تابعنا على

جور نار

“لقد أنقذني الله لأعيد للماما عظمتها!”…

نشرت

في

محمد الأطرش:

خرج علينا دونالد ترامب يوم تنصيبه صارخا مُوَلْوِلا: “الآن يبدأ عصر أمريكا الذهبي” هكذا قال ساكن البيت الأبيض داعما بذلك ما خرج به على العالم خلال حملته الانتخابية… فدونالد أطال الله انفاسه وعد بعصر ذهبي للماما بعد ان مرّغ من حكموا قبله أنفها في التراب… وكأني بالعصر الذي سبق عصر دونالد الثاني كان من الخردة أو من القصدير لا ثمن له…

هكذا يعيد دونالد على مسامعنا ما نسمعه جميعا وفي كل دول العالم من شيطنة للقديم، وسياسات القديم وشيطنة خيارات واختيارات كل من جلسوا على كراسي حكم بلدانهم… وكأني بدونالد يريد إعادة التاريخ إلى ما بعد سنوات الحرب الاهلية الأمريكية وظهور شخصيات اقتصادية خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر أمثال “روكفلر” وغير… شخصيات ثرية ساهمت في تغيير وجه الماما اقتصاديا وسياسيا وجعلت منها القوّة الاقتصادية الأولى في العالم… قوّة حكمت العالم خلال لأكثر من قرن… وكأني بدونالد ابن الماما غفر الله لها ما تقدّم وما تأخر من ذنوبها وذنوب أبنائها وأحفادها ومن صاهرها وجالسها وأكل معها… أقول وكأني بدونالد يريد ترك ما يفوق الأثر الذي تركه كبار الرؤساء الذين ناموا على سرير البيت الأبيض…

دونالد جمع حوله إيلون ماسك، مارك زوكربيرغ، وجيف بيزوس وغيرهم من كبار الشخصيات التي لها تأثير اقتصادي وسياسي ومالي كبير وتساهم جديا في كتابة مستقبل الإنسانية اقتصاديا وعلميا وعسكريا وتجاريا… وهذا الأمر لم يحصل منذ نهاية القرن التاسع عشر… فهل يريد حقّا دونالد إعادة المجد للماما بعد ان أغرقت العالم ظلما وعدوانا…؟؟ وهل سيكون جادا في تهديده الضرائبي والجمركي لكل الاقتصادات الكبرى في العالم؟ وهل سيحني ظهر أوروبا والصين وغيرهما ويرهقها جميعا بإجراءاته الجمركية المنتظرة؟

ألا يذكرنا ما يقوم به دونالد المسكين بما أتاه ريغن حين رفع شعار “أمريكا عظيمة مرّة أخرى” خلال سنوات حكمه (1981-1989)؟ فريغن كان يصرّ في سياساته الخارجية على “القوّة” وكان يقول في كثير من المناسبات بأن السلام لا يأتي بغير القوّة فالقوة هي التي تفرض السلام… ريغن ضرب اقتصادات وسياسات خصومه الكبار بالقوّة دون أن يحاربهم بطريقة مباشرة… ونجح في تفتيت كل من أقضّوا مضاجع أحفاد العمّ سام والماما بالقوّة دون أن يوجه رصاصة واحدة إلى موسكو وساكن الكرملين… فقط لعب وتلاعب بعقل غورباتشيف ونجح معه في إنهاء الحرب الباردة وكان سببا غير مباشر في حصول ميخائيل على جائزة نوبل للسلام سنة 1990…

 ففي 12 جوان 1987، تحدى ريغان غورباتشوف حول المضي قدمًا في إصلاحاته التي بدأها وفي إرساء الديمقراطية من خلال هدم جدار برلين، في خطاب ألقاه عند بوابة براندنبورغ بجانب الجدار… قال ريغان: “أيها الأمين العام غورباتشوف، إذا كنت تسعى للسلام، وإذا كنت تسعى إلى تحقيق الرخاء للاتحاد السوفييتي ووسط وجنوب شرق أوروبا، إذا كنت تسعى للتحرر، تعال إلى هذه البوابة، يا سيد غورباتشوف، افتح هذه البوابة… يا سيد غورباتشوف… اهدم هذا الجدار”

