جور نار

قطعوا عنّا الهواء

نشرت

في

لا بالصورة و لا بالمجاز و لا بأغنية جوليا بطرس و هي تعلن أنها تتنفس حرية … إننا الآن و بعد أن تساقطت من أمامنا المرافق الكمالية، ثم الضرورية، ثم ما تحت الضرورية … و بعد أن صار استمرار تدفق ماء الحنفية أياما دون توقف يعدّ معجزة خاصة في فصل القيظ … و بعد أن حصل نفس الشيء للكهرباء بتفسير و دون تفسير و ليس عندك من تسأل تقريبا … ها أن هواء التنفس يصبح سلعة نادرة للكثيرين منا، و هم بمعدل مائة تونسي يوميا يلتحقون بالسماء بعد أن اختنقوا على أرض بلادهم القاتلة …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

مشهد ذلك المواطن الذي انهار متوجّعا أمام باب مستشفى القيروان و أسلم الروح و رئتاه لم تجدا نقطة أوكسيجين، مشهد هزّنا جميعا … و هزّنا أكثر منه أن رأينا في مصيره مصيرنا العاجل أو الآجل، بل الآجل في أمد قصير على ما يبدو … لعنة المرض و الموت تلاحقنا دون استثناء، و ركضنا السريع نحو حتفنا ملاحظ في تجمعاتنا العامة التي ازدادت و كأننا استهوينا لعبة الانتحار … و أصوات أعضاء اللجنة العلمية بُحّت من فرط الصراخ في وجوهنا بكل اللغات … صراخ يحمل محاذير و أرقاما و أعراضا و نصائح ذهبت سدى، فلا هي وصلت إلى الحاكم و لا هي واجدة صدى عند المحكومين … بالإعدام على ما يبدو …

لا يفيد البكاء ثانية على همجية المواطن التي يستطرد فيها الخطباء و المدوّنون أشهرا و سنوات و كأنهم حلّوا المشكلة … إذ ليس مجديا و لا منتجا اتهام 12 مليون رقبة في الذهاب و الإياب و عند كل مصيبة … هذه لعبة المسؤولين ضيقي الأفق أو المناورين عندما تعييهم الحيلة في جدال طويل … لا بد من قطع هذا النقاش العابث بجملة واحدة: لا يوجد شعب مثالي في العالم قاطبة، و كل الشعوب ميالة بطبعها إلى المرح و اللامبالاة و مخالفة القانون … كل الشعوب و لو كانت سويسرا … و لكن الفارق تصنعه النخب، سواء التي تحكم أو تعارض أو من يقودون الفكر و يصوغون اتجاهات الرأي العام … هنا الفرق و الحسم و المؤسسة و التقليد الحسن و المثال الأحسن …

ماذا نطلب من المواطن العادي و هو يرى رئيس دولته و رئيس برلمانه يتصافحان مصافحة الخلاّن دون كمّامات و دون ذلك التباعد الذي توصي به لجنتنا العلمية و جميع شبيهاتها في القارات الخمس؟ … و كيف نقنع المواطن البسيط بضرورة هذا البروتوكول، في حين تحشد الأحزاب (و أوّلها الحزب الحاكم) الآلاف من أنصارها في شارع لم نعد نتبيّن ضفافه و أرصفته من تراصّ الخلق؟ … و كيف يصدق المواطن التافه (مثلي) نداءات نصاف بن علية، في حين لم يأخذ كلامها مأخذ الجدّ من سمحوا لجمهور الكرة بأن يعود ملتصقا و مشتعلا في الملاعب و الساحات و مظاهرات الفرح  و كأن الوباء غادر البلاد دون رجعة ؟

كل الكلام قد قيل عن هذا و غيره، و قيل عن وسائل النقل العمومي، و عن زحام البوسطة، و عن حفلات الأعراس التي ستتلوها مآتم، و غير ذلك و غير ذلك … المتهم الأوّل و الأهمّ هو الدولة … بإمكانها أن تمنع كل هذا، و أن يبدأ المنع بالكبار قبل الصغار …. الدولة تملك المحاكم و البوليس و السجون و دفتر الخطايا و حتى السلاح الناري و البلاد في حالة طوارئ … و الدولة تملك التصرف في المال العمومي و تقدر على تعويض أصحاب المحالّ المغلقة و عمّالهم بما يحدّ من خسائرهم … و يكذب من يقول غير ممكن … فقد جُرّب ذلك مع الفخفاخ و نجح و كاد يواصل النجاح لولا عفن السياسيين …

مال التعويض موجود و تكفي نظرة على تكرّر إطلالات ذلك البائس رئيس هيئة جبر الضرر للمتمتعين بالعفو العام، حتى نعرف أين تذهب أموالنا و تعويضاتنا … 4 آلاف مليار يطالب بها هذا الكيلاني و يستجيبون له، في حين لا يجدون ثمن أجهزة أوكسجين توزع على المستشفيات و تنقذ أرواح التونسيين … 4 آلاف مليار تدفعونها لإرهابيي عملية سليمان، و لا تجدونها لصانع قهواجي مجبر على البقاء في بيته جائعا؟؟؟

الموت لكم يا لصوص البلاد، فلم تعد تفصل بيننا و بينكم سوى معركة واحدة و أخيرة، و نحن هالكون هالكون.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version