تابعنا على

جور نار

قدسية المواطن … دونها سياستكم كذب وبهتان

نشرت

في

زياد الهاني تونس ستستعيد رفاة حنبعل من تركيا وسيتم دفنه في قرطاج في جنازة مهيبة

بكثير من التنهّد والاستسلام، ما زال بعضنا، بل معظمنا، بل كلّنا، يذكر أمثلة من هنا وهناك عن علوّ قيمة الإنسان في دول الشمال، مقابل اللاشيء واللا قيمة واللا وزن للبشر في ربوعنا … وكلما زاد سعر بضاعة ما في أسواقنا، يقول الشاري للبائع، أو البائع للشاري مستخلصا: كل شيء في غلاء، ولم يبق رخيصا إلا ابن آدم …

عبد القادر المقري Makri Abdelkader
<strong>عبد القادر المقري<strong>

قلتها مرة بدوري وأنا صغير أمام أحد الشيوخ، فزجرني زجرة خِلت أنه سيقتلني: البشر ليس رخيصا إلا إذا كان قليل أصل أو عديم تربية أو لصّا أو كذّابا … فارتعدت فرائصي الضئيلة أمام حجمه الضخم ورأسه المنذرة وتراجعت عن أقوالي فورا … وها أن السنون تكرّ، وأجدني أعود إلى تلك القاعدة الذهبية، فعلا، فالإنسان يمكن أن يكون أغلى شيء في هذا الكون، واقدس المقدسات، ولكن بشرط … أوّلا كما قال العجوز الرهيب، وثانيا أن تعتقد الحكومات ذلك وتعمل به … وهذه بالذات يلزمها كتب ومحلّدات وعناء دهر …

تفاصيل صغيرة وكبيرة بلا حصر تدحض أو تؤيد هذا الكلام … منظر مواطنيك وهم يتأبطون ما يشترونه من خبز أو يحملونه كأنهم يمسكون دجاجة أو ربطة بصل بأيديهم العارية … وذلك بعد أن قرر أحد وزراء البيئة إعفاء (ولا أقول منع) المخابز من تقديم أكياس بلاستيك لزبائنها بدعوى الحفاظ على المحيط … وحصل نفس الشيء قبلها مع المغازات الكبرى وبنفس التعلّة … وقد تبيّن بالكاشف أن العملية لا علاقة لها بسلامة البيئة بل كانت هدية للوبيات التجار والمساحات الكبرى حتى تربح أكثر على ظهورنا … بدليل أن العشرة مليمات الباقية من سعر الخبزة مثلا والتي كنا نتنازل عنها لأسياب عدة منها كلفة الكيس، هذه الزوز دورو بقيت دائما في قجر البائع، بكيس البلاستيك أو من دونه … وبدليل أيضا، أن الوزير المذكور هو الآن في الحبس أو هارب في الخارج، بعد أن نسبت إليه قضايا فساد بلا عدد، إلى درجة أن اسمه أصبح مذّاك رياض ماهيندرا …

طبعا عندما ذكرت المخابز والمتاجر لم أتحدث عن الصفوف فتلك قصة تطول … ولكن هاك صفوفا أخرى لم يعد تقريبا يذكرها أحد وهي طوابير الفيزا أمام كم قنصلية وسفارة ومكتب “تي ال اس” عافس في الكل … لا ألوم في هذه أو في غيرها المواطنين على لهفتهم ورضاهم بالهمّ فلكلّ ظروفه … ولكن هل تلاحظ حكوماتنا ذلك وتقارن بيننا وبين من يفِدون علينا بلا تأشيرة ولا طباشيرة؟ … هم يأتون من نفس البلدان التي تهيننا فنقابل سفالتها بإكرام مواطنيها غاية الإكرام … بل ونعاملهم بأسعار زهيدة في أفخر فنادقنا مع الخدمة الكاملة والنقل المكيّف من وإلى المطار … أسبوع في الحمّامات بـ 300 أو 350 يورو، يساوي حسب مداخيلهم هناك ما يعادل المائة دينار بفلوسنا … هذا إن دفعوا الثمن هنا في تونس ولم يتم ذلك في بلادهم مع الوكالة الأجنبية … في حين أن نفس الفندق يفكتر للتونسيين ثلاثة أيام (لا أسبوعا) بـ 500 دينار للفرد الواحد نصف إقامة مع حرمانه حتى من ماء الشرب … دون الحدبث عن سوء الاستقبال إن وجدت معهم مكانا أصلا …

