وهْجُ نار

قيس سعيد، بين حساب الحقل…وحساب البيدر…

نشرت

في

هل قرّر ساكن قرطاج فرض خياراته على الجميع، بما في ذلك صياغة الدستور؟ فالرجل بدأ يكشف نواياه، من خلال بعض تدخلاته التي تعرضها صفحة رئاسة الجمهورية. فهل سيغامر فعلا بصياغة دستور على مقاسه ليعرضه على استفتاء في قادم الأشهر؟ هل جاء بمن بايعوه من زملائه ومن أساتذة القانون الدستوري، ليضمنوا له عبر دستور على المقاس جلوسا مطولا على كرسي قرطاج؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

لا أظنّ أن حكاية تفعيل الفصل 80 من الدستور هي تلبية لمطالب جاءت من الشعب، فالشعب كان يريد اسقاط كامل المنظومة وليس فقط جزءا منها، والجميع يعلم جيدا أن ساكن قرطاج بدأ يفكّر في الانقلاب على بقية المنظومة منذ دخوله قصر قرطاج، وتأكده أنه رئيس لا شأن له بما يقع بالبلاد، ولا دخل له فيه وأن محدودية صلاحياته ستمنعه من إنجاز ما وعد به أتباعه…وزادت رغبته في الانقلاب على المنظومة مباشرة بعد هروب المشيشي بحكومته، ووضعها على ذمّة الغنوشي ليضمن مرورها بسلام في مجلس النواب، فالمشيشي خدعته النهضة ومن معها وأوهمته بإسقاط حكومته، إن لم يحوّل وجهتها خدمة لمصالح الائتلاف الحاكم فلم يجد غير تحويل وجهتها وإعفاء كل وزراء القصر.

 فساكن قرطاج إذن استغل خروج الشعب إلى الشوارع، ليجد حجة وتبريرا تحت مسمّى “الخطر الداهم” الذي يخوّل له تفعيل الفصل 80 من الدستور ليثأر لنفسه وليس لبقية الشعب كما يروّج البعض وكما يصرّ هو، فهو انقلب على من افتكوا منه الحكومة ومن حرموه من نصيبه من كعكة الحكم، فالرجل وعد العديد ممن ساعدوه في حملته الانتخابية بمناصب وخطط وظيفية، ودون أن يضع يده على الحكومة لن ينجح في انجاز وعوده، فكان أن خرج على الجميع بحكاية الخطر الداهم وأوجد لها المبررات بمساعدة بعض الأطراف فلو لم يحوّل المشيشي وجهة حكومة القصر إلى حضن النهضة ومن معها، لما انقلب ساكن قرطاج على بقية المنظومة فالحكاية إذن لعبة مصالح وتوسيع صلاحيات وثأر وانتقام من خصوم أوجعوه وافتكوا منه ما كان يملكه ليس أكثر.

وهنا وجب علينا أن نسأل ساكن قرطاج هل هو على بيّنة مما يقع اليوم في البلاد؟ هل هو على بينة من أن ما وقع يوم 25 جويلية وأهداه مبررات الخطر الداهم قد يعاد ضدّه، وليس لصالحه؟ فالشارع التونسي لن ينتظر طويلا قبل العودة إلى الغليان وربما بوتيرة أكبر وبانتشار أوسع، فالرئيس لم يتعامل مع ما وقع بواقعية وجدّية، فإطالة عمر الحالة الاستثنائية لا يخدم صالحه ولا مصالحه ولا صالح البلاد ولا مصالحها، وبقاء البلاد دون حكومة رسمية تعالج مشكلاتها، وتدير الشأن العام للدولة سيزيد من قلق الشارع والعديد من الدول الشقيقة والصديقة وقد يزيد من اتساع رقعة الغاضبين والرافضين لما وقع يوم 25 جويلية.

ويذهب بعض المتابعين للشأن التونسي إلى وصف المرحلة التي تعيشها تونس اليوم بمرحلة الشك والخوف، فالرئيس لم يكن مستعدا لتحمّل أعباء الحكم كاملة، خاصة أنه لا يفقه في غير تدريس القانون الدستوري، وهو ما لاح جليا في كل مداخلاته أمام ضيوفه فالرجل يعيد نفس الدرس كل يوم، وأمام كل من يزوره في قصر قرطاج…ويعيد الدرس نفسه خلال كل زياراته غير المعلنة والمعلنة وكأنه في مدرج جامعي وليس في قصر الرئاسة…إلى درجة أن العديد من أفراد الشعب حفظوا عن ظهر قلب كل محتوى خطبه وتدخلاته التي لم تخل من التهديد والوعيد منذ وصوله إلى قصر قرطاج…