 … فهل سيفعل دونالد ما فعله رونالد ويتلاعب بعقول خصومه الاقتصاديين دون أن يرفع في وجوههم السلاح ويعيدهم إلى حجمهم الطبيعي بعقليته “الشعبوية” التي أصبحت مذهبا سياسيا له الكثير من الأتباع بين ساسة العالم؟؟؟ فدونالد تحدث كثيرا خلال حملته الانتخابية على أنه الوحيد ممن سكنوا البيت الأبيض ولم يورّط العمّ سام وحرمه الماما في أية حرب خلال عهدته الأولى… فهل يواصل دونالد سياساته “الشعبوية” ويعيد الماما إلى حكم العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا بعد أن شاركتها الصين اقتسام كعكة العالم اقتصاديا؟… وهل ستؤدي القيود الضريبية والجمركية التي سيفرضها دونالد وفريقه الجديد على الاستيراد، إلى اتخاذ تدابير مضادة، بعضها في مجالات حيوية للتنمية (المواد الخام، والذكاء الاصطناعي، الاتصالات)… وهل ستنجح الإجراءات المضادة من دول القارة العجوز والصين ومن معها من جماعة “البريكس” في إرهاق الماما وحلفائها وشركائها في سياسات دونالد الجديدة…

دونالد يريد ويصرّ على تعزيز قبضة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي وتكييف المؤسسات والمعايير الدولية لتتناسب مع احتياجاتها حماية لمكانة الدولار باعتباره العملة الاحتياطية العالمية منذ عام 1945…. دونالد يدرك أن العديد من الدول الكبرى والناشئة تحاول التحرر من هذه الأزمة ولهذا السبب رفع صوته عاليا مخاطبا هؤلاء بقوله “لقد ولى الزمن الذي حاولت فيه دول مجموعة (البريكس) الابتعاد عن الدولار… انتهى الامر… ونحن نطالب هذه الدول بالالتزام بعدم إنشاء عملة جديدة لمجموعة (البريكس)، وعدم دعم أية عملة أخرى لتحل محل الدولار الأمريكي… وإلا فسوف يخضعون للتعريفات الجمركية % 100  ولن يتمكنوا بعد اليوم من الوصول إلى خدماتنا الاقتصادية الرائعة وبيع منتجاتهم”…

فهل تنجح الماما بقيادة دونالد في ما نجح فيه رونالد… وهل ستفتح الماما “نيرانها” على من تعتبره التهديد الأول في العالم وتقصد بذلك الصين من خلال فرض “الجزية” على أكثر من ثلثي العالم… فالعرب أيضا سيكون مصيرهم قبضة ما سيفرضه دونالد… وسيرهق حفيد العمّ سام ميزانيات دول الخليج ليعيد للماما عصرها الذهبي بأموال نفط وغاز العرب… فالماما أوقعت بين العرب والفرس من أجل مواصلة عرض خدمات حمايتهم من حاكم قمُّ وتهديد طهران… فليسعد ساكن البيت الأبيض بما هو فيه… ألم يقل عن محاولة الاغتيال التي نجا منها في باتلر (بنسلفانيا، جويلية 2024) “لقد أنقذني الله لأعيد لأمريكا عظمتها …”…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 103

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

قبل الاجابة عن ردود المرحوم عبدالقادر عقير حول مكتوبي، اسمحولي بالعودة الى برنامجي انذاك (اذاعة بالالوان) في اشهر حلقتين بالتحديد من شهر نوفمبر 2001…

عبد الكريم قطاطة

لكأنّي كنت اتوقّع احداثا في الطريق اليّ وإلى البرنامج (وقلب المؤمن خبيرو) فسارعت وضمن ركن بدون قفاز والخاص ببعض مواقفي وآرائي حول موضوع ما او شخص ما، بطرح مشكلين رياضيين: اوّلهما امضاء اسكندر السويح عقدا مع الترجي… وثانيهما تعلّق بالرئيس السابق للترجي (سليم شيبوب)… طبعا الطرح كان باسلوب ناقد وبشراسة وطبعا ممزوجا بكثير من التهكم والسخرية… ففي الموضوع الاول الخاص بالقطيعة بين السويح وناديه الام وانتقاله المفاجئ للترجي، ها انا ولاوّل مرّة اكشف لكم خفايا لا يعرفها احد الا انا واسكندر…

