في الحياة تعترضك أفكار و مواقف و قرارات متّفق عليها من المجتمع الدولي في ظاهرها ارتقاء بالإنسانية و سموّ يرجو سلاسة التواصل بين مكوّناتها رغم الاختلاف … فتشعر بالفخر بالانتماء لهذه الفصيلة الحيوانية الناطقة المفكّرة الذكيّة الضّاحكة.
عندما تقرأ و تسمع و تدرس أن السخرية من السود عنصرية، تعتزّ … و عندما تشاهد شريطا يلحّ بأن السخرية من اليهود هي معاداة للسامية، تفتخر … و عندماتعلم أن السخرية من النساء تزمّت، ترتاح … و عندما تستفيق على أن السخرية من المثليين رجعيّة، تتقبّل الأمر … و عندما تعلم أن السخرية من بقية الأديان بما فيها عبادة النار و البقر و الحجر تعصّب، تحترم الإنسانية … أما عندما تصل إلى ذيل القائمة لتجد أن السخرية من الإسلام و من رسوله الأعظم حريّة تعبير، فلا يمكن أن تمنع نفسك من التعبير و تسأل: لماذا؟
لماذا هذا الكمّ من الاحتقار؟ لماذا هذه النظرة الدونيّة؟ هل للإنسانية مواصفات لا نمتلكها؟ هل لها شروط دقيقة لا نستجيب لها دون غيرنا من البشر؟ لماذا؟ لماذا يعيش المسلم و خاصّة العربي مطأطأ الرأس أينما حلّ؟ حتّى قال أحد الحداثيّين الغربيين ممّن فاضت إنسانيتهم على الكون كلّه: “المسلم الطيب هو المسلم الذي لم يعد مسلما”.
لماذا ينظر إلينا العالم بهذه النظرة الدونيّة و بهذا الصلف و التعالي و الاحتقار؟
يبدو أن سكان الكرة الأرضية باختلاف الحضارات واللغات والعادات ربطوا ربطا نهائيّا بين العرب والمسلمين فهذا يشير إلى ذاك وذاك يحيلهم إلى هذا … وسيطرة العرب على الساحة الجغرافية و العقائدية للعالم الإسلامي جعلت من الكيانين واحدا يتحمّل أحد جزئيه تبعات سلوكيات الآخر …و بما أن الغرب قسّم العرب إلى ثلاثة أصناف لا رابع لها فمن الطبيعي أن تكون أحكامه منطلقها هذا التصنيف …
و لكن علينا أن نعترف أن تصنيف الغرب لنا هو تصنيف منطقي واقعي حفرناه في ذاكرته بأموالنا وأفكارنا وأفعالنا.
الشطر الأول الذي ينتمي إليه أغلبنا هو العربي المسلم الفقير المدقع الذي هجر أراضيه مضطرّا بحثا عن رغيف خبز و سقف يحمي رأسه و ذويه من تسلّط حاكم و جبروته … و هذا النوع هو سهل التأقلم مع وضع رغم حيفه و مرارته يعتبر جنّة مقارنة بماضي عيشه في بلده الأصلي و مسقط رأسه … فينخرط في المنظومة ليصبح خادما مطيعا يمتهن في أغلب الأحيان المهن التي يرفضها المواطن الأصلي تعفّفا وتعاليا.
أما الشطر الثاني فهو العربي المسلم فاحش الثراء السكّير العربيد المقامر زير النساء و هو الشطر المرغوب اللّين المطيع القابل للفرمطة (formatage) ومنه يأخذون احتقار الشطر الأول وازدراءه … و ينتمي إلى هذا الجزء الساسة و القادة و الملوك و الأمراء الذين يشتركون في التشبّث بكرسي مريح و لو كان على جثث الأهل و العشيرة والقيم والمبادئ.
و يبقى الشطر الثالث وهو الأخطر والأكثر تهديدا للأرض والدين والعرض هو ذلك الذي نطلق عليه المثقّف … ذلك الذي تعلّم بلغة الغرب وتبنّى فكر الغرب دون أن يتسلّح بجذوره ليتمكّن من تناول الموروث الجديد نقدا وتشكيكا ومراجعة … فأضحى خادما كالصّنف الأوّل ومطيعا كالصّنف الثاني ومدافعا شرسا عن أفكار الغرب حتى تلك التي تجاوزها الغرب بعد أن اكتشف سذاجتها وتجاوز الزمن لها…
و أخيرا، لماذا؟
لماذا تبقى قائمة و لكن محتواها يتغيّر فعوض أن نسأل لماذا يعاملنا الغرب بهذا الشكل، فلْنسألْ لماذا نحن هكذا؟