ بريق يسطع في الأفق مهما كان خافتا، ولأنه ليس لدينا من خيارات أخرى في وجه السّقوط المدوّي لمنظومتنا التعليمية العمومية وما يتبعُه من خسائر بشرية فادحة غير محاولة الإصلاح أو في أسوإ الأحوال معالجة بعض الشقوق الخرسانية الخطيرة منعًا للانهيار الأخير، ولأنه لا أحد مطلقا بوسعه الادّعاء أنه يملك الوصفة السحرية التي بها تنهض تربيتنا وتتجاوز علاّتها، بما يفرض عملا جماعيا واسعا يكون مصدر طاقة خلاّقة للأفكار ومقترحات الحلول والمعالجات…
بسبب كل ذلك، أمتنعُ شخصيا عن إيجاد المبرّرات لمقاطعة الاستشارة وعدم الاعتراف بمُخرجاتها كما يدعو البعض إلى ذلك، تارة لكونها استشارة شكلية لن يؤخذ بنتائجها وتارة أخرى لتولّي “من هبّ ودبّ” وضع مفردات الاستشارة (كما كتب مؤخرا واحد من بين الذين يعتبرون أن لا نجاح لأي إصلاح دون إشرافهم المُبين)، مع تقديري التام لبعض الأصوات الصادقة التي عبّرت عن تحفّظاتها المبنيّة على قراءة موضوعية للمناخ السياسي العام الذي تمرّ به البلاد، وتقييم هادئ للتجارب السابقة في مجال “جئتُ أستشيركم في قرار اتخذتُه” !
أربعة تحفّظات كبرى ليتهم ينتبهون إليها :
أوّلا : كأننا لا نريد القطع مع سياسات الهدْر وعُقدة “ما فعله الآخرون بالضرورة لن يكون”.
يمكن القول في هذا السياق إن مشروع الإصلاح التربوي لسنتي 2015 و 2016 والذي تمّ إسقاطه لاعتبارات سياسوية ونقابويّة صرفة وليس لإخلالات أو هِنات برزت على مستوى نتائجه وعشرات الوثائق المنبثقة عن لجانه الفنية المتخصصة، شكّل فرصة تاريخية حقيقية لوضع أسس معالجة أزمة مدرستنا التونسية ومُجمل المنظومة التكوينية. أقول هذا بالنظر إلى اتساع رقعة المشاركة في الحوار الوطني الذي جرى في كل الجهات وفي كل المؤسسات التربوية ابتدائيا وإعداديا وثانويا والذي امتدّ من 15 ماي إلى 17 جويلية 2015 بمساهمة مئات الآلاف من التلاميذ والأولياء ومختلف الفاعلين التربويين، وبالنظر ثانيا إلى حصول شبه إجماع وطني حول مشروع الإصلاح المتجلّي في مشاركة مختلف الوزارات المعنية واتحاد الشغل وطيفا واسعا من الفاعلين المدنيّين، وثالثا باعتبار العمل الجبّار الذي أنجزه الخبراء والمتخصصون صلب اللجان الأربعة عشرة التي اشتغلت على أهم المفاصل المتصلة بالشأن التربوي، ورابعا وأخيرا (وربما هذا هو الاعتبار الأهم) لأن كل اللجان أنهت أعمالها وأنتجت وثائق مرجعية هامة من التشخيص إلى مقترحات الحلول إلى مؤلّف التوجّهات والخيارات العامة… وصولا إلى القانون التوجيهي للتربية الذي كان سيُعرض على البرلمان للمصادقة آنذاك لكن القصبة تواطأت مع باردو وقُبر المشروع. وعليه ليس من حقّنا أن نُنكر هذا المجهود الضخم ولا نسعى إلى البناء عليه والاستفادة منه في أية إصلاحات قادمة.
ثانيا : ٍ ضرورة بلورة رؤيا مكتملة للإصلاح لأن شعار “تهالك المدرسة العمومية وإعادة البريق إليها” ليس عنوانا للإصلاح.