بين قوسين … في بعض البلاد العربية (لا الأوروبية فحسب) مثل مصر، ما يدفعه المواطن في المواقع السياحية هو نصف ما يدفعه الزائر من بلد آخر ولو كان عربيا … كما أن على السائح أن يدفع بالعملة الصعبة، في حين أن المواطن فقط هو الذي يمكنه الدفع بالجنيه المصري … وهذا يذكّرنا بمتاحفنا ومعالمنا الأثرية المفتوحة للأجانب بالمجّان كامل السنة، في حين أن تلاميذنا لهم الحق “مرة في الشهر” في الدخول الحرّ إلى مواقع تاريخم وحضارتهم … ونستغرب بعد ذلك حين نجد في امتحان الباكالوريا، من لا يفرّق بين حنبعل برقا وحنبعل المجبري وقناة حنبعل الفضائية …

نعود إلى السياحة، هذه الدمّلة التي تبيع كرامتنا قبل الشمس والبحر … منذ أيام كنت أتابع صديقي محمد علي الفرشيشي في جولته المعتادة بين الأسواق، ولفت نظري جناح الأسماك الخاوي إلا من بضع كعبات هزيلات لائثات … وقد برر البائع ذلك بأن معظم صيدنا البحري يذهب مباشرة إلى النزل السياحية كمّا ونوعا … طبعا … فمن أجل ملاليم العملة الصعبة التي لاتصلح إلا لتسمين حسابات لصوصنا في الخارج … نهرس عظام مواطنينا ونسلب قوتهم وننهب خيرات بلادهم ونعاملهم معاملة الحيوان التريك …

نعم ملاليم، فما تغنمه البلاد من مئات الفنادق السياحية المبنية بمالنا كذب وبلّوط … ورحم الله الشاذلي العياري الذي باح بذلك في لحظة صدق … ومداخيل تصدير قوتنا كذب قراح أيضا … فأجود ما ننتجه من قاروص وبوري ومناني و”لانغوست” يباع إلى الخارج بسعر التراب … في حين أن الكيلوغرام منه في أسواقنا يعادل شهرية موظف، وهناك منها حتى ما لا نراه إلا في الصور … وفضيحة منع صيد التن الأحمر التونسي على الصيادين، ومنع بيعه للمستهلكين التونسيين، بما أن ذلك مباح فقط للزوارق الأجنبية … وبقرار من وزير الفلاحة التونسي … وصمة عار وجريمة تستحقّون عليها الشنق والسحل في ساحة عامة …

إلى الجحيم أنتم … إلى الجحيم سياساتكم … إلى الجحيم عملتكم الصعبة … إلى الجحيم لوبياتكم التي تدللونها … إلى الجحيم خطاباتكم الخشبية عن السيادة والكرامة والشعب والجعب … لن أصدق أي حاكم منكم إلا حين يمنع تصدير سمكنا وزيتنا وفواكهنا وخضرواتنا قبل أن يشبع منها المواطن وبأسعار يقدر عليها … المجلة الجزائية مطلوب تحويرها … أقصى العقوبات لمن يعبث بإنسانيتنا ويدفعنا لاحتقار ذواتنا والبصاق على بلدنا … ومن هناك، نمضي إلى جميع المظاهر المخلّة بشرفنا الوطني، وبقدسية هذا المواطن البسيط الذي لولاه لما قامت لأي جرو منكم قائمة …

ختاما … كثيرون منا يسخرون من حماسة فائصة كهذه، ويعيدون عليك اسطوانة الانبطاح التي درجوا عليها منذ الولادة … لهؤلاء نسوق مثال الذين إذا أمطرت السماء حرية حملوا معهم مظلاّت … أو بشكل أوضح، حين يتمّ تفريق الرجولة على ناصية الطريق، ابقوا في منازلكم وابعثوا بشهادة مرض …

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 86

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

لم انس ما فعله معي المرحوم صلاح الدين معاوي في حلحلة المظلمة التي تعرضت لها بعد عودتي من فرنسا وانا احمل معي ديبلوم الدرجة الثالثة للعلوم السمعية البصرية سنة 1979 دون أن يشفع لي نجاحي اوّل في تلك الدفعة …

