جور نار

لنتّفق أوّلا … هل هذه أستاذة أجيال أم عروسة قصب !

نشرت

في

عجبي من بعض التونسيين حين يحبون أو يكرهون، و لا داعي لكي تسألهم عن السبب … منذ أيام مثلا، عاندني أحد الأصدقاء لما عارضته في تقييم مذيعة من المذيعات … هو يقول نابغة عصرها و أنا أقول لم أر في حياتي أتفه فكرا منها و أركّ لغة و حتى (سامحوني) أقبح شكلا و هيئة … ذُهل فسألني فأجبته بتفصيل التفصيل، و في الأخير بقي مصرّا على موقفه بأنها يتيمة الدهر و خريدة القصر … فماذا أفعل له؟

<strong>عبد القادر المقري<strong>

و يطول الحديث و يطال المرحوم الباجي الذي فرّك البلاد من بعضها و باع أصوات ناخبيه و ناخباته لينام فوق سرير بورقيبة، و لينال ابنه رخصة خمور بالجملة … و ليطال المرحوم نويرة الذي دشّن مرحلة تفكيك قطاعنا العام، و تعويضه باقتصاد ريْعي شنيع، و ببيع عرق عاملاتنا الفقيرات بثمن بخس، و مع ذلك يراه كثيرون منّا عبقري الاقتصاد التونسي … و ليطال حديثنا المكروهين أيضا … و أوّلهم أحمد بن صالح الذي لم تقتصر فترة “حُكمه” على التعاضد، بل يُحسب له كل ما أنجزته البلاد في الستينات … من بنى تحتية، و صناعة وطنية، و فتوحات في الصحة و التعليم، و مؤسسات اجتماعية ما زالت تلقي بفيئها الخيّر إلى اليوم … و مع ذلك ما زال البعض ينظر إليه على أنه من كبار مخرّبي تونس !

“إذا حبّوك ارتاح، لا تتعب و لا تشقى” و البقية نعرفها جميعا لتشمل أيضا فرضية “إذا كرهوك” هكذا لوجه الله أو عباد الله … و ها نحن أمام تسمية امرأة على رأس الحكومة، و هو أمر محمود بالمبدإ و دون أي اعتبار آخر … فالنساء المتعلمات المتفوّقات موجودات عندنا منذ عشرات السنين، بل حتى منذ أول حكومة للزعيم كنّ على أديم البلاد … و لكننا لم نر  و لو وزارة واحدة تسند وقتها إلى توحيدة بالشيخ مثلا، و لا بشيرة بن مراد و لا راضية الحداد و لا شريفة المسعدي و لا هايدي تمزالي … و لم يتكرّم الزعيم (محرر المرأة و أبو بنات بورقيبة إلخ) بمنصب قيادي رفيع لسيدة تونسية، إلا بعد ربع قرن … و لزوجة وزيره الأوّل فوق هذا …

أن ندخل في نوايا قيس سعيّد هل هي سليمة أم مقعمزة، تلك حكاية عرّافين و ما لي دراية بفنون العِرافة … أن نعلل اختيار المسؤولة الجديدة بتفاسير بيولوجية و جندرية (بتعبير هذه الأيام) و حتى إنسانية و دعائية و ديماغوجية و شعبوية … فهذا أيضا يدخل في اختصاص التنجيم أو فحص الأنفس أو الاطّلاع على أسرار الآلهة كما يقال … على كلّ و ما يعلمه سائرنا، أن الرئيس لم يطلّ من نافذة بيته التي على الشارع، و راح ينادي المارّات: “يا مرا، يا وليّة، يا نعيمة، يا هادية، يا بختة، يا سسمك … هل تقبلين تعيينك في القصبة مكان المشيشي؟” … على حد معرفتي لم يقع هذا، و إذا وقع فليتني أسمع شاهدا من الحاضرين …

رئيسة الحكومة الجديدة ليست من عابرات السبيل، و ـ حسب سيرتها الذاتية ـ لا من اللاتي يُسدّ بهنّ الفراغ … و في كل الأحوال، هي لم تشتغل بعد في خطتها التي قامت عليها قيامة البعض … تمّ استقبالها، ثم تعيينها، ثم إمهالها مدّة حتى تعدّ قائمة وزرائها … يا سيدي، حتى “يعدّوا لها” تلك القائمة، كما تصرّ أنت … طيّب … و من هنا إلى أن ينتهي ذلك، و يستقرّ كل وزير في وزارته، و يعمل يوما يومين و جمعة، شهر و شهرين (كما تقول فيروز)، بعد ذلك نتكلم … نقول لها أحسنْتِ أو أسأتِ أو خسئْتِ أو عودي من حيث جئتِ … يعمل الله دليلا …

و لا فائدة في الخوض مع المنتبهين فجأة إلى ضرورة توفّر الخبرة كشرط لذاك المنصب … فقد عشنا مع كبار “الخبراء” عشر سنين و نصفا و يا لهم من خبراء … و يكفينا ما رأيناه من خبرة حمادي الجبالي و مجال اختصاصه العظيم … و من مآثر خلَفه الأعظم العريض … و من التكنوقراطي الذي جاء بعدهما ( بالصدفة ! ) عند تجديد عقود الطاقة، كما تقول الألسن الخبيثة … و من، و من، و من …  و على العموم، فقد توالت علينا حكومات تعدادها الجملي يفوق الثلاثمائة وزير … و معظم هؤلاء لا يعرفون الفرق بين الوزارة و السفارة، أو  بين الوزارة و العمارة، أو بين الوزارة و الشكارة، أو بين الوزارة و الغرارة …

مع العلم بأن كل ما نقوله الآن عن هؤلاء، إنما جاء بعدما اشتغلوا و طلعوا و نزلوا و فعلوا ما فعلوا … لا قبل ذلك.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version