لسائل أن يسأل ماذا غنم الشعب التونسي وأجياله الحاضرة والقادمة من كل ما حصل وما فعلناه منذ ديسمبر 2010؟ هل حققنا مطلبا واحدا مما كان يصرخ به من خرجوا على منظومة بن علي رحمه الله؟ لا أظنّ اننا حققنا ما كان الشباب العاطل والمهمّش يتمناه ويريده…لا أظنّ أننا أنقذنا شبابنا من الضياع والموت غرقا في المتوسط…لا أظنّ أننا أنقذنا شبابنا من عذاب ووجع الإحباط الذي كان ولا يزال يعانيه إلى يومنا هذا…
لا أظنّ أننا مسحنا دموع يتامى وثكالى من ماتوا خلال حراك ديسمبر2010 /جانفي 2011…ولا أظنّ أننا داوينا جراح من اصيبوا خلال نفس الحراك…ولا أظنّ أننا حققنا ما كان يتمناه من ماتوا في تلك الايام…نعم لم نحقّق شيئا غير ظلم بعض إخوتنا…وشيطنة بعض أهالينا…وإفراغ البلاد من كفاءاتها…ورفع منسوب الحقد بيننا…والانقسام مللا وطوائف…نحن لم نغنم غير حرية الصراخ والنباح وهتك الأعراض، فما تصورناه كسبا ثمينا، وأقصد حرية الرأي والتعبير انقلب إلى نقمة أتت على الأخضر واليابس وجعلت من المظلوم ظالما، ومن الظالم مظلوما، واصابت شعبا باسره بحالة من الغثيان الحقدي قد لا نجد لها حلاّ ولا دواء ونحن على هذه الحال، وقد تنقلب حرية الرأي والتعبير غدا وفي قادم الأيام إلى جريمة يعاقب عليها “مولانا” وقد يلبسنا لو خرجنا عن النصّ وناقشنا أمره ومراسيمه “الكِمَامَة” ويغلق افواهنا إلى يوم القيامة، إن بقي جالسا على كرسي أوصلناه نحن إليه بعد أن خدعنا بسيجارة “كريستال” ونصف رغيف من الخبز محشوّ ببعض المرق ورقائق البطاطا والتنّ…وفنجان قهوة “كابوسان” و”اكسبريس” نصف ساخنة في بعض الأحيان الأخرى…وابتسامة وضعها ظلما بين شفتيه في الإقامة الجبرية… ومنعها من الخروج علينا لنسعد بها ونصفّق له…
تعالوا لنعود إلى أيام ما يسمونها “ثورة” وكيف أخطأنا الطريق وسلكنا سبيلا كان لا يجب أن نسلكها…فلم نكن في حاجة إلى كل ذلك الخراب، وكل تلك الجثث التي ودّعناها ودفناها ولا تلك المظالم التي كتبناها ولا تلك الدموع التي ذرفناها…كنّا في حاجة إلى بعض الإصلاحات على مستوى الحريات والتعددية السياسية، ليصلح حالنا وحال أجيالنا القادمة…لم نكن في حاجة إلى الإلقاء بأبنائنا في المتوسط لتأكلهم حيتانه، ولا في حاجة إلى ارسال أبنائنا إلى بؤر التوتّر…لم نكن في حاجة إلى رفع منسوب الحقد بيننا، ولا إلى الثأر لأنفسنا من أهلنا وبني عمومتنا… ألم يطالب شباب “الثورة” بالتشغيل والكرامة؟ هل حققنا له جزءا ولو كان صغيرا مما كان يطالب به؟؟ لا…وألف لا…فجميعنا انساق وراء مطالبه وأطماعه وأنانيته وثأره وتصفية حساباته وحقده الدفين، جميعنا هرول وراء البحث عن نصيبه من الكعكة…فالموظف والعامل والأجير خرجوا واعتصموا ليس بحبل الله جميعا طبعا، بل أمام مؤسساتهم يطالبون بالزيادة في أجورهم بأكثر من النصف…فنكّلوا بمؤجريهم وبرؤسائهم في العمل، وسحلوا بعضهم وأطردوا البعض الآخر…وشوهوا وهتكوا عرض إخوتهم وأبناء عمومتهم…