فالرئيس ومن خلال خطبه الأخيرة أكّد كثيرا على تعبيرة “العودة إلى الشعب” فماذا يعني بما يقول يا ترى؟ الواضح أنه قرر ولن يعود عن قراره بتنظيم استفتاء على الدستور، وهذا لن يقع قبل إتمام صياغة الدستور الذي يقول البعض أنه في لمساته الأخيرة، لكن ماذا عن الحكومة خاصة وأن كل المتابعين لاحظوا برودا كبيرا في التعامل مع كل تساؤل حولها فهل ستخضع هي أيضا لاستفتاء شعبي؟ وهو الأمر الذي لم يحصل في أية دولة سابقا، أم أن ساكن قرطاج سيعمل على أن يكون الاستفتاء على الدستور سابقا لتشكيل حكومته خوفا من إعادة سيناريو المشيشي؟ والسؤال الأهمّ هو هل سيقع حلّ المجلس الحالي قبل أو بعد الاستفتاء على الدستور؟ والسؤال الأخطر متى يتمّ الإعلان عن تنظيم الاستفتاء على الدستور؟ وكم هي المدّة التي يمكن من خلالها تمكين المواطن التونسي من الاطلاع على فصول دستور البلاد الجديد، وهل يمكن للتونسي اليوم القبول بدستور صاغه طرف واحد على مقاس من انقلب على الدستور الذي سبقه؟ فتعليق العمل بالدستور هو انقلاب على من سبقه، وهو أيضا تأكيد رسمي على أن ما وقع يوم 25 جويلية كان انقلابا كامل الشروط من أحد أطراف المنظومة على بقية أطرافها، وهو ما لا يمكن لساكن القصر إنكاره بعد حلّ مجلس النواب وتعليق العمل بالدستور الحالي، فالرجل قام بانقلاب على مراحل بهدف امتصاص ردّة الفعل، لكنه نسي أن الانقلاب يحمّل من يقوم به لوحده تبعات ما قد يحصل بعده كاملة…

وكأني بساكن قرطاج نسي أن الدستور الجديد لن يعوّض عمل الحكومة، ولن يُخرج البلاد من أزمتها، فهل نسي ساكن قرطاج التزامات البلاد مع الدول المانحة ومع الشأن العام للدولة؟ وهل نسي ساكن قرطاج قانون المالية التكميلي وقانون المالية للسنة القادمة؟ فالإعداد للاستفتاء على الدستور الجديد سيكلفنا ماديا، وسيكلفنا تعطيلا كبيرا في الوقت، قد يصل إلى أكثر من ثلاثة أشهر، فالحملات التفسيرية للدستور لن تقتصر على ساكن قرطاج ومن هم حوله لكنها ستشمل أيضا حتى الرافضين له، وهم كثر فالاستفتاء سيخضع لحملة انتخابية شرسة بين من صاغه على مقاسه، وبين الرافضين له، فهل ستبقى البلاد كل هذه المدّة بحكومة مبتورة عرجاء فارغة المحتوى؟ وهل سيقع اعداد قانون المالية التكميلي وقانون المالية للسنة القادمة من لدن “حكومة المشيشي” المبتورة والعرجاء؟ أم سيكلف ساكن قرطاج من سيتكفل بأمر قانون المالية بعيدا عن الحكومة وهو الأمر الذي لم تعرفه البلاد منذ استقلالها…أم أنه سيكتفي على إمضاء ما ستقرره وزيرة المالية الحالية دون مناقشة ومراجعة من جميع الأطراف؟

وسط كل هذا الذي يجري، ووسط “جهل” ساكن قرطاج التام بكل تفاصيل تسيير الشأن العام، هل نسي هذا الأخير أن العجز المتوقّع آخر هذه السنة قد يصل إلى 9.7%؟ وهل نسي أن سعر برميل النفط قد يصل قريبا إلى أكثر من 70 دولارا والحال أن قانون المالية لهذه السنة بُنيَ على أساس أن سعر البرميل لن يتجاوز الــ 45 دولارا؟ هل نسي ساكن قرطاج حجم ديون البلاد وهل فكّر في كيفية تغطية العجز في تعبئة مقدار الديون سواء كانت الخارجية أو الداخلية؟ وهل بمجرّد تغيير الدستور وحلّ مجلس النواب وإعفاء المشيشي سيقضي على العجز…وسيوفر خلاص الديون…وسيقضي على جزء من البطالة…وسيعيد الحياة لعجلة الاقتصاد…وسيوفر خلاص الأجور لما تبقى من هذه السنة…وسيرفع من نسبة النمو…أم أنه كان “يحلم” بأن مقاومة الفساد ستوفّر له المليارات من الدولارات، أم أن بعضهم أوهموه بأن الأمر بسيط وفي المتناول؟ ألا يعلم ساكن قرطاج أن النوايا الطيبة ونظافة اليد لا تصنع اقتصاد الدول ولا توفر أجور العمال ولا خلاص الديون…كما أن إعلان النوايا، والتأكيد على رغبة الشعب لا تجلب الاستثمارات ولا تخلق مواطن الشغل…ساكن قرطاج نسي أن حساب الحقل يختلف كثيرا عن حساب البيدر…وكأني ببعض من هم حوله أو من نصحوه من خارج القصر أوهموه بما يريد سماعه فقط…أظنّ أن ساكن قرطاج استمع كثيرا لمن لا يريدون به وبالبلاد خيرا، فهل سأل أهل تجربة وخبرة، أم سأل من ليس لهم تجربة في تسيير شؤون البلاد والدولة…إن سأل من يجهل شؤون البلاد والدولة فهو إذن نسي المثل الذي يقول “البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير…”

 فهل يستفيق ساكن قرطاج من غفوته قبل أن يخرج الشعب ليغني “إنما للصبر حدود…”؟؟

                                                                                    

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version