في نفس اليوم الذي امضى فيه اسكندر عقده مع الترجي مساء، رنّ جرس هاتفي بمكتبي على الساعة العاشرة صباحا… رفعت السماعة فاذا بعون الاستقبال يفيدني بانّ اللاعب اسكندر بباب الاذاعة يريد مقابلتي… اذنت له بالدخول… اسكندر لم يكن فقط ذلك اللاعب النجم بل كنا صديقين ايضا… استقبلته بمكتبي وكنت على علم بمشاكله انذاك مع الهيئة المديرة للسي اس اس… فسالته مالجديد؟… قال لي بالحرف الواحد: انت تعرف ثقتي وتقديري واحترامي لك، لذلك جئت استشيرك في وضعيتي التي اصبحت مقلقة جدا في علاقتي بالهيئة المديرة وفي علاقتي بمستقبلي الكروي… وجئت لآخذ رايك ونصيحتك قبل اتخاذ اي قرار…

قلت له تفضل ما جديدك؟ قال لي اليوم لي موعد باحد نزل الحمامات مع رئيس الهيئة السيد لطفي عبدالناظر لنحسم في وضعيتي بالنادي… انا جيت باش تكون على علم وباش تنصحني اشنوة نعمل… قلت له: يا اسكندر انت ساقيك منجم متاع ذهب… من جهتي وكمحب للنادي ارجو ان لا تغادر نادينا… لكن اذا لم تصلا الى اتفاق يرضي الطرفين، ساقيك هوما راسمالك بامكانك اللعب في ايّ فريق اوروبي… فقط انصحك بعدم الامضاء لفريق الترجي لانك ستخسر كلّ احبائك في صفاقس… ودون تردد اجابني اسكندر: (لن افعلها، يخخي انا مهبول؟)… تمنيت له التوفيق وغادر مكتبي متوجها الى الحمامات… مالذي حدث بعد ذلك؟ عند وصوله الى النزل مكان موعده مع رئيس النادي انتظر ساعة كاملة ولم يات الرئيس… هزّ روحو مباشرة الى سليم شيبوب وقال له هات العقد لامضائه… وامضى مع الترجي!..

نظريا في دنيا الاحتراف هذا امر معقول جدا، ويصير على اللاعبين… لكن وجعي تمثّل انذاك في لاعب صديق جاء للاستشارة والنصيحة وأَجزمَ انه لن يفعلها وفعلها… اي اشنوة انا؟ لواه جيتني؟ عسكر كردونة؟ كنت اغفر له شخصيا لو كان صادقا في موقفه واخبرني مثلا انه ان لم يصل الى اتفاق مع رئيس ناديه سيجد نفسه مضطرا لامضاء عقد مع الترجي… قد انصحه بالتفكير مليا في الموضوع واكتفي بذلك… لكن ان يحدث ما حدث فذلك يعني يا اسكندر انك كنت مخادعا وكذبت عليّ… وانا لا انسى المخادعين والكذابين… وعندما تناولت موضوع انتقاله الى الترجي في برنامج اذاعة بالالوان، اخذته من زاوية مغايرة لما حدث لاني لا املك تسجيلا للقائي معه كعنصر اشهاد مادي… فقط ذكّرته في تلك الحصة بانّه قد يجد جماهير ترجية تتغنى باسمه ولكن ابدا ان يجد اهازيج من نوع (اوو السويح هاي يبرّك ويطيّح) ..او (خبز ومرقة وموبيلات زرقة)… وعددت له ومضات من زمانه في السي اس اس وفي صفاقس لن يجدها حتما بنفس الطعم ونفس الالوان في باب سويقة…

في نفس البرنامج اذاعة بالاوان وفي نفس الركن دون قفاز خصصت بعض الدقائق لرئيس الترجي انذاك سليم شيبوب… وكان الطرح مهنيا في منتهى السلامة… ذكرت في طرحي كل المؤاخذات التي يراها البعض حول سلوكات شيبوب في التعاطي مع المشهد الكروي عموما وفي عديد المخالفات التي ارتكبها منذ حلّ برئاسة الترجي… وبعبارة اصدق (عرّيتو) وفي الاخير طلبت منه الآتي: اذا كانت هذه التهم التي وُجهت اليه في محلها، عليه بمغادرة الساحة الرياضية نهائيا والاعتذار عما صدر منه، والله اعلم هل المتضررون يقبلوا اعتذارك او يطالبوا بمحاكمتك… واذا كانت هذه التهم باطلة فعليك ان ترفع قضايا على كل من اتهمك لتنال حقوقك…

