جور نار

قبل 25 وبعد 25… هل كنا نعيش في ديمقراطية؟

نشرت

في

معركة في مجلس النواب

يكثر النعيب في أوساطنا الحقوقية خاصة عن غياب للديمقراطية وانقلاب عليها منذ سنتين … ومع الأوساط الحقوقية مجاميع أخرى من ساسة الخمس نجوم، يعاضدونها في نفس التشكّي ونفس الحسرة على النعيم الذي فات …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

لن ندخل في تفاصيل علاقة المذكورين بداية بحقوق الإنسان فعلا لا بهبرة، ولا عن علاقة الثانين بالسياسة التي تضعهم في نفس اختصاص روزفلت وغاندي وماو ونيلسون مانديلا ومهاتير محمد و”لي كوان يو” مؤسس سنغافورة … شاء هؤلاء أم أبوا أم لم يكترثوا أصلا … كما لن ندافع عما يحدث في البلاد منذ صائفة 2021 فلذلك ناسه ومتحمسوه سواء محبة فيه أو نكاية في الذين جاؤوا قبله … كما أخيرا لن نعود بالتاريخ إلى ماقبل 2011 فتلك الصفحات تبتعد بسرعة وصارت بعد من أنظار المؤرخين لا الصحفيين .. ولكن الذي يهمنا هو: هل عرفت تونس حقا نظاما ديمقراطيا منذ رحيل طائرة جدة؟

هنا لا بد من الاتفاق حول مفهوم الديمقراطية … بالمعنى الواقعي المنظور الملموس بالحواس الخمس، لا بمعنى كتب الإغريق أو فلاسفة القرن الثامن عشر … الديمقراطية التي نقصدها ونحتكم الآن إلى مفهومها هي ما يصل منها إلى المواطن في المدينة في الريف في الصحراء في الجبل في قناعات صيادي أعلي البحار … ديمقراطية تعطي حق المخرج والمؤلف والممثلين والتقنيين وعملة المسرح وخاصة الجمهور الكبير داخل الصالة وخارجها وحتى مارة شارع بورقيبة … وليست ديمقراطية الديكور والأفيشات والعناوين الجذابة ومقالات النقاد من الغد على أعمدة الصحف الورقية والإلكترونية …

إن كان على الشكليات، فلا فرق في مظاهر كثيرة بين تونس مثلا وكندا … عندهم وزارات، عندنا وزارات … عندهم علم يعلقونه فوق الإدارات، عندنا علم نعلقه فوق الإدارات … عندهم نشيد رسمي، عندنا حماة الحمى … عندهم مستشفيات ومدارس، وعندنا ما يشبه المستشفيات وما يومئ للمدارس … عندهم شركات مياه وكهرباء واتصالات، عندنا نحن أيضا شركات انقطاعات وانقطاعات وانقطاعات … سهل جدا أن نستمر في هذه اللعبة منذ أن أنشئت منظمة الأمم المتحدة وفروعها وبرامجها الكثيرة في الثقافة والزراعة والصحة والشغل ألخ … بل زدنا عليها مرافق عيقرية مباركة مثل شركات الغراسات والبستنة …

ديمقراطية الديمقراطيين ليست في أنك تعيش مع 216 حزبا تشارك في الانتخابات بدل حزب واحد، وليست فقط في أن يفوز أحدها بنسبة 51 بالمائة فقط بدل 99، وليست في أن يفوز ذلك برلمانا متعددا يتجاور فيه الدكتور مع راعي الأغنام، وليست في أن يقوم أي واحد ليشتم الكبير والصغير دون أن يخشى محاسبة … تصوروا … حتى في تلك الفترة لم تصنّفنا مراصد الحريات في العالم إلا في مراتب متأخرة عن بلاد كثيرة … ومع ذلك يتبجّح بعضنا بأننا كنا الأوائل عربيا … أي كمن يصنّف عمشاء أنجب النجباء في قسم من أقسام معهد النور ببن عروس …