ورؤساء المصالح أيضا خرجوا علينا رافعين شعار المطالبة بالخطط الوظيفية التي كانت حكرا على من كان يصرخ بحياة الرئيس وأهل الرئيس وعائلة الرئيس واصهار الرئيس …(رحم الله الرئيس ومن كانوا من اهل الرئيس)…هؤلاء جميعا وجدوا في سكان ساحة محمد علي خير حافز وخير مساعد، وأحسن معين، وأكبر مشجع وداعم وحاضن لما عاثوا به فسادا في الأرض…ألم يغلقوا الطرق وشرايين البلاد لأشهر فصفّق لهم أعضاء نقاباتهم الأساسية…ألم يكوّنوا عصابات تقطع الطرق أمام من كان يذهب شمالا وجنوبا…فتوقفت كل حركة تجارية واقتصادية في البلاد لأشهر، بل لسنة كاملة دون نقصان واسعدوا بذلك كل أعضاء جامعاتهم النقابية…ألم يغلقوا مواقع إنتاج الفوسفات وأخرجونا من التصنيف العالمي الذي كان يميزنا عن غيرنا من البلدان المنتجة لهذه المادة، فنالوا رضى أعضاء نقاباتهم الجهوية والوطنية…ألم يغلقوا أبواب المئات من المصانع وغيرها من مصادر ثروات البلاد مطالبين بالزيادة في الأجور والمنح والحوافز فنالوا شهادات تقدير من أعضاء نقاباتهم الاساسية…ألم يعتصموا بحبل إيقاف الإنتاج أمام كل مؤسسات البلاد لنفس الأهداف فشربوا مع أعضاء نقاباتهم الأساسية على نخب هذه البليّة…
ألم يغلقوا بعض المؤسسات التي بعثت في بلادنا من مئات المستثمرين الأجانب فأجبروهم على الهروب خوفا على ارواحهم وممتلكاتهم واستثماراتهم، فاستوطنوا بلدانا شقيقة وصنعوا ربيعها وتركوا لنا ربيع الخراب…ألم يرهبوا السياح بما فعلوه والخراب الذي صنعوه، فأصبحت بلادنا وجهة غير مضمونة وغير آمنة فحوّلوا وجهة كل سياح وكالات الاسفار إلى مقاصد أخرى صنعوا مجد سياحتها وملؤوا خزائنها بالعملة الصعبة وتركونا في “عيشة” صعبة…
نعم فعلوا وبالصمت فعلنا معهم كل ذلك، ولم نرأف بحال الوطن…وشباب الوطن …فنسينا مطالبه…ونسينا من ماتوا منه…ومن ماتوا من رجال أمننا وجيشنا…ومن ظلموا منهم …ومن أطردوا منهم…ومن حرموا منهم من الحرية ظلما…ومن سجنوا منهم انتقاما وثأرا…ومن ماتوا ظلما وعدوانا…نسينا ما كان يجمعنا…نسينا حتى صلة رحمنا…فالأخ لم يغفر لأخيه…والابن لم يغفر لأبيه…واستوطنت الأحقاد قلوبنا…فانتفخت كتلة الأجور مرتين عمّا كانت عليه…ولم يغنم عاطل واحد منها مليما واحدا…فالعاطل بقي عاطلا…والعامل انتفخت أجرته…والمسؤول غيّروا له سيارته…
نعم نكّلوا فعلا، ونكّلنا صمتا بالوطن…فتمّت إبادة أكثر من ثلثي كفاءات البلاد التي لم تعلن الولاء لمن جاؤوا “غزاة” لحكم هذا للوطن…واستوطن السذج والأغبياء والانتهازيون و”الثوار” كل مواقع القرار…وابعدوا أغلب بناة الوطن والدار…فهلكت المؤسسات وغرقت البلاد في ظلام الحقد…وطغت عقلية الانتقام والثأر من كل قديم عقول كل الذين استولوا على مفاصل الحكم والسلطة، فوزعوا الغنائم والخطط الوظيفية والمواقع على اتباعهم ومن ناصروهم ومن اعلنوهم البيعة والولاء…فانتشر الاحتقان في أغلب الجهات، وسط صمت حكومي رهيب…فبعض القديم يدافع عن قديمه حفاظا على ما بناه، والقادم من وراء البحار ومن خلف القضبان يريد الحفاظ على مكاسبه وما غنمت يمناه…والحكام لا