عبد الكريم قطاطة

لم اجاز على ذلك الا بتلكؤ كلّ الادارت التي تعاقبت والتي وبخطأ منها رسمتني في قائمة المهندسين… وهذه كانت بالنسبة لي جناية في حقّ كل من ينتمي لذلك الاطار في الوظيفة العمومية لانّي لم ادرس يوما لاتخرّج مهندسا ..وامام رفضي لهذه الوضعية رغم اغراءاتها المادية وقع تجميد ملفّي 9 سنوات كاملة… حتى اقدم السيّد صلاح الدين معاوي على فتح ملفي من جديد وفي ظرف وجيز قام بالتسوية… لذلك وامام اقتراحه بتكليفي بمهمة الاشراف على اذاعة الشباب من اجل ادخال تطويرات عليها، خجلت من نفسي ان انا رفضت… ولكن وللشفافية المطلقة قلت له طلبك على عيني سي صلاح لكن بشرط ..ابتسم لي وقال (ايّا اعطينا شروطك يا كريّم .. اما ما تصعبهاش عليّ) ..

قلت له (اعترافا منّي بالجميل لك ولن انسى جميلك ساقبل الاشراف على اذاعة الشباب ولكن ضمن رؤيتي الخاصة لكيف يجب ان تكون اذاعة الشباب) .. لم يتركني اكمل واجاب على الفور ..انا اعرفك منذ سنوات ..واعرف ثوابتك ..ومن اجلها اخترتك لتكون مشرفا عليها وبنفس تلك الثوابت ولك منّي الضوء الاخضر والدعم الكلّي ..شكرته واردفت (سافعل كلّ ما في وسعي لارضاء ضميري ولاكون في مستوى ثقتك ..لكنّي لم اتمّ حديثي) .. ودائما بوجهه الباسم قال: (هات ما عندك) ..قلت اوّلا اشرافي على اذاعة الشباب يجب الاّ يبعدني عن المصدح ..المصدح هو عشق وانا لا استطيع التنفس لا تحت الماء ولا فوقه دون ذلك العشق…

ودون انتظار منّي قال سي صلاح ..واشكون قلك ابعد عن المصدح ؟؟ مازالشي حاجة اخرى يا كريّم ؟ … قلت له نعم هي حاجة اخيرة ..ساقبل على هذه المسؤولية بكلّ ما اوتيت من معرفة وجدّية وحبّا في بلدي لكن ساتخلّى عن هذا الدور بعد سنة للشروع في التوجّه الى الاعمال التلفزية كمنتج وكمخرج ..ضحك هذه المرّة سي صلاح وقال لي (يقولولي عليك راسك كاسح وما تعمل كان اللي يقلك عليه مخّك ..ويبدو انهم عندهم حقّ… المهمّ الان توكّل على الله ثمّ لكلّ حادث حديث) …

وفعلا شرعت بداية في الاستماع لبرامج اذاعة الشباب والتي تبثّ يوميا من الساعة السابعة الى التاسعة ليلا باستثناء يوم الاحد حيث تبدأ من الثانية ظهرا حتى السادسة مساء .. لآخذ فكرة عن واقعها ولاصلح ما يمكن اصلاحه… ولعلّ ابرز ما لاحظته في استماعي شهرا كاملا انّ عديد الاصوات التي كانت تعمّر اذاعة الشباب لا علاقة لها البتّة بالعمل الاذاعي ..ثم حرصت في نفس تلك الفترة على التعرّف على هويّة منشطيها فادركت انّهم في جلّهم من المنتمين الى التجمّع …وهنا عليّ ان اشير الى احترامي دوما لتوجّهات الفرد في اختياراته لكن شريطة ان لا يتحوّل المصدح الاذاعي لخدمات مصالحه الحزبية الضيقة ..المصدح كان وسيبقى في خدمة البلد لا في خدمة الاشخاص والاحزاب …

وامام هذه الحالة قررت ابعاد العديد من المنتمين لاذاعة الشباب انذاك امّا لاسباب مهنيّة بحتة (اي هم لا يصلحون للعمل الاذاعي لا صوتا ولا حضورا) او لوضوح مطامح البعض منهم وبشكل انتهازي لاجندة الحزب الحاكم ..وفي الاثناء كان عليّ ان اجد البديل ..اتجهت رأسا لبرامج الاطفال التي كانت تبث باذاعة صفاقس لدرايتي بالخبرة التي اكتسبها عديد براعمها مع منتجي تلك البرامج وعلى راسهم الكبير سي عبدالرحمان اللحياني حفظه الله ..وفعلا وجدت في تلك البرامج اسماء في بداية سنّ الشباب …وقمت ايضا بكاستينغ اخترت فيه اسماء جديدة قادرة على ان تكون ضمن اذاعة الشباب ..ووزّعت هذه الاسماء على فرق وكلّفت بعض الزملاء ذوي التجربة والكفاءة برئاسة تلك الفرق … وانطلقت مع الجميع في برمجة جديدة هدفها الاهتمام اليومي بمشاغل الشباب دون استعمال آلات الايقاع وعلى رأسها البنادر .. كان الشعار الذي اتبعناه انذاك (نحن معا نبحث عن الحقيقة كلّ الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة) ..ونجحت اذاعة الشباب في استقطاب جمهور عريض ..ونجح العديد من براعمها في نحت اسماء مازالت لحدّ الان تعمل بنجاح ..لانّها تعوّدت على الجدّية وعشق المصدح ..والالتزام بان لا شيء يعلو فوق الوطن ..