حكى لي بعض معاونيه انّ تسجيل الحصة وصله من اذاعة صفاقس واستمع اليه وكان ردّه وبغضب وهو يتوجه بكلامه اليّ: (صحّة لامّو ولد ….تيلت… ما خلانيش منين نشدّو قانونيا)… من اوصل إليه من اذاعة صفاقس؟ صدقا لم ابحث عن اجابة لانّ ما وقع ومنذ ديسمبر 2001 اكّد لي انّ التسجيل فعلا تحصّل عليه من اذاعة صفاقس… من جانبي احمد الله اني تحدثت في موضوعي السويح وشيبوب قبل ان يتوقف برنامج اذاعة بالالوان والا كانت تقعد غصّة كبيييييييرة في قلبي…

اذن سلّكتها يا عبدالكريم اعود بكم الان الى ردّ السيّد مدير اذاعة صفاقس على مكتوبي الذي ورد في الورقة الماضية (102)… كنت على الساعة العاشرة صباحا جالسا بمكتبي يوم 24 ديسمبر 2001 واذا بزميلي الحاجب المكلف بمكاتب المدير يدقّ الباب ليسلّمني ظرفا من المدير مغلقا ومتكوبا عليه (سرّي) يااااااه هذا زعمة من البنتاغون؟… فتحت الظرف وكان على فكرة زمنيا بعد عيد ميلاد اذاعة صفاقس الاربعين بأيام وبعد عيد الفطر المبارك بأيام أيضا… زعمة تهنئة Deux en un …تعرفوه المثل العامّي (حلم الكلب في منامو شاف سيدو يطعم فيه .. فاق الكلب من منامو لقى سيدو يضرب فيه)؟…حاشاكم وحاشى الكلاب ايضا…

هاكم محتوى المكتوب السري البنتاغوني:

المحتوى: جدول مواظبتكم خلال الاسبوع الموالي لعيد الفطر المبارك 1422 هـ … الملاحظات احيله عليكم قصد تذكيركم انّ الخطة الوظيفية التي تشغلونها هي من الاهمية بمكان وتستدعي حضوركم الفعلي في العمل خلال التوقيت الاداري كحدّ ادنى… (في الورقة المصاحبة جدول مفصل لتاخري في القدوم للاذاعة او لمغادرتي العمل قبل التوقيت الاداري لايام 17 _ 18 _ 19 _ 20 _ 21 _ 22 _ ديسمبر 2001 وجملة التاخير في هذه الايام 254 دقيقة )…اي نعم…

نتصوركم تتساءلوا زعمة الانقطاعات اللي حصلت وقتها في البث كانت بسبب تاخيري في الوقت؟ للتذكير فقط، عنصران هامان في كل حياتي المهنية: العنصر الاول اني انتميت لسلك مهني منذ كنت في العاصمة لا يخضع للتوقيت الاداري… والعنصر الثاني اني ومنذ تقلّدي مهمة رئيس مصلحة البرمجة اعلمت المدير العام للقنوات الاذاعية وكذلك السيد عبدالقادر عقير رحمه الله اني غير مستعد للالتزام بالتوقيت الاداري… ولكن وسواء كنت بتونس العاصمة او باذاعة صفاقس كنت اقدّم ضعف التوقيت الاداري… وما يعلمه الجميع ايضا اني عملت طيلة مسيرتي الاذاعية وخاصة في الـ5 سنوات الاولى 7 ايام على سبعة و11 شهرا على 12 ولم اتمتّع اطلاقا لا بعطل تعويضية ولا بتعويضات مادية… ثم وهذا ومديري شاهد عليه منذ 1998 تاريخ تقليدي لمنصب رئيس مصلحة البرمجة، كنت فعلا لا احترم التوقيت الاداري لا في الدخول ولا في الخروج لكن كنت اؤدّي يوميا اكثر من 10 ساعات عمل .. ولكن السؤال الاهمّ لماذا صبر عليّ مديري منذ 1998 ولم يوجه لي مثل هذه الرسالة السرية جدا الى ديسمبر 2001 ؟؟…

حال وصول رسالته السرية استشطت غضبا رغم اني لم اكن يوما سريع الغضب وفتحت باب مكتبي وتعمدت ان اصيح حتى يصله كلامي عن طريق بعض الزملاء الموجودين قرب مكتبي… نعم اردتهم سعاة بريد فوري وكنت اعرف انهم لن ينتظروا اشارة مني ليستعملوا البريد السريع لتمكينه حرفيا مما تفوهت به… نعم وتفوهت وبالصوت العالي بالتهديد والوعيد… ولم يوقفني عن صراخي الا الزميل المرحوم انور عشيش الذي كان باستوديو البث يستعد لبرنامجه المباشر (اسال مجرّب واسال طبيب)… اسرع اليّ بكلّ ودّ ولطف ورجاني ان اعود الى مكتبي ووعدني بانه سيتحدث في الامر مع المدير… وتقديرا واحتراما له لبيت رجاءه وعدت الى مكتبي وبدات في كتابة ردّ على مكتوبه السرّي… بل وبدأ مسلسل يمكن عنونته بـ (قاتلك قاتلك)…

