جور نار

لماذا لا تريد النهضة أن تكون حزبا ككلّ الأحزاب؟

نشرت

في

إذا التقى ساكنان يحذف ما سبق … هذه القاعدة اللغوية طبقت على امتداد قرون طويلة ليس على اللغة فقط بل في تسيير شؤون الرعية أو ما يسمى بشؤون الأمة … تاريخنا يشهد أن الأمر لا يستقر لحاكم إلا متى أباد من سبقه و من والوه و هكذا دواليك إلى أن وصلنا إلى عصر الديمقراطية.

<strong>محمد الواد<strong>

لقد كان المفروض أن تصبح هذه القاعدة في حكم المنسوخ، لكن تشبثنا بابتداع العجائب جعلنا نصر على تطبيق القاعدة و نصر ّ على الاعتقاد بأننا ديمقراطيون … هذا ما نعيشه اليوم في بلادنا حيث يزعم كل فريق أنه الأجدر بالحكم و أما البقية فإلى زوال و لو بعد حين..نعيش دفعا للناس حتى يختاروا بين أن يكونوا محافظين أو أن يكونوا تقدميين حداثيين و تُستعمل كل الوسائل و الدسائس و الشتائم و حتى العنف ليستقر الأمر عند واحد فقط … طيب و أين الديمقراطية في كل ذلك؟.. لا جواب !

ما لا يدركه المتناحرون اليوم أن معظم الديمقراطيات السائدة في العالم قائمة فعلا على تنافس شديد بين المحافظين و التقدميين لكن ليس على قاعدة ..يحذف ما سبق..بل على إقناع الناس و دعوتهم للانخراط في برامجهم و هذا ينطبق على أمريكا و فرنسا واليابان و غيرها… لكنني سأنتقي مما هو معروض علينا من ديمقراطيات، الأنموذج الألماني لأنه يكفل توسيع فهمنا للعلاقة بين المقدس الديني و العمل السياسي … فألمانيا تحكم اليوم بواسطة الحزب اليمقراطي المسيحي و هو حزب محافظ مقارنة بعديد الأحزاب الأخرى.. لكن هل رأيتم السيدة ميركل تتحدث عن المسيحية أو تستشهد بآيات من الانجيل للإقناع بصواب رأيها؟ طبعا لا … كل ما في الأمر أن حزب السيدة ميركل و من سبقها يستوحى سياساته من المبادئ الدينية دون أن يزعم أنه يمثل الدين أو يحدد صداقاته و عداواته من منطلق ديني …

كما أن حزب ميركل لا يحمل ترسانة من الأوامر و الأحكام الجاهزة ليفرضها على الناس و لو فعل ذلك لاتهموه بالنازية و النزعة الاستبدادية التي لا تخلف إلا الخراب، و نفس الشيء تقريبا يحدث في باقي الديمقراطيات … و بالرجوع إلى واقعنا و طبيعة الصراعات الطاغية على المشهد السياسي العام، ندرك أننا ما زلنا بعيدين عن استيعاب المبادئ الأولية في التعاطي مع الديمقراطية … بل لعل أخطر ما يتهدد بلادنا منذ 2011 أننا صرنا نخرج المشترك بين معظم الناس لنجعله موضوعا للتطاحن و المغالبة .. و حتى الدستور تمت صياغته يكثير من سوء النية حتى يتيسر في يوم ما، تأويله لصالح هذه الفكرة أو تلك …

بل كيف لنا أن نستغرب نزوع المتطرفين إلى الاعتقاد بأن الدستور الحالي لا يمنعهم من فرض معتقداتهم على الآخرين ، و لو بالقوة و العنف … و ما زاد الطين بلة أن النهضة و في سعيها الحثيث لتطبيق ما خفي من برنامجهابعيد المدى ظلت تناور في مسألة الفصل بين المقدس المشترك و التمثل الحزبي على الساحة السياسية … و بالتالي الإبقاء على ثغرة تسمح بتحويل الدولة المدنية إلى دولة دينية، و أكاد أزعم أنه لولا هدا الخداع لما وصلنا إلى ما تعيشه تونس اليوم من ضبابية و من إهمال تام لما يهم الشعب حقيقة …

و أزعم أن استقالات أهم رموز النهضة إنما تعبر عن إحساسهم بالمرارة إزاء إضاعة الفرص عن تونس لكي تصبح دولة ديموقراطية حقيقية، و تحويل هذه المنارة في الوطن العربي إلى مجرد كويكب صغير يدور في فلك الإخوان … و في قلب صراع إقليمي لا يعني الشعب التونسي لا من قريب و لا من بعيد … كان بإمكان النهضة أن تطرح نفسها في الساحة كحزب محافظ و لها كل الحق في ذلك باعتبار أن جزءا لا يستهان به من التونسيين هم من المحافظين و لهم كل الحق في أن تكون لهم كلمة و رأي … لكن أن تطرح نفسها و كأنها وصية على الإسلام فتلك مصيبتها و أصل كل هذا التشنج الذي نعيشه اليوم… …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version