قرّاء “جلّنار” يختارون شخصية 2020: عبير موسي أو قصة امرأة هزّت عرش تونس
من مساعدة سادسة لأمين عام التجمّع، إلى محامية عن الحزب العريق عند حلّه، إلى عضو في حزب صغير لم يحصد أي مقعد في انتخابات 2014، إلى رئاسة هذا الحزب و تحويله إلى قوة معتبرة بدأت باقتلاع 16 مقعدا في 2019 و لم تتوقف عند ذلك … لماذا صعد اسمها إلى الصدارة في أحدث استطلاعات الرأي؟
نشرت
قبل 4 سنوات
في
نجاة ملايكي ـ جلّنار
“عندما لا يصمد سوى مائة في وجه العاصفة،
سأكون من أولئك المائة
و عندما ينزل العدد إلى عشرة، سأكون عاشرهم
و عندما يقتصر الصمود على واحد فقط، سأكون ذاك الصامد”
(الحبيب بورقيبة مستشهدا بالشاعر الفرنسي “فيكتور هوغو”)
حصدت عبير موسي التي فازت بشخصية العام في استطلاع أجرته جريدتنا، شعبية لم يكن ينتظرها منافسوها ومنتقدوها ومعارضوها والمتابعون لمتغيرات الحياة السياسية بعد الثورة، ومن الأكيد أن ذلك لم يكن اعتباطيا أو مجرد صدفة بل نتيجة لجملة من المعطيات والأحداث والمواقف التي جعلت عدوّ الأمس -إن صح التعبير- يصبح محل ثقة واسعة وقدرة على استقطاب المزيد من المريدين والمتابعين.
فعندما نعود إلى السنة الأولى للثورة نجد (من دون مليوني منخرط سابق تقريبا) فقط امرأة واحدة، تستميت بمفردها كمحامية في الدفاع عن حزب منحل لم تتسلم مقاليد المناصب القيادية من الدرجة الثانية داخله إلا سنة قبل الثورة عندما أصبحت أمينة عامة مساعدة مكلفة بشؤون المرأة، لكنها تحملت لوحدها آنذاك وزر المنتمين إلى الحزب الذين اعتبروا “أعداء الثورة ورموز النظام البائد” فتعرضت لأبشع النعوت والمعاملة حتى من قبل زملائها داخل المحكمة التي غادرتها يوم خسرت قضيتها التي لم تنسحب منها إلى يوم النطق بالحكم . و تم طردها و حتى الاعتداء عليها بالعنف و عندما ردت بالدفاع عن نفسها تمت معاقبتها بتجميد مباشرتها لعملها لمدة سنة.
ففي الوقت الذي اختفى فيه كل الذين استفادوا من التجمع و تقلدوا صلب هياكله أو خارجها مناصب قيادية ، و في الوقت الذي تبخر فيه كل الذين تعاملوا مع هذا الحزب من قريب أو من بعيد و لبسوا ثوب الثوار الجدد و انصهروا في أجواء الثورة و لبسوا “أقنعة” تخفي ماضيهم الذي تنكروا له، ظلت عبير موسي متمسكة بمبادئها و خياراتها بكل شجاعة و جرأة.
و لم يطل غيابها طويلا لتعود في صلب حزب جديد استهان به في البداية كثيرون معتبرين أن مآله سيكون الفشل باعتبار أن رئيسه الأول شيخ تسعيني (د. حامد القروي) من رموز العهد القديم، و رئيسته الثانية تجمعية سابقة لن يغفر لها ماضيها كإحدى “أزلام نظام بن علي” … لكن بفضل الزعيمة الشابة، سرعان ما كبر الحزب الذي غيّرت اسمه من “الحركة الدستورية” إلى” الدستوري الحر”، و توسّع و بات يشكل وزنا أساسيا في المشهد السياسي ساعده على ذلك في البداية تدهور الحياة السياسية و صدمة الشعب بتدهور وضعه الاقتصادي و الاجتماعي و حتى الأمني في ظل تتالي العمليات الإرهابية و الاغتيالات السياسية و تهديد مكاسب الدولة المدنية من قبل الراكبين على الثورة.
