كل شيء يفعله الصبيان تستطيع البنات أن يفعلنه … بطريقة أفضل !
نشرت
قبل سنتين
في
كان يوما جميلا جدا، أنعش روحي رغم أنه استنزف محفظتي.يسمونه في أمريكا Back to school shopping، يوم التبضع قبل افتتاح المدارس.رافقت جازي إلى الأسواق، لأنها ـ وعلى ذمة والدتها ـ تستمتع بصحبتي وليس طمعا بفلوسي!
عرّجنا على مطعم بسيط من اختيارها كي نتناول وجبة الظهيرة. خلالها دار بيننا حديث طويل وشاق وذو شجون.سألتني: من كان يأخذك إلى السوق لتتبضعي قبل افتتاح المدارس؟أطرقت رأسي وتظاهرت بأنني أمسد جيب قميصي، وتمتمت بصوت خافت، فالكذاب لا يريد أن يسمعه أحد: جدتي! لم يكن بودي أن أفشي سري لجازي كي لا أعكر عليها صفو طفولتها.لا أريد أن أخبرها بأنني كنت أتلقف ملابس اختي الأكبر مني، ولم يكن بحوذة جدتي أميركان اكسبريس، ولو حالفني الحظ وخاطت لي خالتي ثوبا جديدا كانت ستصنعه ثلاث قياسات أكبر مني كي يكفيني عدة سنوات!
تابعت جازي: هل تحبين جدتك؟فشهقت: جازي، وهل هذا سؤال؟ ألا تحبينني؟قهقهت ببراءة طفولية تضاهي جمال القمر: ياااا!ـ إذن لماذا تسالينني؟؟؟عادت تقهقه من جديد، ومازالت موسيقا ضحكتها تداعب اذني!
……….
المطعم يقدم وجبات مكسيكية، وعلى الحائط فوق طاولتنا عُلقت لوحة كبيرة تحمل صورة لرقائق التورتيا ـ الخبز المكسيكي ـ وتحتها طريقة صنعها!
تقول الطريقة: (جبلت بطحين الذرا البيضاء وبالماء وبعصير الليمون الأخضر، وأيضا جُبلت بالحب، الكثير من الحب)أنظر في وجه جازي وهي تقضم سندويشتها بلذة، وأحدث نفسي: نعم، كل شيء مجبول بالحب له نكهة لذيذة!
……….
في أحد المحلات التجارية ركضت جازي تحمل ثوبا وعلى وجهها ابتسامة تضيء المكان: تاتا، أريد هذا الثوب!على صدر الثوب نقشت عبارة: Anything boys do girls can do better(أي شيء يفعله الصبيان بامكان البنات أن يفعلنه بطريقة أفضل)هكذا تتربى البنات هنا، على أنهن الأفضل والأقدر!
هل أحد فيكم يدرك أبعاد الرسالة التي يحملها هذا الثوب لكل طفلة ستلبسه؟؟؟ عندما كنا أطفالا وكان أخي ينهال علي ضربا لا لسبب إلا ليثبت أنه القوّام! كنت أملأ الحي صراخا….فتهجم علي جدتي: الله يخفي ها الصوت، إذا ضربك اخوك شو بتنهد الكعبة؟؟؟
كان حبي لها يقف حائلا بيني وبين أن أزأر في وجهها: إذا كنت قد سمحت لجدي أن يضربك فاعلمي أنني سأقص اليد التي تنال مني!ولكن؟؟؟
ولكن، كان الاحترام المزيف الذي أجبرونا على أن نكنه للأكبر سنا يقف حائلا بيننا وبين من نريد أن نكون!….حتى الثوب الذي ترتديه الطفلة في أمريكا يحمل لها رسالة تؤكد لها أنها الأقدر….أما في ثقافتنا البدوية فمنذ أن يرى الطفل النور، يقنعونه “لا تقل لهما أفٍ”، ولذلك يخرج إلى الحياة ـ ذكرا كان أم أنثى ـأخرسا مقموعا مذلولا عاجزا حتى على أن يقول “أفٍ”، فكيف به يكسر اليد التي تمتد اليه، ويرد لصاحبها الصاع صاعين!
……….
أوصلت جازي بيتها، وعدت إلى بيتي كي أحتضن كتابا كنت قد بدأته الليلة السابقة.الكتاب بعنوان “كيف تتقن فن العيش بابتهاج” The art of living joyfullyالفصل الأول والأهم في الكتاب بعنوان “عد صغيرا” Getting Littelيستشهد الفصل بقول للشاعر الفرنسي Antoine De Saint-Exupéry، الذي عاش في بداية القرن التاسع عشر، جاء فيه:All grown-ups were once childrenalthough few of them remember it(كل الكبار كانوا يوما أطفالا…ولكن قلة منهم تتذكر ذلك)…
أما أنا فكنت ولم أزل في حسابات الزمن طفلة، وعشت اليوم طفولة مفعمة بالبهجة،طفولة لم أعشها من قبل!