غادرت عقارب الزمن مند ساعات قليلة سنة عليلة ثقيلة مرهقة ..وعلى جبلتنا المتسامحة تركناها تستجمع أشياءها دونما أسف و كلنا تأهب لتطهير الزمن الذي احتلته من رواسبها متهافتين على استقبال فجر مختلف . و أكاد اجزم أن ما أخطه في هذا الحيز لا أملك منه إلا شرف المبادرة لأنك حين تناجي أمك فإنك تعرف أن لك إخوة قد شاركوك السكن في رحمها و الارتواء من حليب حنانها و مَن غيرها تونس بوسعها أن تدعي هذا الفضل العظيم !
أكتب هذه الكلمات و في وجداني صورة جندي مرابط بين كفن و بندقية، يحرس أمه من غدر أي لئيم … و صورة فلاح يسابق نور الفجر من أجل إخصاب الأديم و انتظار ربيع الحياة ينمو على مهل … و صورة طالب علم و معرفة يصارع الأرق و الإرهاق من أجل زغردة من أمه التي آمنت به و بنجاحه … صور كثيرة قد تتراءى لنا في هده الساعات لترسم خارطة أمل على مقاس تونس علها تنسى حدادها و تجدد بهاءها و ترسل شعرها كما الأنثى المنعتقة من جحود سجانيها و معذبيها …
الآن لم يعد بوسعنا نحن من يدعون الولاء للأم العظيمة أن نبقى على حياد أو أن نهادن الظالمين طمعا في توبتهم …أمكم يا أبناء تونس الأصيلين تئن و ليس لها أولاد غيركم فأي شرف أن تختصموا و تتنازعوا و أمكم مكبلة بلا ماء و يكاد ينزع عنها الشرف، أهذا ما تنتظرون؟؟ تأكروا ما فعل الاجداد عندما غمرتهم الظلمة ألم يتركوا الغالي و النفيس و انتشروا في الأرض يبحثون عن الأفاعي لدحر شرورها عن الوطن؟؟ نحن اليوم في نفس الحال و إن تغير الزمن و لكل من يفتح شدقيه ليقول ماذا أعطتني تونس سنقول اغرُبْ و انسحبْ فالعقوق ليس من شيم النبلاء و أوسمة الشرف ليست ملاعق لإطعام الكسالى و ناكري المعروف و الهاربين من تحمل أمانة الشهداء …
و لكل من له أم أخرى غير تونس نقول تنحّ و اذهب إلى أمك أو إلى أي جحيم آخر فالطهر عندنا لا يكتسب بالوكالة و العمالة … و لكل مقامر مغامر مراهن بما ورث الشعب من أسلافه نقول إن كازينو الشعبوية و العنتريات السخيفة لا يخلف إلا خراب البيت و تهجير ساكنيه إلى حيث المذلة و الاستجداء … و لكل من استهواه انحرافه لابتزاز عرق الكادحين و الانقضاض على الغنائم كوحش كاسر ، نقول إن عيون الأسُود لم تغفل عنكم كما تتوهمون و أن الاسود لم تنم و ويلكم يوم يواجهونكم بسؤال الملكين من أين لكم هذا؟؟
أنا واثق من أن من يقرأ هذه السطور و يعرف من تكون أمه لن يبخل على الزمن بفعل يجذر هويته و انتماءه، و يصرخ لا تحزني يا تونس فلك من الأبناء الشرعيين و الشرعيات من لا يسمح بمزيد إذلالك … توقعي منهم هبّة المنقذ و المنجد، لأن أفضالك علينا عظيمة و ليس لنا عليك من فضل، و متى كان للإبن البار فضل على من يعيش بنورها …
كل عام وتونس بخير قولا و فعلا ومن لم يعجبه الكلام فليشرب من ماء البحر…..و لا عاش في تونس من خانها ولا عاش من ليس من جندها …