و وجد الناس في عبير موسي صوتا عاليا لا يخفت في مقاومة الإسلام السياسي و كشف المخططات الرامية لمزيد التمكن من مفاصل الدولة، و أبدت قوة لا مثيل لها في الدفاع عن مواقفها و مواقف حزبها ضد الرجعية و خطورتها على الدولة المدنية و صمودا غير مسبوق في صراعها مع الأحزاب الإسلامية و تفريعاتها و خطوط تمويلها. و خاضت نضالات كثيرة داخل البرلمان فكانت حججها موثقة و قوية، و صوتها لا يغلبه غلق المصدح. و أمكن لها تنظيم عديد الاعتصامات الناجحة من ذلك اعتصامها أمام مكتب رئيس مجلس النواب على خلفية إدخال كتلة ائتلاف الكرامة لأحد المصنفين أمنيّا إلى المجلس، و اعتصامها المتواصل منذ يوم 16 نوفمبر إلى الآن أمام مقر هيئة علماء المسلمين التي أسسها القرضاوي و دعوتها لإخراج هذه الهيئة من تونس لكونها ذراعا اخوانية متطرفة لدمغجة الشباب.
من نقاط قوة عبير موسي الأخرى تلك الصورة الرمز التي تضعها دائما أمامها في مجلس النواب … صورة الزعيم الحبيب بورقيبة لا فقط كشعار دعائي أو يافطة سياسية ـ و هذا غير مستبعد ـ و لكن خاصة كخط سير و مصدر إلهام لا يكاد ينضب … و يبدو أن رئيسة كتلة الدستوري الحرّ قد استبطنت الشخصية الكاريزمية للزعيم الراحل، و خطابه الواضح، و منهجيته الذكية، و قدرته على الصمود في أحلك الفترات، و جنوحه الغالب إلى الاتصال المباشر بالمواطنين في شتى جهات الجمهورية، و تثويره لحزب منسي صغير تحوّل بفضله إلى قوة ضاربة، و مراهنته على الفئات الصامتة أو المهمشة و الغاضبة، و تحديد هدف و خصم، و استغلال نقاط ضعف الخصم و اصطياد أقل عثراته … إضافة إلى حس تنظيمي عالي الدقة تميّز به الدساترة على مدى تاريخهم الطويل، و ينطلق من المركز ليغطي كامل البلاد …
اليوم باتت عبير موسي التي تحمل شعار “ثورة التنوير” محلّ ثقة عدد كبير من أفراد الشعب لأنها لم تتلون و لم تحد عن مبادئها و لم تتنازل عن مواقفها، و حظيت باستقبالات شعبية كبيرة حتى في صفاقس معقل الإسلاميين بحسب نتائج الانتخابات الأخيرة. و أبرزت آخر استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت للانتخابات التشريعية، أن حزبها يحتل المرتبة الأولى بنسبة 41 بالمائة فيما تحتل النهضة المرتبة الثانية بفارق كبير و هو 15.4 بالمائة، كما تأتي عبير في المرتبة الثانية في نوايا التصويت للرئاسية في ظل تراجع شعبية قيس سعيد بعشر نقاط.
لقد نجحت عبير موسي في لفت الأنظار إليها و كسب إعجاب و ثقة و حب الكثيرين رغم السعي الدائم لضربها بماضيها السياسي قبل الثورة، لكن حتى ذلك لم يعد له أهمية باعتبار أن عبير موسي تمكنت من الإقناع بثباتها على نفس المواقف … ثم لابد من التذكير من جهة أخرى بكونها لم تكن أكثر من مساعدة داخل التجمع من ضمن سبعة مساعدين آخرين للأمين العام … و من المفارقات أن النهضة التي يهاجم قادتها و منتموها عبير موسي على صفتها ـ الثانوية ـ السابقة، قد وضعت يدها في يد أهمّ رأس في التجمع (بعد بن علي مباشرة) الذي أصبح لاحقا مستشارا لدى رئيس مجلس النواب و حركة النهضة .
