تابعنا على

جلـ ... منار

لن يتغيروا أبدًا

نشرت

في

في أعوام الكلية – أتذكر – قمت مع رفاقي بعمل مجلة حائط. على سبيل الدعابة ألصقت زهرة من البلاستيك على فرخ المجلة، وكتبت إنني أراهن أن هذه الزهرة سوف تبقى حيث هي أسبوعين دون أن تُمس، لأننا سنبرهن على أننا شعب متحضر راق. علقنا المجلة.. ذهبت لأشتري سجائر.. عدت بعد ربع ساعة فوجدت أن الزهرة غير موجودة!.. لقد دام التحضر ربع ساعة فقط

<strong>أحمد خالد توفيق<strong>


السؤال هنا هو: ماذا يمكن عمله بزهرة بلاستيكية رخيصة ؟.. لا شيء فى الواقع.. لكن هناك قاعدة رئيسة تقول إن أي شيء يمكن أن يُسرق سوف يُسرق. السرقة على سبيل (الاستخسار) لا توجد إلا فى مصر على قدر علمي. ثم أن هناك لذة التحدي والتخريب ورفض أن يختبرك أحد.. عملية نفسية معقدة جدًا


كانت هذه بدايات التغير المرعب فى الشخصية المصرية، ومع الوقت عرفت أمثلة عديدة فى السنوات التالية وعلى مدى 25 عامًا. قد يبدو المثال شخصيًا جدًا لكنى فعلاً لا أفهم مبرر سرقة أي كتاب لي بعد ربع ساعة من ظهوره فى السوق، وفى الغالب يتم هذا مع كتب رخيصة جدًا. لكنها طبيعة الاستخسار.. والأهم أن كل منتدى على النت يسرق كتاباتي يكتب صاحبه: (نسألكم الدعاء !), فيردون عليه: (جعل الله هذا فى ميزان حسناتك !)و (بارك الله فيك يا أخي). متدينون جدًا هؤلاء اللصوص. لاحظ التناقض الغريب.. فلو كنت أنا شيطانًا رجيما يريدون تدميره بسرقة أعماله، فلماذا يقرؤونها ؟.. ولو كنت أنا مجرد كاتب جيد فلماذا السرقة منه؟


كل هذا مقبول ويمكن أن نعتبره نوعًا من الظرف المصري المبالغ فيه، لكن الأمر يتنامى بشكل مروع وبين لحظة وأخرى.. وفى كل الأحوال هناك ذلك التناقض الرهيب بين الأفعال والأقوال، وبين جوهر الدين وبين التدين الظاهري
جلست منذ عام فى ميني باص، وكان السائق يريد تشغيل أغان تروق له. هنا صاح أحد الجالسين فى المقعد الخلفى بصوت مزق آذاننا: “شغل قرآن يا أسطى !”… تجاهل السائق الطلب. هنا انفجر الراكب بسيل من الشتائم الفاحشة ضد السائق، وكلها تتعلق بسلوك الأم الجنسي.. وتوعده بأنه (حيشيل وشه) لو لم يفعل.

تأملت الراكب ورأيت أثر المطواة الواضح على خده وتساءلت: ماذا سيفعله بسماع القرآن مع كل هذا الفحش؟؟. لكن السائق على كل حال شعر بالرعب وأدار شريط قرآن فعلاً، فانشغل الراكب فى الكلام مع جاره وقد اطمأن.. وأؤكد أنه لم يصغ لآية واحدة
هذا الموقف فى رأيى يلخص مصر اليوم.. كلام كثير جدًا عن الدين لكن الأخلاق تنحدر بلا توقف


منذ أيام رأيت مشهد التحرش بسونيا دريدى مراسلة قناة فرانس 24 فى ميدان التحرير… حدث هذا يوم جمعة (مصر مش عزبة)ـ فتاة مصرية (أكرر أنها مصرية) أنيقة محترمة تقف وسط الجماهير وتتكلم مخاطبة الكاميرا، يحيط بها الجمهور المعتاد الذي (بلا شغلة ولا مشغلة) سوى النظر للكاميرا بعدوانية وبلاهة. أكرر هنا أنهم مواطنون عاديون ولا يبدون كبلطجية. وفجأة لاحظتْ أن من حولها يلتصقون بها أكثر من اللازم.. بدأت تتوتر وتقلق. ثم فوجئت بأن معظمهم يمدون أيديهم عليها، وأحدهم مد يده إلى شعرها يتحسسه… نفس السيناريو الدائم. وعندما حاولت الابتعاد لحقوا بها فى جدية وصرامة كأنهم يؤدون واجبًا مقدسًا. أنقذها زميلها بأعجوبة، وقد اكتشفت بعدها أن أزرار البلوزة مفتوحة لكنها تؤكد أن حزامها المعدني أنقذها