وبعد سنة يوما بيوم قدّمت استقالتي امام دهشة الجميع ..كان الجميع على علم بشرطي المتمثّل في مغادرة اذاعة الشباب بعد سنة ..لكنّ العديد منهم كان يتصوّر ذلك مجرّد تسويق كلام ..حتى حصل ما كان في الحسبان ..وكُلّف الزميل عبدالقادر السلامي رحمه الله بالاشراف عليها بعد مغادرتي حتى وقع حلّها عندما فُتح المجال لاذاعة الشباب بتونس لتصبح الضرّة التي قتلت ضرّتها ..وما اكثر ضرائرنا عندما يتعلّق الامر بصفاقس ..

قبل ان اصل الى التسعينات لابدّ من العودة الى نهاية الثمانينات لاشياء عشتها سواء اذاعيا او صحفيا ..في بداية جانفي 1988 كنت استعدّ للدخول الى الاستوديو لتقديم الكوكتيل في الاصيل… توقيتا كانت الساعة تشير الى الثالثة والربع ليتّصل بي موزّع الهاتف قائلا هنالك مستمعة اتصلت بك عشرات المرات لحاجة شخصيّة ملحّة ..هي معي على الخطّ هل امررها لك .قلت مرحبا ..جاءني صوت شابة يقطر حزنا وخذلانا ..لم تتأخّر عن الكلام وقالت بصوت متهدّج ..انا اسمي مروى من الساحل ..مشاكلي لا تُحصى ولا تُعدّ ولذلك قررت وضع حدّ لحياتي وسيكون برنامجك اخر شيء استمع اليه ..وانقطع الخطّ ..

للامانة انا كنت ومازلت اعوّل على احساسي بصدق الاخرين ..احسستها صادقة وكان عليّ ان افعل شيئا ما… قلبت البرنامج في محتواه المقرّر له… الغيت كلّ الاغاني المبرمجة مسبقا وعوضتها باغان تدعو للامل والتشبث بالحياة … كان سباقا ضدّ الساعة ..دخلت الاستوديو وبسطت الامر على المستمعين في سؤال للجميع ..هل باماكننا انقاذ مروى وثنيها عن قرارها ..وتهاطلت مكالمات المستمعين بكلّ حرقة وروح انسانية عالية… وقبل ان اغادر الاستوديو خاطبت صديقتنا مروى بقولي (انا ساغادر الاستوديو الان ولكن لن اغادر مقرّ الاذاعة حتى ياتيني هاتفك ليقول لي ولكلّ المستمعين انّك عدلت عن قرارك) …

نعم وكان ذلك…وبقيت متسمّرا في الاذاعة حتى منتصف الليل ليرنّ الهاتف بمكتبي وياتيني صوت مروى الباكي والمبشّر بشكرها وامتنانها للبرنامج وللمستمعين الذين اعادوا لها الامل في الحياة..ورجوتها ان تطمئننا من حين لاخر عن حياتها وفعلا فعلت… بل وهو الامر الذي اسعدني وأسعد المستمعين، حياتها استقرّت وتزوجت وانجبت اطفالا وهي تنعم بالسعادة والامان ..ما ذكرته لا يعني بالمرة استعراضا لبطولة ما وافتخارا بها، بل كنت ومازلت اؤمن انّ المنشط ان مات اوتجمّد في داخله الانسان لا يستحقّ وجوده امام المصدح .. ما قيمة الانسان ان مات في داخله الانسان .. انه اشبه بالدمية التي لا روح فيها ولا عطر ولا حياة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

آفة المخدرات بتونس: التاريخ… والتوسع… والحلول (2)

نشرت

في

محمد الزمزاري:

من ذلك رأينا آلاف الاكشاك المنتصبة على الطرقات بصور مشبوهة و نشاطات هي أيضا خارجة على الذوق والصحة والقانون…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