استمعت شخصيا إلى بعض الخطب الرسمية التي رافقت إعداد الاستشارة الإلكترونية المنتظرة، وكانت جلّها تكرّر بعض العناصر التشخيصية المُتّفق حولها مجتمعيا والتي ترِد حتى على لسان الأمهات المرابطات أمام المدارس… من قبيل ضرورة إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وإيقاف نزيف الانقطاع والتصدي لمظاهر العنف والجنوح في الوسط المدرسي الخ… دون وجود مؤشرات دالّة على أن أصحاب القرار منتبهون حقيقة إلى ما وراء هذه الشعارات العامة وإلى ما يتوجّب اتخاذه من إجراءات وضبطه من سياسات لتطويق الحريق، لأن “ما نتعقّله جيدا نستطيع قوله بوضوح، فتنسابُ الكلمات بيُسر معبّرة عنه… كما يقول الكاتب نيكولا بوالو.
ثالثا : معركة التربية لا يُخاض غمارها في ساحات وزارة التربية وحدها
عندما نرى حجم التفكك في المنظومة الوطنية للتربية والتعليم والتكوين في تونس ومنطق المقاطعات المهيمن في نمط تفكير كبار المسؤولين والتفكير بمنطق “عدم التفريط في الامتيازات المكتسبة بفعل التحوّز”…وخاصة عندما يغيب أي تنسيق مهما كان بسيطا بين الوزارات المعنيّة بشكل مباشر على مستقبل أجيال بأكملها (كأن يجهل التعليم العالي على سبيل المثال ما يدرسه تلاميذ الثانوي من برامج وهم من سيفدون عليه بعد سنة واحدة بعد الباكالوريا، أو كأن لا تعلَمَ التربية عدد المنقطعين سنويا وإمكانيات إدماجهم في مسالك أخرى أو كذلك كأن لا يعلم التكوين المهني عدد الملتحقين به بعد الباكالوريا لاتخاذ الاحتياطات الضرورية في إبانها…) عندما تتواصل هذه السياسة المُشينة في حق أجيال بأسرها، لا يمكن إلا أن ننبّه وبإلحاح إلى ضرورة وضع كل الإمكانيات من أجل ضمان الالتقاء اليومي بين مصالح مختلف هذه الوزارات لتدارك ما فات والاستعداد المنظومي لما هو آت.
رابعا : الاصلاح الشامل والناجز والنهائي حسب رأيي …وهْمٌ وزيفٌ وتخيّلات
نحن لا نعرف إلى حدّ الآن إن كانت الاستشارة الإلكترونية ستُجيب عن أسئلة الإصلاح التربوي وتُفرز توجهاته العامة، أم ستُعرض مُخرجاتها على المختصين من أجل تدقيقها وأجرأتها، أم ستُفضي إلى ما يشبه القانون التوجيهي يُعرض على البرلمان … ولا نعلم كذلك من هي الجهة التي ستُباشر قيادة الإصلاح : هل هو المجلس الأعلى للتربية الذي يرَ النور بعدُ أم سيكتفي هذا الأخير بوضع التوجهات العامة وتتكفل هيئة أخرى بإعادة المياه إلى مجاريها الدائرية حول نفسها… ؟
من ناحية أخرى، من حقّنا أن نتساءل عن منهجية الإصلاح ومن أين سيبدأ وما هي روزنامة تنفيذه وكيف السبيل إلى تمويل استحقاقاته؟
أطرح هذا السؤال لأن المراهنة على إصلاح تربوي جوهري وشامل لكل المجالات من تكوين للفاعلين التربويين وتجويد للحياة المدرسية وتحيين للبرامج والكتب المدرسية والزمن المدرسي وحسم معضلة لغة تدريس العلوم ومكانة اللغات في برامجنا وإحكام الربط مع مختلف الوزارات والهيئات المعنية… هي في تقديري من قبيل إضاعة وقت ثمين وتشتيت للقوى وتشييد لأحلام ضخمة نحن غير قادرين على إنفاذها دفعة واحدة… وبالتالي يتحتّم التوجه بدلا من ذلك إلى إجراء إصلاحات موضعيّة عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه (الآن وليس غدا) وإرجاع قطار التربية إلى السكّة التي حاد عنها.
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
استطلاع
صن نار
- فُرن نارقبل 29 دقيقة
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يوم واحد
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يوم واحد
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يوم واحد
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يومين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يومين
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يومين
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل