وهْجُ نار

قراءة في حواره مع “الوطنية”: المشيشي للجميع…(لا تاذيوني … لا ناذيكم … إنتوما ليّ و أنا ليكم) !

نشرت

في

.

محمد الأطرش

للمرّة الثانية يخرج علينا رئيس الحكومة ليتحدث عن الأزمات التي تمرّ بها البلاد، للمرّة الثانية يجرّب حظّه في التعامل مع الشعب التونسي … ظهوره هذه المرّة كان مخالفا لظهوره الأول، فالحذر غلب على رئيس الحكومة وخوفه الكبير من فشل اتصالي أوقعه في فخّ الوقوع فيما خاف منه … و العارف بخفايا المشهد السياسي يدرك من أول وهلة أن رئيس الحكومة يعيش رعبا داخليا من خطورة المرحلة…و أن هذا الرعب رافقه حتى في حواره مع القناة الوطنية …هذه المرّة حاول المشيشي التغلّب على الرهبة وأراد أن يظهر للجميع قدرته على تحمّل تبعات الأزمة وقدرته على الخروج منها بأخف الأضرار…والأكيد أن تجربته مع الحكومة السابقة جعلته يكون حذرا، ففي حواره بالأمس حاول المشيشي في العديد من الأحيان إخفاء تشنجه لكن حركة رجله اليمنى فضحته … وكشفت أن الرجل يعيش رعب كرسي القصبة … هذا الكرسي الذي أطاح بثمانية رؤساء حكومات منذ حكومة الغنوشي الأولى، دون اعتبار الجملي الذي سقط على عتبات القصبة.

المشيشي مراوغ جيّد…

عن بعض الأسئلة التي أحرجته دون أن يكشف ذلك، أجاب المشيشي أن سياسته هي ضمان استمرارية الدولة … فالتفاوض مع تنسيقية الكامور وبعض الأطراف التي تشاركها ما يقع في تطاوين يدخل ضمن ذلك الإطار ولا يمكن اعتباره تفريطا في هيبة الدولة… واحترامه بما التزمت به الحكومات السابقة يدخل أيضا في نفس الإطار. وكأني بالمشيشي يبحث عن تشريك كل من سبقه في تبعات كل ما سيقع خلال مدّة جلوسه على كرسي القصبة … فهو يدرك تماما أن تكلفة ضمان استمرارية الدولة ستكون كبيرة على الدولة … و قد لا تترك له فرصة التفكير جدّيا في المستقبل وفي تنفيذ الإصلاحات الكبرى التي وعد بها في خطابه تحت قبة باردو، والتي سيضطر إلى تنفيذها إن آجلا أو عاجلا … وقد يجد من خلال ضمان استمرارية الدولة مبررات لفشل قادم، كما قد يتجنّب مواجهة مع المنظمة الشغيلة في الأشهر الأولى لعهدته … خاصة و كل المؤشرات تنذر بشتاء سياسي واجتماعي ساخن على الأبواب.

 رئيس الحكومة يهادن الاتحاد ليس حبّا فيه لكن لغايات معلومة…فهو يهادنه اليوم…طمعا في أن يهادنه الاتحاد غدا من خلال الإمضاء على هدنة اجتماعية غير محدودة المدّة … وهنا يكشف المشيشي أنه مراوغ جيّد يدرك جيدا خطورة المرحلة التي تورّط فيها بالجلوس على كرسي القصبة … و هو مضطر قبل البدء في تنفيذ برنامج حكومته المعلن، أن يطفئ كل الحرائق التي ستندلع هنا وهناك حتى موفى جانفي القادم … فالحوض المنجمي يشهد حريقا لم ينجح أي من الرؤساء السابقين في إطفائه كاملا…و كامور تطاوين حريق آخر ورثه عن يوسف الشاهد وجب عليه أن يطفئ ناره قبل أن يحلّ شتاء الحرائق الاجتماعية … وقد يلتفت أيضا إلى كل الملفات العالقة درءا لتوسع الحرائق في موسم الحرائق.

استراتيجية المهادنة …

تعامل المشيشي مع كل أسئلة شاكر بالشيخ بحذر كبير ودون انفعال واضح رغم التشنّج الذي فضحته حركة رجله اليمنى…فرئيس الحكومة يبحث عن مهادنة ساكن قرطاج ليس خوفا منه فالدستور يضمن لكليهما صلاحياته، لكن خوفا من أن يتحوّل “شعب ساكن قرطاج” إلى عود ثقاب يشعل فتيل حرائق أخرى تكلفه غاليا وتضطره إلى تأجيل بعض ما التزم به… و إجابة رئيس الحكومة عن سؤال شاكر حول علاقته بساكن قرطاج فيها الكثير من الدهاء والمراوغة، و هي تؤكّد عمق الخلاف لكنها تبحث عن دفن الخلاف و لو وقتيا…

mechichi latrach

بحث المشيشي عن الالتزام بتعهدات الدولة لاتحاد الشغل وبقية المؤسسات والمنظمات يدخل أيضا ضمن استراتيجية استمالة الجميع ومهادنته من أجل ضمان دعمه ومساندته لاحقا… أما حديثه عن الحزام السياسي لحكومته رغم أنها حكومة مستقلة، فيؤكّد أنه يبحث بكل الطرق لضمان تمرير قانون المالية التكميلي وقانون المالية للسنة القادمة دون أوجاع ومغص حزبي … و سيصل به الأمر إن لزم الأمر إلى مدّ يده إلى كل الأحزاب دون استثناء…

أما حول أزمة وباء الكوفيد فإن المشيشي أطال الحديث عنها لغاية تدخل أيضا في إطار استراتيجية الاستمالة التي بدأها منذ خروجه عن صفّ ساكن قرطاج فالوباء سيكون أحد مبررات الفشل القادم وسيكون ورقة يلقيها أمام الجميع يوم يشعر بخطر الخروج من باب القصبة الخلفي ولسان حاله يقول “حاصرني الوباء من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى فماذا تريدون مني أن أفعل؟؟”….

خلاصة حوار المشيشي تذكرنا في ما قاله الزعيم الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة ” لا تسقطوا الغضن الأخضر من يدي” وتذكرنا في مثلنا التونسي “لا تاذيني لا ناذيك”…فهو يبحث عن صداقة الجميع …دون أن يكون مع أي من هذا “الجميع”….وكأني به جاء القصبة حاملا معه علبة “ايفيرالغان” لتخفيض حرارة المشهد والعهدة…حتى إشعار آخر…

فهل يكتفي المشيشي بذلك، أم يذهب به الأمر إلى تدخّل جراحي لا أحد يعرف تبعاته ومخلفاته على بقية الجسد السياسي؟؟؟

تعليق واحد

صن نار

Exit mobile version