للتذكير انا اوثّق والله شاهد على اني بعيد كل البعد عن الشماتة او التشهير بل وهذا يشهد عليه ايضا خالقي انا وقبل ممات كل الاطراف التي كان لها ادوار في تلك الفترة… غفرت لهم ودون ايّ استثناء وارجو من الرحمان ايضا ان يغفر لي ان اسات في حق ايّ واحد منهم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

سير يا لزرڨ سير !

نشرت

في

محمد الأطرش:

كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل حين اختارت احدى القنوات الاذاعية التي أدرت الزرّ اليها صدفة ودون سابق اضمار ولا اشعار لأجد مطربنا علي الرياحي رحمه الله في احدى أجمل أغانيه…

الرياحي كان يقول ويمتعنا بـــ “علاش تفكر في ماضينا ما تفكرشي… ما تفكرشي …سلم ّأمرك للحنان …و قووووول ان شاء الله زينة زينة” وكأني بالمسكين يعيش بيننا اليوم فأغلب سكان هذه البلاد يئنون …يتوجعون… يبكون… ويشتكون من سوء أحوال جيوبهم وعدم قدرتها على الحفاظ على من يزورها من أوراق المرتّب كل آخر شهر… وكأني به يقول لنا لا تأبهوا للمال والأموال فالأحوال بيد خالقها وقولوا لمرتبكم إن خيّر مغادرة جيوبكم والهروب برّا وبحرا وجوا من سوء الأحوال فيها “ان شاء الله زينة …زينة“…

المسكين لا يعلم بأننا نغني هذه الأغنية كل شهر ومع حلول اليوم العاشر منه فمرتباتنا خفيفة الروح لا تثقل علينا البقاء في جيوبنا فتختار مغادرتنا مبتسمة سريعا على المكوث في جيوبنا ودفء جيوبنا مكشّرة عن أنيابها ودون دعم ومساندة…قلت في خاطري وكأني بسيدي علي يعرف من زمان ما سنعانيه وما سنعيشه نحن الأجيال التي جاءت بعده…ألم يغن للعاطلين عن العمل “عايش من غير أمل في حبك…تعذيبي ودمعي من أجلك” وهم يناجون العمل الذي لم يزرهم ولم يأبه لأوجاعهم ومعاناتهم وهم يعيشون البطالة لعشرات السنين…وهم يسمعون الوعود من كل الحاكمين بأمرهم يسارا ووسطا ومن أحزاب الخراب إلى أحزاب اليمين…

ألم يغن “ياللي ظالمني …والروح معاك” وكان يقصد بها الموظف المسكين الذي عانى الأمرين وهو في خدمة مديره وحين وجب تكريمه بخطة وظيفية أهداها “مولاه” لمن بايعه وصفق له واستثناه…ألم يغن “تكويت وما قلت أحيت هزيت الجمرة بايديا”  وأظنه كان يقصد بعض من فقدوا فلذات أكبادهم بحرا وهم يبحثون عن وطن يعوضهم وطنا خذلهم في توفير لقمة عيش تغنيهم عن ترك ارضهم وأهلهم ووطنهم…وكأن سيدي علي رحمه الله يعرف أيضا معاناة الكوني ابن عمّتي مع خطيبته ألم يغن له “احترت آش نهديلك يا حلوة يوم العيد قرب…أجمل ما في الدنيا عندك آش ما زلت تحب”  فالكوني ابن عمّتي وعد خطيبته أم الخير بأن يهديها كيلوغراما من “الغْرَيْبة” يوم عيد ميلادها ورطلا من “محشي” تطاوين فخذله مشغّله “الشاف شانطي” ولم يمكّنه من راتبه إلا بعد مرور عيد ميلاد خطيبته أم الخير…ما أروع سيدي علي يفكّر حتى في معاناة الكوني أبن عمّتي يا لإنسانيته وطيبته ويا لحظك يا كوني المنتِّفْ…”الله يرحمك يا سيدي علي”…

والغريب في ما غناه سيدي علي قصّة الحب بين الرئيس قائد السبسي رحمه الله والنهضة حين أوعز إليها بأن تختاره رئيسا عوض المرزوقي بعد تركه “دار الباي” وبعد انتخابات التأسيسي فاختارت المرزوقي… فكيف علم سيدي علي بأمر تلك القصّة وغنّى للباجي حين نجح في انتخابات 2014 وحين راودته النهضة عن التوافق معه والعمل معا اليد في اليد “جريت وراك وخنتيني تبعتك حتى للأخر واليوم حبيت ترضِّيني لكن توا خلطت موخِّرْ…” يا لغرابة ما غنيت يا سيدي علي…فجأة  ودون سابق إنذار يتغيّر الصوت الذي يصلني من مذياعي الصغير الذي يرافقني أحيانا لأجد صوت الهادي الجويني رحمه الله وهو يشدو بـــ”لو كان موش الصبر يطْفي ناري” وكأني به يخاطب فريق كرة قدم من العاصمة غابت عنه التتويجات لسنوات، يا سلام سي الهادي كان يتابع المشهد الكروي في تونس بشغف وأطربنا بعد وفاته بأغنية عن فقير الحال الفريق الذين يمكن اعتباره من ذوي الاحتياجات الخاصة ومناطق الظلّ الكروي…واصل الهادي الجويني رحمه الله تمتيعي بما يطربني فبعد أن غنى لفريق من العاصمة وكأني به أراد ان يتوجّه لحركة النهضة بأغنية يذكرها فيها بانها فشلت في ما اختارته حين مسكت بتلابيب الحكم فغنى “كي بغيت تطير يا حمامه…” ثم لم يقف عند النهضة فغنى متوجها لمنظومة الاستقلال بأغنية جميلة “اللي تعدّى وفات…زعمة يرجع…“…

لم أدر زرّ المذياع…ولم ألمسه حتى… لكنه فاجأني بطرب آخر ليس تونسيا وكأن أحد من لا أراهم بالعين المجرّدة أدار زرّ المذياع ليطربني ويمتعني بما جاد به من ماتوا ممن كنّا نستمع إليهم وهم احياء من المطربين…فجأة يصلني صوت نجاة الصغيرة أطال الله عمرها وهي تغنّي “مهما الأيام تعمل فينا… مابنستغناش عن بعضينا” وكأني بها تغني لإخوتنا في المغرب وهم يتغنون بالصحراء الغربية التي عادت جزءا لا يتجزأ من أرضهم… غريب أمر أغاني زمان جميعها مستوحاة من زمان جاء بعد زمانهم… ويواصل مذياعي تمتيعي بما جادت به ذاكرته وهذه المرّة وكأني بعبد الوهاب رحمه الله أراد ان يتوجّه للعرب…كل العرب بلوم عن خذلانهم لأهل من خُربت ديارهم وشردوا ونكل بهم وبصغارهم بأغنية “أيها الراقدون تحت التراب…” يا سلام يا عبد الوهاب حتى انت…

بعد متعة عبد الوهاب رحمه الله …شعرت بهزّة أرضية خفيفة وأنا استمع إلى زياد غرسة وهو يغني “طهّر يا المطهّر صح الله يديك…لا توجع وليدي لا نغضب عليك…طهر يا المطهر بالموس الرقيق…لا توجع وليدي …قلب أمه رقيق…” يا سلام يا مذياعي الطيب…فزياد غرسة يتوجه إلى جميع من خطبوا فينا أثناء الحملات الانتخابية منذ أربعة عشر سنة وهو يعدون ويتوعدون بالتطهير…تطهير المؤسسات…تطهير الوزارات…تطهير الصحة…تطهير التعليم…تطهير الاقتصاد…تطهير الرياضة…تطهير كل القطاعات…وجميعنا ومن كثرة ما استمعنا إلى هذه الكلمة “وضعنا ايادينا لنحمي مناطقنا الحساسة كما يفعل جدار المدافعين في كرة القدم حين ينفّد روبرتو كارلوس مخالفته…يا الله…

ومن كثرة استماعنا إلى خطاب التطهير خلال انتخابات التأسيسي، أخذت الشعلاء أخت الكوني ابن عمّتي ابنها غير المختون إلى المترشح الذي رفع شعار التطهير لغاية ختانه… فالمسكينة كانت تمنّي النفس بأن تختن ابنها دون تكاليف وأن يتحمّل المترشح المعني بالأمر عناء ووزر ختان ابنها في إطار برنامجه الوطني للتطهير…وهي نفسها أيضا التي أرسلت بمراسلة إلى هذا المترشح طالبة منه ربط منزلها بشبكة التطهير…وكان الكوني ابن عمّتي يداعبها بقوله “سير سير سير …سير يا لزرڨ سير” …