في اليوم التالى تجد الخبر والصور فى كل المواقع الغربية.. مع تحذيرات متوالية للغربيين أن يأخذوا الحذر.. المصريون شعب غير متحضر.. المصريون جائعون جنسيًا فابتعدوا عنهم.. إلخ
من قبل هوجمت مراسلة قناة سي تي في ماريان عبده فى ميدان التحرير.. القصة معروفة للجميع. مواقع الإنترنت الغربية مليئة بقصة المراسلة لارا لوجان التى تعمل بقناة “سي بي أس” والتى أصيبت بانهيار عصبي، بعد ما أحاط بها 300 رجل فى ميدان التحرير يوم 11 فبراير 2011 لحظة الاحتفال برحيل مبارك،

وبعد هذا تعرضت الصحفية المصرية منى الطحاوي لتحرش عنيف فى شهر نوفمبر. وهناك صحفية فرنسية اشتكت من التحرش فى الشهر ذاته. ثم جاءت قصة ناتاشا سميث الصحفية البريطانية (21 سنة) التى تدرس الصحافة الدولية فى كلية فالموث بكورنوول. التي وجدت مئات الأيدي تجرها وتعتصر جسدها فى ميدان التحرير، ليلة الاحتفال بفوز مرسى بالرئاسة. ثم شعرت بأيد عابثة تتوغل فى كل جزء من جسدها مع تمزيق شعرها..وكان هناك رجال كثيرون يحاولون حمايتها أو عمل سور بأجسادهم يحميها، وجربوا أن يخبئوها فى خيمة.. لكن العابثين كانوا أكثر. عرفت من النساء أن هذا كله نتيجة إشاعة تزعم أنها جاسوسة. لكن هذا في رأيها كلام فارغ.. مجرد حجة للعبث بجسد فتاة غربية شقراء. بينما غطتها بعض النساء ببرقع ورحن يقلن لها: هذه ليست مصر.. ليس هذا هو الإسلام.. أرجوك لا تعتقدي أن هذا هو الإسلام !ـ

تأمل الدعاية التي لا تقدر بثمن، عندما يظهر المقال فى جريدة ميل بتاريخ 12 يوليو 2012، والعناوين تقول: “مجموعة حيوانات تهاجم ناتاشا سميث، وقد جردتها من الثياب ولم تهرب إلا بعد ما أعاروها ثياب رجل وبرقعًا”. والله لو دفعت إسرائيل مليارًا لما نالت هذه الدعاية ضد مصر والمسلمين. أتساءل دومًا لماذا لا يغار المصريون على مصر وصورتها فى الخارج ؟.. ولماذا يسمحون للمجلات الغربية والمنتديات أن تسلقهم بلسانها ؟.. لماذا لا يحافظون على صورة الثورة الحضارية الجميلة التي لم يتركوا منها شيئًا…؟ أعتقد أن أى صحفية تقصد ميدان التحرير بعد اليوم مجنونة.


الشيء الذي لاحظته فى معظم حوادث التحرش، هو أن رجل الشارع يتصور أن التحرش بالمرأة واجب ديني يقربه من الله.. يجب أن تعاقب لأن ثيابها خليعة.. فإن كانت ثيابها محترمة فيجب أن تعاقب لأنها خرجت من البيت.. وهذا ما يبررون به تحرشهم بالمحجبات والمنقبات.. العقاب ستقوم به أنت، وهو يتمثل فى امتهانها وبعثرة كرامتها وجمش ما تصل له يدك من جسدها. هناك سبب لا يقوله أحد هو أنهم يتحرشون بها لأنها امرأة..هذا سبب كاف.. إن كراهية المرأة (الميزوجينية) واحتقارها شيء ثابت لدى رجل الشارع اليوم.


هكذا نجد ظاهرة أخرى غريبة لا نقابلها إلا فى مصر: التحرش الذى يعتقد صاحبه أنه يؤدي واجبًا دينيًا. كل سائحة تأتي لمصر تعرف أنها إذا مرت أمام رجال فسوف يزِنونها بأعينهم ويسبونها أقذع السباب بالعربية التى لا تفهمها، وفي الوقت نفسه يشعرون بأنهم قاموا بما عليهم دينيًا.


