عصا التسيار

“كاتماندو” … أيام في سقف العالم

نشرت

في

بالطائرة، يحيط بك فجأة, لامتناه من المدى الأبلق … جدارية بيضاء شاهقة الطول و العرض و الارتفاع، تتخللها شظايا ظلال سود، و بعض الرماد المنثور بحسب حركة الشمس

يقول الكاتب الفرنسي “رينيه بارجافيل” إنّ (ما نتعلمه دون تعب، لا يساوي شيئا و لا يبقى) … و بارجافيل اشتهر خاصة بروايته “الطريق إلى كاتماندو” التي ذاعت في ستينات القرن الماضي، ثم استخرج منها فيلم سينمائي بنفس الإسم … و موضوعها كان هوس الشباب في تلك الأيام بمدينة قصيّة من بلد أكثر من قصيّ … المدينة هي طبعا “كاتماندو”، و البلد هو نيبال، هذه الورقة المعلّقة في شجرة الهيمالايا الضخمة … أما الولع الشبابي الجارف فقد كان جماليّا بالتأكيد، و لكنه أيضا كان بسبب تساهل السلطات وقتها مع المخدرات بأنواعها، استهلاكا و حتى ترويجا … الآن انتهى كل هذا و أصبح البلد و عاصمته موطنا دولة و قانون … و مع ذلك بقي للزائرين كثير من السحر الحلال و الاكتشاف

katmandou escalier

بدأت الرحلة في كاتماندو، العاصمة وأكبر مدينة في نيبال، ومركز الثقافة والفنون والتاريخ في البلاد … هنا، أشخاصٌ من أعراق مختلفة (الغالبية من الهندوس والبوذيين ويوجد أيضاً مسلمون و مسيحيون)  يعيشون في وئام واحترام ومحبة … سرعان ما اتضح لي إن الشعب النيبالي هو أحد أكثر الشعوب تواضعاً وترحيباً ولطفاً … إنهم يجعلونك تشعر وكأنك في منزلك، وهذا تماماً ما أحسسنا به، أنا و من معي، إذ تبددت مخاوفنا المتعلقة بالسلامة فور وصولنا … اللافت أنه، على الرغم من الزلازل العديدة التي ضربت البلاد وعدد من القضايا السياسية والاقتصادية الشائكة، فإن الشعب النيبالي ما زال يحتفظ بقيمه وفلسفته في الحياة … وللصراحة، أستطيع أن أكتب لساعات عن كلّ شخص التقيناه هناك، لكنني سأدع لك أن تكتشف هذه المتعة بنفسك عندما تسافر إلى نيبال.

وبالعودة إلى رحلتي، دعني أخبرك عن بضعة أيام قضيتها هناك. أنصحك طبعاً بجعل إقامتك في نيبال أطول كي يتسنّى لك زيارة أكبر قدر من المدن والمعالم.

اليوم الأول: الوصول إلى كاتماندو.

لقد اخترنا فندقًا في قلب المدينة ، وتحديداً في “ثامل” ، وهي منطقة تشتهر بشوارعها الضيقة المليئة بالمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي. إنها باختصار نابضة بالحياة ليلاً ونهاراً


اليوم الثاني: “معبد القرد” وساحة كاتماندو وحديقة الأحلام

بدأنا يومنا بنزهة قمنا بها في المدينة متجهة نحو “معبد القرد”، كما يُسمّى…تم بناؤه في القرن الثالث عشر على قمة   تل مشرف على وادي كاتماندو … إن الاستمتاع بالمناظر البانورامية، ومشاهدة الطقوس المقامة هنا، والاستماع إلى موسيقى التأمل والالتقاء بالقردة على طول الطريق … كل هذا ينسيك حتماً تعب صعود الـ 400 درجة في السلالم المؤدية إلى المعبد