أكمل القراءة

جور نار

نحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

نشرت

في

محمد الأطرش:

اليوم هو ذكرى شرارة الثورة الوطنية الحقّ… الثورة التي أهدتنا الاستقلال: ثورة الثامن عشر من جانفي 1952…

تلك الثورة التي نسيناها في زحمة موجة الحقد والكراهية التي طغت على أغلب سكان هذا البلد وجعلتهم يبحثون عن مسح كل ما صنعه أجدادنا وأهلنا من أجلنا… لا أحد يمكنه أن ينكر على من قدموا أنفسهم فداء للوطن لنعيش بعدهم أحرارا في وطننا، تضحياتهم ووطنيتهم… أقول لا أحد يمكنه أن ينكر على آبائنا وأجدادنا ما فعلوه من اجل هذا الشعب، وحده الحاقد على كل شيء قديم والذي يرى أن كل شيء دونه لا شيء… ينكر ذلك ويرفض الاعتراف به… لذلك علينا أن نشكر كل جيل وكل عهد ومرحلة عاشها شعب هذه البلاد فلكل مرحلة دروسها ولكل مرحلة فشلها ونجاحاتها وزلاتها وذكراها وبانيها وصانعها وظالمها ومظلومها وسجانها وجلادها ومستبدها وعادلها وفاسدها وحاميها و”حراميها”…

علينا جميعا نحن من لا نزال نذكر ما عاشته هذه البلاد أن نراجع أنفسنا… ونراجع بعض احكامنا… وأقوالنا وشهاداتنا… فلسنا من الملائكة ولا أحد منّا معصوم من الخطأ… فجميعنا أخطأ في حق جميعنا أو بعضنا… وجميعنا ظلم بعضنا أو بعض بعضنا… وجميعنا استبد على الآخر… وجميعنا سرق عرق ومجهود الآخر… وجميعنا رفض الحقّ للآخر… وجميعنا رفض الآخر وأقصى بعض الآخر… وعلينا اليوم قبل ان نغرق في موروث صنعناه بأحقادنا وسنتركه فتنة غدا لأبنائنا، أن نقتنع أن المراجعات والاعتراف بالخطأ ليست ضعفا ولا يمكن اعتبارها هزيمة بل هي في خلاصة القول عودة إلى العقل… وصحوة ضمير… فجميعنا شئنا أم أبينا أخطأنا من بورقيبة ورفاقه، وصولا إلى لحظتنا هذه من ساعتنا هذه من يومنا هذا من شهرنا هذا من عامنا هذا… لا احد معصوم من الخطأ ولا أحد كتب اسمه في قائمة الملائكة ولا أحد يمكنه أن يفاخر بأنه أجدر واقدر واشرف من غيره…

أربعة عشر سنة مرّت منذ أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك خالها بعضنا ورودا من ربيع سيُنْسي العرب كل العرب صيفهم الحار وشتاءهم القارس وخريفهم الذي تساقطت فيه كل أوراق اشجارهم… نعم أرسل إلينا العمّ سام باقة أشواك جرحت أيادينا حين احتضنّاها فرحا وطعنتنا بخناجر أشواكها من قرطاج إلى دمشق مرورا بطرابلس والقاهرة وصنعاء حين ائتمنّاها على أنفسنا ومصيرنا ومستقبل أبنائنا… باقة أشواك خلناها فرحا فأوجعتنا وأيقظت قابيل الذي يسكننا وأبكت مرّة أخرى هابيل الذي لا يزال بعضنا يلاحقه ليقتله مرّة ومرّات… ومنذ ذلك اليوم ونحن نقرأ الدرس تلو الآخر… ونعيش الوجع تلو الوجع…

بعضهم قرأ الدرس جيدا… وبعضنا يرفض ولا يريد ان يقرأ عمق الأشياء وخلاصة الدرس ومعانيه… وبعضنا قفز على اللحظة وخرج علينا فاتحا شاهرا سيفه صارخا مولولا “أنا ربكم الأعلى ودوني أنتم الأخسرون”… وإلى يومنا هذا يواصل بعضنا ايهامنا أنهم أقدر ممن سبقهم… وأنهم أشرف ممن حكم قبلهم… وانهم أجدر ممن ينافسهم…وأن الجميع أهل فساد وأنهم “الواحد الأحد” الذي لا يمكن ان يضاهيه احد ولا أن ينافسه احد… هكذا نحن… وهكذا غرقنا في بئر تعنتنا ورفضنا لبعضنا البعض… وعدم اعترافنا بأننا لسنا من الملائكة وأن خصومنا ومنافسينا والآخر ليسوا أعداء لنا وليسوا حتما من الشياطين…