ديمقراطية الديمقراطيين أن تكون لك خدمات عمومية راقية تحترم حقك في جودتها مهما كنت وأينما كنت، وتعتذر بشدّة عند أبسط خلل … وأن يتم صرف المال العام في مكانه ويحرص المؤتمنون على ذلك بالمليم و الدينار ويقدم استقالته فورا من يسمع تشكيكا، مجرد تشكيك، في ذمته المالية أو حسن تصرفه … وأن يتفقد المسؤول كل جزئية تخص عمله وتحفى ساقاه في مراقبة الأشغال التي كلف بها أعوانا أقل منه … وأن يتم نغيير كل مصباح إنارة في يومه أو من الغد على أقصى تقدير لا أن تبقى شوارع بأكملها في الظلام الدامس أشهرا وسنوات … وأن يتم استقبال المواطن التونسي بتربية عالية في أي موقع (مستشفى، بنك، قباضة، مركز بريد، نزل سياحي …) و كأنه من أعيان البلاد، وكأنه متفقد مركزي، وكأنه ضيف أجنبي…

ديمقراطية الديمقراطيين أن يتم إنصافك عند كل تظلّم، بصفة عاجلة وبكل الجهد الممكن والحق المعاد إلى أصحابه … ويقع الاستماع إليك وأخذ حقك مهما كنت وكان الطرف المقابل … حتى لو كنت عامل بناء وكان خصمك أكبر مقاول مليونير في برّ تونس … حتى لو كنت مواطنا “إيكس” وكان ضدّك وزير أو رئيس أكبر حزب أو رئبس حكومة أو رئيس جمهورية … بالعكس، فقضاء البلدان الديمقراطية بحق وعدل، هو الذي ينصر الضعيف على القوي، والبائس على الغني، ورجل الشارع على صاحب السلطة … بل رأيناهم حتى عندما يخطئ الفقراء قليلو الحيلة، يجدون لهم أحيانا ظروف تخفيف وعقوبات هينة حتى لو لم يكن لهم محام يطلب ذلك …

ديمقراطية الديمقراطيين أن يتساوى الجميع أمام الواجب الضريبي … والمساواة هنا بمعناها الشامل أولا، فلا أحد مستثنى بالنص أو بالتطبيق … وثانيا بمعناها العادل أي الذي يملك أكثر يدفع أكثر، والذي يملك أقل يدفع أقل … و ياويل الذي يصرّح زورا أو يتلاعب مع ورقة الجباية و مأموريها … العقوبات مشددة لا إفلات منها ولو كنت نجما عالميا … كما أن حقوق الدولة لا تقاس حسب الأمزجة وهذا معنا اليوم والآخر أصبح غدا من الجماعة الآخرين … فنترك الحبل على الغارب لمقربي السلطة ومحمييها، وحين يسقط أحد هؤلاء من حساب السلطة تنزل عليه الطامة والعامة، بحلالك وحرامك … فالدولة وأجهزتها قوة عدل وليست أداة انتقام …

وقد نبقى يوما ويومين وجمعة ـ كما تقول الأغنية ـ ونحن نعدد الأمثلة والمجالات عن الديمقراطية كما يعيشها ويمارسها الديمقراطيون … والذين زاروا تلك البلدان يرجعون فيقولون لنا هذا وغيره، ولكنك ببراءة تسألهم: ولماذا لا يوجد ذلك عندنا؟ هل هم أبناء 9 أشهر ونحن لا قدر الله أبناء مومس؟

ونسأل أخيرا أخيرا … وهل عشنا ولو نزرا قليلا من ذلك بعد 14 جانفي أو 23 أكتوبر أو 26 أكتوبر أو 25 جويلية أو 17 ديسمبر … أوالتواريخ القريبة منها والمتصاهرة معها؟؟؟؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version