عودة إلى المدينة، وتحديداً إلى إلى ساحة كاتماندو دوربار، إحدى أشهر ساحات دوربار (ساحات ملكيّة) في وادي كاتماندو في نيبال، وهي مدرجة ضمن مواقع التراث العالمي… وعلى الرغم من أن الزلزال الذي ضرب البلاد قد ترك آثاره، فإنّ العمارة القديمة للمعابد والساحات ستظلّ تدهشك… خذ وقتك لاستكشاف ساحات هانومان دوكا، وهرم كوماري، وجاغاناث

وبالطبع لم  نتمكن من إنهاء يومنا الثاني بشكل أفضل إلا من خلال زيارة حديقة الأحلام الهادئة الجميلة والمستوحاة من الطراز الإدواردي الكلاسيكي الجديد …حيث ستجد مكتبة قيصر الشهيرة، وقيصر محل… اجلس واسترخ واستمتع بقهوتك أو بعض المعجنات في أحد المطاعم والمقاهي الجميلة الموجودة هناك.

اليوم الثالث: رحلة صباحية مبكرة إلى بوكارا

يمكنك الذهاب إلى بوكارا إما عبر رحلة جويّة داخلية من كاتماندو أو بريّة و هي تستغرق طبعاً المزيد من الوقت: 6 إلى 7 ساعات بدلاً من 24 دقيقة بالطائرة في رحلة مباشرة، وذلك بسبب القيادة البطيئة ووعورة الطرقات الجبلية… يمكنك أيضًا الذهاب إلى هناك بالحافلة (أرخص كثيرًا من السيارة الخاصة)… أما بالنسبة لنا، ففضلنا حتماً استئجار سيارة حتى يتسنّى لنا التوقف كلّما أردنا الاستمتاع بالمشاهد المذهلة

اجتياز كلّ تلك المسافات كان حقاً يستحق كلّ العناء، إذ لم نشعر قطّ بالملل لأننا كنا نشاهد بشغف المدن والقرى والوديان والجبال والأنهار على جانبي الطريق… فيما كان دليلنا وسائقنا (الذي أصبح صديقنا) “عقيل” يقدّم لنا معلومات متعلقة عن الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في نيبال

أخيراً، وصلنا إلى بوكارا قبل غروب الشمس بقليل، وكان أمامنا الوقت الكافي للدخول إلى الفندق ومن ثمّ الاستمتاع بالهواء النقي والبحيرة الرائعة القريبة… تُعدّ هذه المدينة جنة صغيرة على الأرض، وهي واحدة من أفضل الأماكن في العالم لممارسة الطيران المظلي، ونقطة انطلاق رئيسية للعديد من الرحلات.

اليوم الرابع: رحلة بالقارب

كانت سارانكوت بالنسبة لي أبرز ما في الرحلة. في الحقيقة أنا لست من الأشخاص الذين يحبون الاستيقاظ باكراً، لكنّ النهوض من الفراش عند الرابعة والنصف فجراً آنذاك، كان أفضل ما حدث لي. وصلنا إلى هناك قبل شروق الشمس. إننا في أعلى نقطة حيث أمكننا مشاهدة البحيرة  و الجبال مثل أنابورنا و ماشابوشاري

عدنا إلى الفندق و تناولنا فطوراً لذيذاً، ثم انطلقنا في رحلتنا نحو بحيرة “فيوا” حيث استقللنا قارباً للوصول إلى “معبد السلام العالمي” الموجود على “تل أنادو”… استعد هنا لرحلة صغيرة تقريبًا حيث تصل بعد ساعة واحدة إلى القمة وتتمكن من مشاهدة مناظر بانورامية لمجموعة جبال الهيمالايا وكذلك وادي بوخارا

في طريق العودة ، سيتوقف القارب عند “جزيرة” صغيرة حيث يقع معبد باراهي. لقد اخترنا بعد ذلك الذهاب إلى متحف الجبل الدولي المخصص لجبال نيبال وتاريخه، وعشرات القبائل التي تعيش فيه، و وجدنا أيضاً شرحاً عن متسلقي قمة إيفرست السابقين، أولهم إدموند هيلاري في عام 1953، وما عايشوه في رحلاتهم قبل الوصول إلى هنا، بالإضافة إلى الأرقام القياسية التي سجلها المغامرون عبر الأزمان …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version