وفي هذا الإطار نجحت عمليات توسيع الترويج بكامل البلاد عن طريق عصابات جهوية ومحلية لم تتورع حتى عن مراودة تلاميذ المدارس الابتدائية. كما دخلت للسوق انواع جديدة من المخدرات زيادة عن القنب والتكروري والماريخوانا وشتى مستحضرات الهلوسة… ونظمت العصابات المافيوزية صفوفها بدعم متواطئ من أطراف فاسدة وتوسعت عمليات الترويج والاستهلاك تبعا لتوسع شبكات التهريب التي كانت مستقوية كما ذكرنا بسياسات لم تكن تعنيها مخاطر التهريب او الترويج او انتشار الاستهلاك في كل الأماكن مدنية او ريفية او مدرسية وربما جل الشرائح بنسب متفاوتة ومنها شريحة كبار السن…

جدير بالتذكير لإعطاء كل ذي حق حقه، ان والي اريانة الأسبق كان اول من تفطن إلى “خيوط العنكبوت” القذرة التي تحاول مد شبكات التهريب و تدمير الشباب و حتى أطفال تونس… وكانت له الشجاعة والوطنية لكنس جل الاكشاك المدرجة ضمن منهجية واضحة المعالم… فما كان من الانتشار الاجرامي المتمثل في ترويج عدد من أصناف المخدرات إلا أن انكمش في جحوره ..

اليوم هناك شعور جدي بأن الحرب على المخدرات قد انطلقت بفضل قرارات لا تقل صرامة عن مواجهة الإرهاب… لكن هل ان ايقاف بعض المروجين وحشرهم بالسجن سيقضي على الآفة بالبلاد؟؟ ان من يعرف بدقة عقلية المهربين و السلسلة الممتدة من الاباطرة المروجين إلى باعة التفصيل بالأحياء الشعبية والمرفهة وحتى الريفية كما ذكرنا، يدرك حجم الجهد الذي ينتظر الإطارات الأمنية و الجمركية و المصالح الاستخباراتية للانتصار على آفة هي الأشد خطورة بين كل الآفات… لذا، صار لزاما لإنجاح هذه المقاومة الباسلة التي تشنها أجهزتنا:.

اولا، ضرورة مراجعة التشريعات المتعلقة بالتهريب لا سيما في ما يتعلق بتهريب المخدرات والاسلحة والأموال، وهذه المراجعة المطلوبة يجب أن تستبعد منها اية صيغة صلحية.

ثانيا، تحديد عتبة دنيا للخطايا لا يقل عن 30 الف دينار ولو كانت الكمية صغيرة.

ثالثا، مصادرة كل أملاك المروّج او المهرب للمخدرات واملاك اصوله وفروعه وقرينه الا ما ثبت عن طريق قانوني.

رابعا، ترفيع الأحكام السجنية إلى اقصى ما في القانون الجنائي للأفراد، أما بالنسبة لمحلات بيع التفصيل فإنه يستوجب الغلق حال إثبات التهمة، زيادة على الخطايا الباهظة والعقاب البدني،

خامسا، تكثيف المراقبة على الحدود وتفتيش نقط العبور الرسمية وغير الرسمية وجمع أكثر ما يمكن من المعلومات حول شبكات إدخال المخدرات وترويجها ووضع المعنيين تحت المتابعة الأمنية مهما كانت صفتهم أو صفة من يحتمي بهم أو من يدافع عن “حقوقهم” تحت أي عنوان.

سادسا، إجراء رقابة صارمة على الأعمال الفنية التي تمجّد ترويج أو زراعة أو صناعة أو استهلاك المواد المخدرة، أو تطبّع مع هذه الظواهر أو تطنب في عرض مشاهدها أو سيرتها مهما كانت الذريعة التي يتم الاستناد إليها، وإجبار هذه الأعمال على اختصار تلك المشاهد أكثر ما يمكن والاقتصار غالبا على الإيحاء، مع إدانة ذلك بجلاء في الحوار والسيناريو، والحرص على عدم تحويل المروّجين والمدمنين إلى أبطال ونجوم يقتدي بهم الشباب.

