جور نار

“كوري” الصحافة في تونس

نشرت

في

قامت نقابة الصحفيين المصريين مؤخرا بإيقاف المعلق الرياضي مدحت شلبي عن العمل إلى نهاية هذه السنة بسبب عبارات تفوّه بها و وُصفت بأنها لا أخلاقية … و معلوم أن مدحت شلبي (77 سنة) يعدّ من كبار المعلقين الرياضيين المصريين و العرب، كما أنه نجم لعدة أفلام سينمائية بصفته تلك، فضلا عن تاريخه الرياضي كلاعب ثم كمدرب…

<strong>عبد القادر المقري<strong>

ما يهمّني ليس في فداحة الجُرم أم تفاهته، و لا في المدة المحكوم بها على الرجل، و لا في هجوم مهاجميه أو دفاع المدافعين عنه … ما أثار استغرابي هو “الجهة” التي سلطت عليه العقاب و أوقفته لا لشهرين أو لأسبوعين، بل حتى ليوم واحد … هذه الجهة ليست وزارة الداخلية، و لا وزارة الإعلام، و لا وزارة العدل، و لا حتى رئاسة الجمهورية … من عاقب شلبي هي نقابة الصحفيين و ميثاق شرفها اللذان لهما وحدهما حق معاقبة صحفي خرج عن السكة، و أيضا مكافأته بالجوائز السنوية، و مراقبة تدرجه المهني، و خاصة السماح له بممارسة المهنة من عدمها …

هم هناك يسمون ذلك تسجيلا بجدول الصحفيين، تماما كجدول الأطباء و المحامين و المهندسين عندنا … الذي اسمه داخل الجدول (و وفق شروط مهنية صارمة) من حقه أن يشتغل في وسيلة إعلام، و الذي اسمه خارجه لا يمكن له ذلك و لو كان ابن رئيس الوزراء … أزيد، نقابة الصحفيين بمصر تضم أهمّ الأسماء و أثقلها و أمتنها و أرسخها قدما في المهنة … و خاصة أعضاء لجنة إسناد البطاقة المهنية و سحبها مؤقتا أو نهائيا … لأنه توجد هناك بطاقة مهنية، و مهنيون، و دون ذلك اذهب اشتغلْ شغلا آخر بعيدا بعيدا عن صاحبة الجلالة …

بصراحة، قلبي بدأ يعصر عليّ و لم أعد قادرا على إتمام الكلام … مهنة ماذا يا هذا؟ نقابة و أية نقابة؟ أسماء كبيرة و أين هي عندنا الأسماء الكبيرة؟ وسائل الإعلام و هل تلك “الحكك” البدائية الخاوية المصددة التي لدينا تستحق أن تسمى وسائل إعلام؟ انتداب في الصحافة بشروط مهنية و ميثاق و زمامر العيد، و لماذا التعب يا ولداه؟ أذكر مرة خرجنا فيها غاضبين من جريدة مّا … و فيما نحن في المقهى نتدارس ملف شكوانا بإدارة الجريدة، فاجأنا ضيف لطيف هو “شاوش” (أي فرّاش، بلهجة إخوتنا المصريين) جريدتنا جلس ليسألنا مرتبكا: كيف يمكن إجراء حديث صحفي … لماذا يا صاحبنا؟ … فأجاب بأن مدير الجريدة عيّنه للتوّ صحفيا و قال له رُح هات لي مقابلة صحفية مع أي نجم فني أو رياضي … و أمامك ساعة زمن على الأكثر …

لهذا السبب لم يوجد لدينا إعلام يُعتدّ به ـ لا داخليا و لا خارجيا ـ و هات لي وكالة أنباء واحدة نقلت عنّا خبرا أو سبقا أو رأيا … حتى في الفترة التي احتضنّا فيها مقر الجامعة العربية و قممها و أمينها العام، و معها منظمة التحرير الفلسطينية، و قبلها زعماء الثورة الجزائرية في الستينات، و بعدها أطراف النزاع الليبي الذي يستمر إلى هذه الأيام … و بمن تريد أن نحاور هؤلاء و نستقي أخبارهم؟ ببن قمرة؟ بزازا؟ بالسهيلي؟ بالصباغ أو الدباغ أو كبّاب السعد؟

و لا تحدثني عن “الهايكا” التي من اسمها الغريب تفهم أنها جُمّاع لساسة و موظفين و كل شيء عدا الصحفيين … و لا عن نقابة ورثت عاهات العمل النقابي عندنا منذ عهد حشّاد … أي نقابات احتجاج تُنتخب بحساب الأكثرية، و الأكثرية من رعاع الصحافة على غرار الفرّاش المذكور أعلاه فمن تراهم يُفرزون؟ … كما أنه لو أوكلت إليهم مهمة الانتداب و الإقصاء، فلن يبقى في مشهدنا سوى الذين على شاكلتهم … و ربما و نظرا إلى طغيان المال الفاسد فلن يعاقَب عندنا شلبي و لا أمثال شلبي …

بل سيضاف إلى يمينه شلبي صغير، و على يساره شلبية راقصة، و فوق رأسه شلبيات ممثلين مفلسين أو محامين كاسدين وجدوا ضالتهمم و خبزتهم و مرعاهم و مجراهم و مرساهم، في بلاتوهات … من فكرة سالم المهري …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version