لكن لابد من التذكير بأن المرحوم الباجي قايد السبسي قد نجح بعد الثورة خلال ظرف وجيز في استقطاب شريحة واسعة من الشعب التونسي و قلب موازين الحياة السياسية و بلغ قصر قرطاج لحنكته السياسية المستمدة من السياسة البورقيبية وقوة الخطاب والتواصل المباشر مع الشعب و تقمصه مظهر الزعيم بورقيبة في قربه من المواطنين ومخاطبتهم بلغتهم دون الاستناد إلى أوراق مكتوبة لا تنفذ إلى القلوب، لكنه عندما وصل إلى القصر تغير و وضع يده في يد الإسلام السياسي الذي كان يناهضه أثناء الحملة الانتخابية، و ذلك بتعلة التوافق .
فهل أن عبير التي انتهجت على ما يبدو نفس النهج البورقيبي في قوة الخطابة والحجة و الصراحة والجرأة ستبقى على عهدها إذا بلغت موقعا سياسيا داخل منظومة الحكم ولا تتلون تحت مسمى إكراهات المرحلة و التسيير الحكيم ؟
ثم إنه يلام على عبير موسي أنها لم توحد جميع الدساترة بدليل وجود العديدين منهم خارج الحزب، و هناك من يشير إلى أنها تمارس دكتاتورية على المحيطين بها … بما يجعلها القائدة الوحيدة التي تظهر للعيان عن الحزب الدستوري الذي غادره بعضهم بعد أن لاحظ هذا الاستبداد بالرأي … كما أن هناك من وجد نفسه خارج القائمات الانتخابية في 2018 و يتهم السيدة موسي بالتحكم في تعيين رؤساء القائمات و انتقائهم بنفسها دون استشارة أحد من القياديين داخل الحزب.
فهل ستكون عبير موسي في السلطة ذات يوم؟ و هل ستبقي ساعتها على الثوابت التي ناضلت لأجلها و هي في المعارضة؟ و متى ستنجح في تجميع الدستوريين و الوطنيين و كل من يشاركها الأرضية البورقيبية و المدنية و الحداثية؟ و إلى أي حد ستنفّذ مشروعها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي الذي أعلنت عنه مرارا و تكرارا؟ و هل سيقدر هذا المشروع و صاحبته على إنقاذ البلاد مما هي فيه؟ لننتظر و نر.
استطلاع “شخصية العام”
تم طرح سؤالنا على القرّاء بداية من 30 ديسمبر 2020 إلى غاية 23 جانفي 2021 (24 يوما) بعد التداول داخل أسرة التحرير، كانت الأسماء التي تم اقتراحها على القراء ثلاثة: * د. نصاف بن علية، مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة و المستجدة و الناطقة الرسمية لوزارة الصحة العمومية … و وجه الاقتراح أنها تصدرت المشهد اتصاليا بحكم نقاطها الإعلامية المتعددة حول جائحة كورونا و أرقامها و سبل التصدي لها طوال السنة المنقضية. * السيدة عبير موسي، عضو مجلس النواب و رئيسة كتلة الدستوري الحر و الحزب الدستوري الحر … و وجه الاقتراح أنها كانت في قلب أغلب المعارك السياسية التي وقعت في 2020، فضلا عن تصدرها المشهد السياسي و تأثيرها فيه بتحركاتها العديدة وعملها الاتصالي المسترسل و شعبيتها المتنامية خلال أشهر السنة. * الآنسة نوال المحمودي، فنية الصحة في ميناء سوسة التجاري … و وجه الاقتراح ما أثارته في وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي من ملفات مهمة حول الفساد و البضائع التالفة التي تغزو الأسواق التونسية، و ما تقول إنها تعرضت له من مضايقات و حتى تهديدات لأجل ذلك … مع العلم بأن قائمتنا لم تكن حصرية، بل أفسحنا المجال لقرائنا بأن يضيفوا أسماء أخرى يرون أنها كانت الأكثر تأثيرا على المستوى الوطني خلال سنة 2020. و قد شارك في الاستطلاع 3811 قارئا، و أدلوا بأصواتهم كما يلي: 1) السيدة عبير موسي: 1496 صوتا، أي 39.47 بالمائة من نسبة التصويت 2) د. نصاف بن علية: 1388 صوتا: أي 36.83 بالمائة من نسب التصويت 3) الآنسة نوال المحمودي: 912 صوتا: أي 23.68 بالمائة من نسبة التصويت