يحركون ساكنا…خوفا على كراسيهم ومواقعهم وسياراتهم الفاخرة…وقفز الراكبون على “الثورة” يطالبون بالسكوت والصبر…فالمشاريع حسب ما يقولون آتية والخير سيغرق البلاد…وسنعيش تخمة من الازدهار والأرقام الايجابية…هكذا كان يقول حكامنا الجدد على منابر الكذب والبهتان وبيع الأوهام للشعب…وقد وصل الكذب بأحد الأبواق إلى ذكر إنجازات قديمة ونسبتها إلى إنجازات “الثورة” المزعومة…فحتى كذبهم ليس في مستوى طموحات هذا الشعب…والغريب أننا كنا نقرأ يوميا عن مشاريع ضخمة وأكداس من الأموال سترصد لتنفيذها…فأغرقت وسائل الإعلام التي غيّروا اسمها بين ليلة وضحاها، أقول أغرقت وسائل الإعلام المشهد في ممارسات وحملات تضليلية وأساليب وخدع ملتوية وعاشت البلاد والشعب المسكين حلقة أخرى من سلسلة عنوانها الكذب على هذا الشعب الغارق في الفقر والتهميش، كل هذا ليس سوى تغطية عن جهل كبير بواقع الحكم، وسذاجة غريبة في طرح البدائل لإصلاح حال البلاد وإنجاز الوعود التي ملأت أسماع من خرجوا مطالبين بالإصلاح والتغيير…فغرقت البلاد في موجة من الأرقام الخيالية لمشاريع وهمية لم تساهم في الخروج من الأزمة التي نعيشها جميعا، بل ساهمت في التأسيس لمجتمع أكثر فسادا وأكثر جشعا وأكثر حقدا وأكثر ظلما وتمييزا وتفرقة… كل هذا البؤس في كيفية تسيير البلاد كشف للشعب جهل الحكام الجدد وعدم قدرتهم على إيجاد البدائل التي صرخوا بها طويلا …وعجزهم التام عن الخروج بالبلاد مما هي فيه…
وانقلب الوطن إلى ساحة حرب بين من يحكمون اليوم وبعض من حكموا بالأمس وبين قطاع الطرق والانتهازيين وبين جماعة البين بين…فلا أحد هادن الآخر…ولا أحد اعطى مهلة للآخر…فأغلقت مواقع الإنتاج لسنوات…وأعتصم البعض بمداخل العديد من المؤسسات لأشهر…وأضرب الآلاف من العمال والموظفين لأشهر عديدة… واكتشف الشعب الخديعة الكبرى وصُدم بجهل أغلب مكونات معارضة بن علي لواقع الحكم وآليات تسيير شؤون الدولة…فلم ير شيئا مما كان يسمعه في حراك ما قبل الرابع عشر من جانفي…فاين هي معارضة بن علي التي أغرقت اسماع الشعب بالوعود والامنيات؟؟ أين بدائلها…أين ما كانت تصرخ به ليلا نهارا…أين برامجها…أين “بكائياتها” على الأوضاع …وأين ما كانت تطالب به للشعب؟؟ ألم يصرخوا طويلا رافعين شعار “سنجعل من البلاد جنة ولا أحد سيشتكي من الخصاصة…ومن البطالة…ومن الظلم…وسنعيد إلى كل مواطن كرامته “المفقودة””…هكذا وعدوا الشعب في “سكرتهم الثورية” وهم يكذبون…لأنهم لواقع الحكم لا يعلمون ولا يفقهون…فهم لم يحكموا يوما ولحقيقة السلطة يجهلون…ويوم مسكوا بزمام السلطة والحكم حاولوا إيهامنا بأنهم على طهارتهم “المزعومة” سيحافظون…وعلى نزاهتهم “المشبوهة” سيثبتون…وكل إغراءات السلطة والجاه سيقاومون…هكذا وعدوا فماذا فعلوا يا ترى؟؟ انقلبوا على أغلب وعودهم يوم اصطدموا بحقيقة السلطة والحكم…وبدأت أيادي بعضهم وأقول بعضهم تغازل الحرام سرا وجهرا…فأطبقت بكل قبضتها على مفاصل الحكم تفعل به ما تريد…وبدأت لعبة المراوحة بين إظهار النزاهة جهرا…والانخراط في الفساد سرّا…ثم تنقّلت من سرّية الحرام والخيانة إلى علنيته…فأصبح الفساد محلّ تفاخر…والخيانة حديث مجالسهم…
لنعترف أيضا أن قطاع طرق المرحلة الأولى وثوار الوقت البديل ما بعد الحراك لم يهادنوا كل حكومات ما بعد 14 جانفي إلى يومنا هذا…فحاربوهم…وعرقلوهم…وساوموهم…حتى نالوا موقعا متقدّما… “شراكتهم في الحكم”…فمن كانوا قطاعا للطرق هم من كانوا وراء إضعاف الدولة، وانتفاخ كتلة الأجور، وهم من أصبحوا شركاء في الحكم بنصيب كامل لا نقصان فيه، وهم من كانوا يجالسون الحكومة في بيتها يساومونها على طريقة ذبحها…وذبح الوطن…هؤلاء خانوا البلاد حين أوقفوا آلة الإنتاج بغلق أبوابها والاعتصام امام مداخلها ومنع عمالها…هؤلاء خانوا البلاد حين فرضوا خياراتهم على الدولة وعاثوا في مؤسساتها فسادا… هؤلاء خانوا البلاد طولا وعرضا وخنقوا أنفاسها…وإلى الأمس هم يفعلون…وغدا سيواصلون…
ثم جاء مولانا وخلناه جميعا مصلحا …جامعا…مدركا لخطورة أوضاع البلاد …فخاب ظنّنا جميعا فمن كنّا نظنّه مجمّعا وموحّدا وجدناه مقسّما…حاقدا على كل من حكموا قبله…منتقما من كل من نجح قبله…ناكرا جميل كل من نال صوته…مولانا جاءنا بمعاول الهدم…جاء يريد إعادة البناء ليكون البناء على مقاسه…ليسجل البناء باسمه في تاريخ بناة الوطن…فكيف لمن يخرّب وطنه ويهدم البناء أن يكون اسما في تاريخ هذا الوطن…خلناه جاء ليصلح أوضاع البلاد والعباد…فلم نر شيئا مما كنا نأمل…لم يتحدّث يوما عن أزمة صناديقنا الاجتماعية…لم يتحدّث يوما عن مشكلة مؤسساتنا العمومية…لم نسمعه يوما يتناول أوضاع حوضنا المنجمي الذي خسرناه، وخسرنا ما كان يدره على خزينة الدولة من رصيد كان يكفينا للخروج مما نحن فيه…لم نره يوما يبحث عن حلول لإصلاح حال فلاحتنا واقتصادنا وتجارتنا…لم نسمع منه يوما حديثا عن الأوضاع الاجتماعية وعن مشكلة البطالة وعن مناطق الظلّ …وعن بؤر الفقر والعطش والجوع…لم يتحدّث يوما عن كيفية إصلاح إدارة الشأن العام …ولا عن طرق تحديثه…
مولانا جاءنا لينتقم …وليصنع الفراغ حوله…بتدابير استثنائية لا صلة لها بالديمقراطية… جاءنا بعقلية هدم كل مكوّنات المشهد الذي كانت وراء وصوله قرطاج…جاءنا بمعول هدم كل ما بناه من حكموا قبله من بورقيبة وصولا إلى عهدة التوافق مرورا بكل من حكموا البلاد…جاءنا متوعدا الدستور بالحرق وبتفتيت الأوصال والفصول، إلا ما كان صالحا لمولانا ورغبة مولانا…جاءنا مفاخرا بمن وضعوا اسمه في صناديق الاقتراع مفاخرا بشرعيتهم وشرعية حجمهم متناسيا أنهم هم ايضا من صنعوا شرعية المجلس الذي ألغاه وجمّد ساكنيه…ومتناسيا أنهم هم قواعد الأحزاب التي اعلن عليها الحرب وهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور… جاءنا مستوليا على كل السلطات، التنفيذية والتشريعية والقضائية والرقابية…فهو السلطان وهو الحاكم بأمره…وهو أمير المؤمنين وغير المؤمنين…
مولانا لم يختلف عمّن سبقوه في الحكم كثيرا …فهم أخذوا نصيبهم وقسموا كعكة السلطة والدولة…وهو استولى على كل السلطات وكل الدولة ولم يترك شيئا لاحد…هم نكّلوا ببعض من سبقهم وانتقموا من بعض من حكم قبلهم، وهو نكلّ بالكل وهدّد الجميع واستعدى من كانوا معه وانقلب على شركائه…هم أسسوا لسياسات الأحقاد وهو أسس لسياسات أنا أو لا أحد وإلغاء الآخر تماما… قرأت مرّة عن أحد حكماء الصين حكمة تتداولها الأجيال إلى يومنا هذا…يقول هذا الحكيم بأن هناك أربعة أنواع من الزعماء أو الرؤساء: رؤساء نضحك منهم، ورؤساء نكرههم، ورؤساء نحبهم، ورؤساء لا نعلم كيف ولماذا أصبحوا رؤساء…ونحن اليوم نعيش غريبة من غرائب دهرنا فهؤلاء جميعهم اجتمعوا في قصر قرطاج منذ 14 جانفي….فكم ضحكنا من “فوفو” وأقصد فؤاد المبزع الذي جاءت به الصدفة لقصر قرطاج مع احترامنا لشخصه، وكم كره بعضنا المرزوقي بسبب بعض تصرفاته غير المعهودة لدى من سكنوا القصر قبله مع احترامنا لشخصه ايضا، وكم أحب أغلبنا واثنى على قائد السبسي خاصة بعد وفاته وبعد ما جاءت به انتخابات 2019 وبعد ما وقع في جويلية الماضي، وأعترف أننا اليوم وبعد تسعة اشهر من “انقلاب” جويلية (استغرب حقيقة لم لا يقولها مولانا علنا “نعم انقلبت على الحكم بالدستور الذي جاء بي لقصر قرطاج”) …أقول أعترف أننا اليوم لا نعلم كيف ولماذا اصبح قيس سعيد رئيسا للبلاد؟ فإن جاء لإصلاح حال البلاد والعباد فما هكذا يكون الإصلاح…وإن جاء لإخراجنا مما نحن فيه فما هكذا تكون عملية الإخراج…
فإصلاح أوضاع البلاد لا يكون باستعداء الخصوم ولا الشركاء ولا يكون بإلغاء الآخر وضرب كل مكتسبات الدولة منذ الاستقلال…كما أن الإصلاح لا يكون بهدم كل البناء على رأس من يعيشون تحته، ولا يكون بالتأسيس لبناء جديد يرفضه اغلب سكان البيت…كما أن الإصلاح لا يكون بوجوه كانت نسيا منسيا ولا أحد يعرف لها دورا في سابق المراحل…كما لا أحد يعرف لها موقفا استثنائيا …فلا أحد ممن هم اليوم حول ساكن قرطاج له مرجعية نضالية في أي مكوّن من مكوّنات المشهد السياسي الحالي ولا من سبقه، ولا أحد ممن هم حول قيس سعيد واجه الموت مناضلا ومدافعا عن موقف سياسي او حقوقي، ولا أحد منهم عانى من ويلات المعتقلات والسجون، فمن أي فصيل جاء بهم ساكن قرطاج…فمن هم حتى يمكنهم قيس سعيد من قطف ثمار ما لم يغرسوه وما لم يساهموا في بنائه وتشييده؟
والآن وبعد أن عرف “مولانا” حجم أتباعه وعدم قدرتهم على الحشد يوم الحشد فهل سيواصل سياساته الاستعدائية والاستعلائية على كل من يتحرّك على أرض هذا الوطن؟ أم يعترف بخسارته لكل رهاناته ويراجع جميع خياراته…فما يأتيه اليوم رئيس البلاد وسلطانها يهدّد وحدة الدولة واستمرارها خاصة وهي تعيش أزمة مالية واقتصادية خانقة لم ينجح في درئها مولانا بل ساهم في استفحالها بحالة الانقسام التي كان سببا فيها منذ استحواذه على جميع السلطات …فهل سيواصل مولانا ومن هم حوله وضع كل بيضهم في سلّة واحدة …أم يختارون التراجع والانسحاب خوفا من دفع فاتورة الحساب… يوم الحساب…فهم من سيتحمّل تبعات كل فشل قادم…وكل خراب…