يطنب بعض مناضلي اليسار في نعت الحكومات المتعاقبة بالفشل … ارحلوا يا رموز الفشل، استقل يا رئيس حكومة الفاشلين، لقد فشلتم في إدارة شؤون الدولة، اغربوا عن وجوهنا يا فشَلة … و مع حكومة الفشل تأتي طبعا منظومة الفشل، و برلمان الفشل، و شيخ الفشل، و حركة الفشل، و عناوين الفشل …
و ما دمنا دخلنا في تصريف لفظ الفاء و الشين و اللام، واصل نعتك لهم بالفاشلين، و دعني أنعتك بالفشلام … نعم يا رفيقي لا تغضب و سأريك لماذا … فالفشل لغة يعني أن يرسم المرء لنفسه، أو يرسمون له، خطا و خطة و في الختام لا ينجح في عمله و يحصل على صفر مدوّر … أي أن الهدف الصميم ـ معلنا و غير معلن ـ لهذه الحكومات و المنظومات و الأغلبيات و الأحزاب الحاكمة كان مثلا التقدم بالبلاد نحو واقع أفضل مما كانت عليه قبل 2011 … و لكنها تعجز عن تحقيق ذلك و إذا البلاد في النازل ما بين حكومة و حكومة، و مهما تداولت الوجوه في القصبة و باردو و على هضبة قرطاج الرئاسة …
و لكن … هل أنت و أنا متأكدان أن هدف هذه الجموع الحاكمة كان تحسين حالة التونسيين و نقلهم إلى وضع أفضل؟ هل عندك يقين بأن الغاية الأصلية كانت إسعاد الشعب التونسي و إنجاز تنمية بشرية تثمر خيراتها على كل الجهات و الفئات و الطبقات … و المنسية سابقا بالدرجة الأولى؟ … أفي ذهنك علم بأن نية طبقتكم الحاكمة الجديدة هي خدمة مواطنينا بالداخل و الخارج؟ … و إنتاج الثروة بقدر أكبر و توزيعها بميزان أعدل؟ … و إجلاس الكل أمام قاضي المحكمة و النطق لصالح المظلوم و لو كان متسوّل حيّكم، و ضد الظالم و لو كان رايس الريّاس؟
لو كان هذا هو منطلقهم، فأنا معك في أنهم فشلوا و شبعوا فشلا … و لكننا هنا مطالبون على الأقلّ بإعطائهم الأجر الواحد، أجر من يجتهد و لا يصيب، عملا بالحديث الشريف، و نشكرهم على شرف المحاولة… و هذا ما يوصلنا إليه منطقك المتشبث بالفشل و توصيف من حكموا بأنهم فاشلون … إذن سي منجي (على سبيل المثال لا الحصر) من حينك، صافِح خصمك و قبّلْ جبينه حتى، و افعل معه ما يفعل المريدون الخُلّص !
ما يريعنا أن هذا الوصف المتهافت، ينقض ما يجيء يوميا على ألسنة المعارضين و منهم يسارنا نفسه … حيث يتم اتهام الفئة الحاكمة بأنها جُمّاع لصوص و خونة و عملاء للخارج و باعة للبلاد و ممثلين للوبيات الفاسدة و باحثين عن الغنائم … ليس أثناء الحكم أو بعده، بل تُنعت هذه القوى الحاكمة بذلك في جوهرها و أصلها العقائدي و طبيعة نظرتها للحياة و للسياسة و للتمكين عامّة و للاحتطاب خاصة … إذن فالهدف الذي رسمته لنفسها قبل وصولها إلى السلطة لم يكن خدمة الوطن، و لا رفاهة المواطنين، و لا تحقيق أهداف الثورة التي بقيتم عشرة أشهر تتخابطون على تفصيلها في هيئة بن عاشور و مبنى مجلس المستشارين بالأمارة …
فما أن انتهت انتخابات 23 أكتوبر و ربح من ربح، حتى انكشفت الأهداف الحقيقية للحاكمين الجدد و حواشيهم و المتناوبين على المقاعد طوال العشر سنين … فتحول إلى مليونير من كان رأسماله عشّة في حي التضامن، و انتفخت بطن من كان يسد الرمق بربع خبزة و كمشة زيتون، و امتلك القنوات الفضائية من قال إنه كان يبيع المعدنوس، و انقصم ظهر التوظيف العمومي دون إنقاص البطالة التي استفحات، و هوجمت خزينة الدولة بكافة احتياطياتها كما لم يقع منذ شمامة و بن عياد و خزندار … و في الأثناء طلعت فيلات، و اشتُرِيَت سيارات، و استولى طرابلسية جدد على أملاك طرابلسية قدامى … و، و، و …
في الأثناء أيضا، بقي في الحكم أطول مدة (أي إلى اليوم) من يكرهه تسعون بالمائة من الشعب التونسي … و ناور بكم و عليكم و بين سيقانكم و فرقعكم مثل الكاكاوية التي تحدث عنها الراحل طارق المكي … و تم ترويض إعلام كان فيه في السابق بضعة أشراف، فتحول اليوم كله إلى حظيرة “شرفاء” على غرار جماعة 85 … و حدث انهيار شامل لا فقط للمنظومة الصحية كما قال الدكتورة نصاف، بل لجميع المنظومات بما فيها منظومة الرجولة و غلمانكم يتخصصون على المباشر في تعنيف النساء …
و بعد ذلك تصرّ على وصفهم بالفاشلين … قم من قدّامي.