لذلك أقول إنه حان الوقت لنعلن على الملأ وامام الجميع وعلى مسمعهم جميعا أن هذه المرحلة تتطلب منّا جميعا واعي ما أقول جميعا، ولا استثني أحدا… أقول وأكرّر، تتطلّب منّا مراجعة كاملة لما عشناه وما أخطأنا فيها وما فعلناه… علينا ان نعترف جميعا بما اتيناه من خير… ونعترف جميعا بما فعلناه من سوء… فمن نحن حتى لا نقول أننا أخطأنا في أمر ما؟… أخطأنا في قراءة الدرس… وفي قراءة التاريخ… اخطأنا في حق بعضنا البعض… اخطأنا في تاريخ البعض… أخطأنا في حكم البلاد…

من نحن حتى لا نعترف بأننا ظلمنا… وبأننا أقصينا بعضنا البعض… وأننا رفضنا الآخر وبعض الآخر… من نحن حتى لا نقول ونعترف بأن ما اتيناه يمكن اعتباره استبدادا… وظلما… وانتقاما… علينا ان نترك “الجبن” جانبا… فمن الشجاعة أن نراجع ما أخطأنا فيه… ومن الشجاعة أن نعترف بحق البعض علينا… ونعترف باننا أسأنا قراءة التاريخ وما يعنيه… والأحداث وما تستدعيه… ومن حقّ الوطن علينا، والشعب والأجيال القادمة أن نراجع بعض ما أخطأنا فيه … وما اسأنا فيه… كما وجب أيضا أن نفاخر بما نجحنا فيه… وما تميزنا فيه… وما يمكن ان نكبر به…

لذلك وأكثر من ذلك علينا ولأول مرّة شكر هذه المرحلة من يوم تلقينا باقة أشواك العمّ سام التي طعنتنا من قرطاج إلى دمشق… إلى يومنا هذا وجراحنا تنزف حقدا وكراهية وسوء تسيير وضعف تدبير… فأنا اليوم اقولها عاليا شكرا للعمّ سام فلولاه لما عرفنا حجمنا الحقيقي ولما عرفنا حجم العملاء والخونة في هذه الأمة… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما كشفنا وجوهنا الحقيقية تجاه بعضنا البعض… فجميعنا طعن جميعنا وجميعنا ظلم جميعنا وجميعنا يحقد على جميعنا وجميعنا يحسد جميعنا وجميعنا يتآمر على جميعنا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أن بعض هذا الشعب مريض ولا يحتاج إلى أسباب ليحقد ويكره بعضه الآخر…

شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا حجم الفساد الذي يعيشه العرب من المحيط إلى الخليج مرورا بالخاصرة وأفخاذ العرب ومؤخرتهم ايضا… شكرا للعمّ سام ولباقة اشواكه التي أيقظتنا من سباتنا فعرفنا من الظالم ومن المظلوم… من الوطني ومن الخائن… من المستبد ومن العادل والديمقراطي… شكرا للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاه لما عرفنا أن العرب كل العرب يبدعون في صناعة جلاديهم ويعشقون الضرب على قفاهم… شكر للعمّ سام وباقة اشواكه فلولاها لما عرفنا أن بعضنا لا يمكن ان يعترف بك ويحبك ولا يقبل بك أبدا… شكرا للعمّ سام فلولا باقة اشواكه لما عرفنا أننا شعوب أصابها الجهل في مقتل… واننا شعوب تفكّر بنصفها الأسفل… وأننا أشدّاء على بعضنا رحماء على الآخرين…

أخيرا أقول… شكرا للعمّ سام وعائلته وأصهاره ومن يخدمونه من الخونة والعملاء وباعة الأوطان… فلولا باقة أشواكه لما أيقنت أن الحقّ وإن طال سباته لا بدّ أن يستيقظ يوما على أنين حَمَلَتهِ، وأنّ الإنسان مهما عاش على ظهر الأرض فمصيره في بطنها… وكفاك حقدا وكرها وقتلا يا قابيل … فنحن الشعب الذي لم يقرأ الدرس جيّدا…

أكمل القراءة

صن نار