سابعا، اي تخاذل من جهة رسمية أو توفير غطاء او تمرير للمخدرات يجب أن يقود إلى حبس الأعوان أو الإطارات المتورطة و قبله الطرد من الخدمة، مع تحديد خطايا موجعة ومتناسبة مع خطورة الجرم

وفي صورة توفر هذه العناصر واكتمالها، يمكن للبلاد أن تتخلص يصفة كبيرة من داء معشش بين ثناياها، وبذرة شيطانية تعاقبت على زرعها أجيال من أفسد الحكام وأبغض المحتلين… وكانت ذروة هؤلاء، المؤامرة العظمى التي فتكت بشعبنا بين سنتي 2011 و2022.

أكمل القراءة

جور نار

آفة المخدرات بتونس: التاريخ… التوسع… الحلول

نشرت

في

محمد الزمزاري:

التاريخ:

ترسخ وجود المخدرات منذ القرن السابع عشر وربما قبل ذلك بقليل وسجل مزيدا من التطور أيام الدولة الحسينية بأماكن عديدة من تونس والمغرب العربي في ظل تخلف حكم البايات الذي كان اهتمامه الأكبر بالجباية و محق كل قرية او قبيلة ترفض دفع الضريبة السنوية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

وقد جند البايات لذلك فرقا وقيادات دموية متوحشة. من ذلك تم تدمير بلدتين كاملتين بالجنوب التونسي رفض أو عجز أهلها عن دفع الضرائب المسلطة (طرة و جمنة من ولاية قبلي التي كانت تابعة إلى عمالة توزر)… في نفس الفترة ازدهر المجون لدى الطبقات الأرستوقراطية بالبلاد كما انتشرت زراعة “التكروري” في عديد الجهات وسط مزارع الطماطم والفلفل والتبغ… ولم يكن ذلك ممنوعا بل انه بداية من احتلال تونس سنة 1881 شجع المستعمر تداول واستهلاك التكروري في جميع الجهات بالبلاد وربما اهمها مناطق الوطن القبلي وبنزرت والجنوب التونسي، لكن الإدمان على”الزطلة” او الحبوب المخدرة او الماريخوانا او غيرها لم تصل إلى تونس وقتها …

موقف بورقيبة من المخدرات:

خلال سنة 1957 اي في بدايات الاستقلال اقترح بورقيبة وضع او تغيير تشريعات بخصوص استهلاك المخدرات وخاصة “التكروري” وهدد بالسجن لمدة خمس سنوات كاملة كل مروّج او مستهلك للتكروري إيمانا منه باضرار المخدرات على الاجيال التي ستصنع تونس. وقام بورقيبة بمبادرة ناجعة للقضاء او على الاقل للتقليص من زراعة التكروري او ترويجه او استهلاكه، عبر تكوين فرق جهوية ومركزية تجمع اطارات ومتفقدين من وزارة المالية و الداخلية (حرس وطني خاصة) وتقوم هذه الفرق بتفقدات وأبحاث فجئية للبساتين وحقول الزراعات الكبرى لاصطياد المخالفين ورغم ان آفة التكروري عندها لم تنقطع، فإن الخوف من العقاب المتعلق باستهلاك او زراعة التكروري قد عم البلاد رغم التجاء البعض الي زراعة المخدرات المذكورة بالابار والسطوح والجبال.

ماذا عن عهد بن علي؟

عرفت فترة حكم بن على عودة قوية لانتشار المخدرات و شهدت البلاد نقلة نوعية متمثلة في ولادة عصابات منظمة داخليا و خارجيا بالتعاون الوثيق مع المافيا الإيطالية. ولعل مقتل منصف شقيق بن علي كان في إطار ما نسب لصراع العصابات العالمية لدى البعض فيما يعتبره آخرون تصفية داخل هذه المافيات. ازدهرت المخدرات وتفاقم انتشارها و برزت عصابات منظمة للتهريب و الترويج و توسعت بؤر البيع عبر أنحاء البلاد الا انها تبقى محدودة مقارنة مع الوضع الذي وصلت فيه بعد ثورة 2011.

بعد بن علي:

خلال أيام الانتفاضة سنة 2011 سادت حالة الفوضى العارمة التي عمت البلاد و فتحت الحدود البرية والبحرية على مصراعيها أمام المهربين من كل الأصناف من استجلاب المخدرات إلى ترويجها بكل المدن و دخول كميات كبيرة من الأسلحة التركية من بندقيات الصيد التي تباع بصور شبه علنية بمئات الدنانير وبعض انواع المسدسات (بيريتا) رغم الجهود اللاحقة من المصالح الأمنية و الديوانية…. وشهدت أشهر ما بعد الانتفاضة عمليات ممنهجة لترويج السموم في كل مكان من البلاد في ظل ضعف السلطة التنفيذية و السياسية خاصة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار