قيس سعيد … الرئيس الذي لا يحبه شعبه اليوم… ولا يريد !
نشرت
قبل سنتين
في
أسأل نفسي هذه الأيام بعد ثلاث سنوات من “الهزّان والنفضان” السياسي للقائمين على شؤون البلاد ولا أستثني أحدا…أقول أسأل نفسي هل حقّا رئيس البلاد يحب هذا الشعب؟ هل يمكن اعتبار ما يفعله بنا وبالبلاد حبّا ورغبة في خدمة البلاد والعباد؟ فما يفعله الرئيس وأعي ما أقول منذ جلوسه على كرسي قرطاج لا يمتّ بصلة لأي نوع من الحبّ لهذا الشعب الموجوع…فالرجل لم يظهر إلى يومنا هذا ذرّة واحدة من حبّه لشعب كان ينتظر منه الخلاص والخروج من الورطة التي غرقت فيها البلاد فأغرقنا معه في ورطة أشدّ وأخطر لا يمكن الخروج منها ببساطة…
بعد ثلاث سنوات من حكم مولانا حاكم قرطاج وساكنها، وبعد سنة ونصف من الجلوس على عرشها ملكا لا أحد يشاركه الحكم بدأ نصف سكان البلاد في البحث عن مضادات للاكتئاب…فهذا الشعب أصبح يتنفسحقدا… الحقد اصبحدستورنا وشريعتنا…كيف لا ورئيسنا لم يخطب يوما دون أن “يشتم” بعضنا ودون أن “يتهم” بعضنا الآخر…ودون أن يقول ما لم يقله مالك ورفاقه في بعض الخمور المعتّقة…
رئيسنا لم يبتسم يوما في وجه الشعب…فكيف تريدون من الشعب أن يسعد بكلمته ويهنأ بها ويتمنى أن تطول…كيف لا تريدونه أن يغيّر القناة حين يخطب الرئيس صارخا مهددا مولولا متوعدا…كيف تريدون منه أن يحبه وهو لا يبادله هذا الحبّ…وهنا أتحدى الجميع أن تأتوا لي بخطاب واحد لا وعيد فيه ولا تهديد وأن تأتوا لي بخطاب من جملة ثلاثة خطب لا يحتوي كلمة “احتكار”…فيا رئيس البلاد هل حقّا جئت لتوحدّنا وتصلح حالنا وتصلح ذات بيننا…أم جئت لتشتّت شملنا وتعيدنا إلى عهد العشائر والقبائل والعروش وغزوات النهب والسلب والغنائم والسبايا…
الرئيس الذي يريد خدمة شعبه لا يتّهم بعضه بما ليس فيه، وحتى وإن كان في بعضه بعض ما قيل فيه… القضاء هو الذي يتهم، وهو الذي يفصل فيه بما فيه وما ليس فيه…الرئيس الذي يريد حقّا خدمة شعبه لا يفرّق بين بعضه وبعض بعضه، حتى وإن امتلأ صدره حقدا على بعض بعضه…الرئيس الذي يريد حقّا خدمة شعبه لا فرق عنده بين من هم معه ومن هم ضدّه… ومن هم ضدّ من هم معه…ومن هم معه ضدّ من هم ضدّه…الرئيس الذي يريد خدمة شعبه يبحث عن وبكل الطرق كيف يُصلح بين مكوّنات هذا الشعب…كيف يجمع بينهم …كيف يوحّد أهدافهم لتكون في صالح الوطن… كيف يوحّد وجهتهم… نحو مستقبل أفضل لهذا الوطن ولأبناء هذا الوطن…
فالرئيس الذي ليس له في برنامجه من مفردات غير معاقبة…ومحاسبة… والملاحقة أرضا، وجوا وبحرا، وتحت الأرض وفوق فوق الأرض…وتحجير السفر…والوضع في الإقامة الجبرية…والإعفاء والطرد لكل من حكموا قبله … لن ينجح في إصلاح حال البلاد والعباد، ولن يجدّ الوقت للتفكير في ما يصلح بالبلاد…الرئيس الذي يأتي لهدف واحد محاكمة التاريخ لن ينجح في صناعة حاضره، فمن يحاكم ماضيه يفشل في مسايرة حاضره وسيحاكمه مستقبله…فهل فكّرت يا رئيس البلاد كيف تصلح حاضر البلاد والعباد دون أن تسيء لتاريخها ورجالات تاريخها؟ لا … لم تفكّر في ذلك لأن من هم حولك هم أيضا يريدون الثأر والانتقام من الماضي لأنهم لم يكونوا فيه ولم يكونوا من صانعيه…
أسألك يا رئيس البلاد هل فكّرت يوما واحدا في مصالحة شاملة بين مكونات الحاضر، وبين الحاضر والماضي كما فعل مانديلا؟ لا لم تفعل…أتستصغر ما فعله مانديلا يا رئيس البلاد؟ ألم يفعل مانديلا الزعيم ما يصلح بالبلاد والعباد؟ ألا تريد أن يكتب في كتب التاريخ الزعيم قيس سعيد؟ أيضيرك في شيء أن يحبك الشعب كل الشعب إن أحببته طبعا؟ هل انتقم مانديلا يوما ممن نكّلوا بشعبه ونكّلوا به؟ لا…هل ثأر لنفسه؟ لا … مانديلا يا رئيس البلاد احتضن من اساء إليه…وأجلسه إلى جانبه في خدمة البلاد وإصلاح حال العباد…فهل فكّرت انت في المصالحة بين الحاضر والماضي …وبين بعض الحاضر وبعض الماضي…وبين بعض الحاضر وبعضه الآخر…هل تدار شؤون البلاد بالأحقاد…يا رئيس البلاد؟
عمّاذا بحثت وتبحث منذ وصولك قرطاج؟ لا شيء…بحثت فقط كيف تخلّص البلاد ممن حكموها قبلك ومن كانوا شركاء لك في الحكم؟ فكرت كيف تواصل الجلوس على كرسي بورقيبة لعهدة أخرى؟ فهل بالأحقاد ستنجح في ذلك؟ فكّرت فقط كيف تمسح تاريخ كل من بنوا البلاد وحكموها قبلك من ذاكرة الشعب لتبقى أنت في ذاكرته الزعيم الاوحد الذي قسّم البلاد وشتّت العباد ولم يحافظ على إرث الآباء والأجداد؟ كيف تعاقب من نجح قبلك؟ كيف تريد أن تُنسي الشعب من كتبوا تاريخ البلاد قبلك؟ كيف تشكّك في من حكموا البلاد قبلك؟ كيف تطعن في كل ما أنجزوه قبلك، فماذا أنجزت أنت حتى تطعن في ما أنجزوه قبلك؟ أتقبل أنت أن يفعلوا معك هذا بعد خروجك من الحكم؟
سيّدي الرئيس، أنت لم تنجز شيئا واحدا يحسب لك، بل أنجزت فقط ما يحسب عليك… فهل بهذا سيصلح حال البلاد؟ خرجت علينا بشعار لم نر منه شيئا…فنحن لا نريد ما تريد…ومن قال لك أننا نريد ما أنت تريد؟ فنحن لا نريد أبدا ما أنت قلت إن الشعب يريد…يا رئيس البلاد، هذا الشعب ملّ الثأر…وملّ الانتقام…ومل العراك والخصام…هذا الشعب يريد أن يسعد بحياته… يريد أن يسعد بأبنائه…يريد أن يسعد غدا بأحفاده…فهل فعلت شيئا واحدا من أجل كل هذا؟ لا …لا شيء فعلت…بل فشلت في كل ما فعلت…أسأل …لم لا تستمع لمن يقولون لك أخطأت…لم لا تستمع لمن يريدون بك وبالبلاد خيرا…لم لا تستمع لمن لملم شجاعته وجاهر بمعارضتك…وجاهر بفشلك…أتدري أن من يجاهرك المعارضة والنقد اليوم يحبّك أكثر ممن يقولون لك أحسنت…هم يبتسمون لك…ويصفقون…ويزغردون كالنسوة فقط لأنهم ينتظرون نصيبهم ولو بعض الفتات من غنائم حكمك…والغنائم قد تكون جاها …وقد تكون سلطة…وقد تكون قربا منك فقط…وقد تكون كرسيا في أعلى كراسي مجلس النواب…وقد تكون مجرّد تفاخر بالصداقة معك…
سيدي الرئيس، من يجاهرك النقد لا يريد منك شيئا غير إصلاح حال البلاد والعباد…أتدري يا صاحب النفوذ والمراسيم وكاتب الدستور أنك لن تُسكت المعارضة بحقدك عليها…بل بما تنجزه لهذا الشعب…بحبك الحقيقي لهذا الشعب…كل الشعب وليس ذلك الذي تقول انه “يريد ما تريد”…وحبّك لهذا الشعب لا يعني انتقامك له ممن يكرهه…الشعب أنا، وأنت…والبقية…أنا الذي أعارضك لأني أتمنى أن تكون غير ما أظهرت وغير ما أبديت…والشعب أنت…وكل من يعارضك …وكل من يخدعك طمعا في غنائمك…الشعب هو أيضا ذلك الذي يعارضك ليسقطك يوم تفشل ولا تنجز وعدا مما وعدت…وذلك الذي يعارضك ليصلحك…وذلك الذي يعارضك لأنك فشلت ولم تنجز شيئا لأنه يريد أن يأخذ مكانك ليخدم البلاد والعباد أحسن مما فعلت وأتيت… وهو حقّ لا أحد يمنعه عنه ومنه …وأنت فشلت…نعم فشلت في كل ما أتيت وما لم تأت…
أخيرا سيدي الرئيس نسيت أن أواسيك بهروب بعض المئات من الآلاف من أتباعك وأنصارك ومسانديك…فأنت من وفّر للشعب فرصة اختبار شرعيتك ومشروعيتك…فمن يخدعك اليوم بأن هذه النسبة من الإقبال لا تعني شيئا ولا تمس من شعبيتك بشيء لا يريد لك وبك خيرا…فهذه النسبة مخجلة لا تليق بما نريده لك وما نتمناه…فمن خرجوا لم يخرجوا جميعهم من أجلك…فأكثر من نصفهم خرجوا حفاظا على صلة الرحم بمن صوتوا لهم…خرجوا من أجل أبناء وبنات عمومتهم…فكل مترشح وأغلبهم لا صلة لهم بحراكك ولا بفلسفتك السياسية استنجد بعرشه…في الدور الأول…وسيفعل ذلك في الدور الثاني لكن بكل مكونات قبيلته…وأغلبهم لم يذهبوا إلى مكاتب الاقتراع وهم يضعون قيس سعيد نصب أعينهم …هم حرّكتهم النخوة الدموية وصلة الرحم والقرابة …فذهبوا لمؤازرة ابنهم أو ابنتهم ليفاخروا به أو بها أمام بقية القبائل…فلا تستمع لمن يقول لك أن كل من خرجوا لمكاتب الاقتراع خرجوا “يولولون” باسمك…
وهْم 25 جويلية انتهى كما انتهى قبله وهم 17 ديسمبر وكذبة 14 جانفي، فأنت من أختار أن تكون نهاية 25 جويلية على يدّ 17 ديسمبر، فلا يخدعنك هتاف البعض وصراخهم ودعواتهم لك بطول العمر والبقاء على كرسي قرطاج… إنهم يخدعونك وسيواصلون…لأنك الوحيد الذي مكّنهم من فرصة الاقتراب من سدّة الحكم والسلطة…إذن، فنسبة من خرجوا رافعين شعاراتك ومتأبطين منهجك هم نسبة بسيطة ممن خرجوا يوم السابع عشر من شهر قانون المالية…فلا تستمع إليهم…لا تستمع إليهم…إنهم يوقعون بينك وبين الشعب…ويوم ينجحون في إبعادك عن قرطاج سيقولون لك…جربناك ففشلت…وسيضحكون…أنت لا تعرفهم سيدي الرئيس….نحن…نعم نحن بعض الشعب نعرفهم…واكتوينا بنار حقدهم…
فانزع عنك أحقادك…واحتضن شعبك …فالحقد وقود الأزمات…والشعب الذي تقول دائما أنه يريد قال لك يوم 17 ديسمبر انه لا يريد…فأنت سيدي اليوم…الرئيس الذي لا يحبه شعبه…ولا يريد…