لم أعد أفهم الناس فعلاً.. كل هذه التناقضات الغريبة والادعاء وخداع النفس… تعبت.. ثقتي عالية بالشباب المثقف المتزن الذى قام بالثورة، لكن هؤلاء الذين يمزقون ثياب النساء فى التحرير ليسوا من هؤلاء، وهم الأكثر عددًا والأعلى صوتًا والأقوى قبضة، وهم لا يقرؤون، ويؤمنون أنهم على حق تمامًا.. وبالتالي لن يتغيروا أبدًا. تعبت فعلاً من محاولة الفهم وأنتظر معجزة ما 

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

عودة ترامب.. تحديات ومخاوف!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي:

يكاد العالم يكون اختلف تمامًا عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض في انتخابات (2020).

عبد الله السنّاوي

بمجرد انتخابه مجددًا طرحت تساؤلات حرجة على الإقليم والعالم عن حدود التغيير في سياسات القوة العظمى شبه الوحيدة على المسارح الدولية والإقليمية المشتعلة بالنيران في أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
يصعب
التعويل على تعهداته الانتخابية بإنهاء تلك الحروب والتخلص بأسرع وقت من إرث سلفه جو بايدن. يقال عادة: “ترامب هو ترامب”. في لحظة إعلان انتصاره استعار من منافسته “كامالا هاريس” دعوتها إلى طي صفحة الصراعات الداخلية، التي تسببت فيها سياساته وهددت الديمقراطية في صميم معناها وأدوارها.
في نشوة النصر استشعر بأن حقًا استلب منه بالتزوير الفادح في الانتخابات السابقة عاد إليه دون أن يكون لديه دليل واحد أو شبه دليل.

هل يمكن أن تختلف سياساته في إدارة الدولة من الشقاق إلى الوحدة أم أننا في انتظار انفجارات أخرى ومشاحنات جديدة تضع المشهد الداخلي الأمريكي على حافة الخطر الداهم؟
هذا تحد أول يستدعي القلق المكتوم أو بعض الوقت حتى تستبين سياساته ومواقفه عندما يدخل البيت الأبيض في (20) يناير (2025)، حسبما تقضي الترتيبات المستقرة في نقل السلطة. الملحّ والضاغط الآن الطريقة التي سوف يتصرف بها في الملفات الدولية المشتعلة.
لم تكن لدى الأوروبيين رفاهية الوقت لانتظار ما قد يطرأ من تحولات وانقلابات جوهرية في الحرب الأوكرانية، أو تبعات التحلل من الالتزامات الأمريكية تجاه حلف الناتو ومستقبل الأمن في القارة وطبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة.

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الدول الأوروبية إلى الاعتماد على نفسها في ضمان أمنها. لم تكن تلك دعوة مستحدثة على توجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجددًا، فقد تبناها وألح عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى، التي تخللتها مشاحنات أمام الكاميرات بين الرئيسين وصلت إلى حد إهانة ماكرون. دعوته هذه المرة أقرب إلى إجراء احترازي مبكر خشية عواقب إنهاء الحرب الأوكرانية بتفاهم منفرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون أخذ المخاوف الأوروبية في الاعتبار.
في تعليق لافت آخر دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى “السلام من خلال القوة”. كان ذلك تعبيرًا ملتبسا يعكس مدى قلقه البالغ من أية تحولات دراماتيكية مفاجئة عسكريًا وسياسيًا على المسرح الأوكراني. بوقت واحد تبنى خيار بايدن في استخدام قوة حلف الناتو بمواجهة روسيا دون أن يعارض خيار ترامب، لإنهاء الحرب بعدما أثبت الخيار العسكري عجزه عن تحقيق أهدافه.

لم يتردد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بصيغ أخرى عن فوائض القلق، التي تعتريهم إثر صعود ترامب مجددًا. المشكلة الرئيسية هنا أنه تعهد بإنهاء الحرب بمجرد التواصل مع بوتين دون أن تكون لديه خطة واضحة.
بدا الكرملين أكثر تريثًا، رغم تأييده الضمني لصعود ترامب. بتعبير وزير خارجيته أندريه لافروف: “سوف ننظر في أفعاله لا أقواله”.
الحرب الأوكرانية تحد جوهري يتعلق به مستقبل النظام الدولي، الذي أخذ يترنح بتأثير حربين متزامنتين، واحدة في أوروبا والأخرى بالشرق الأوسط.

كانت النزعة العسكرية المفرطة لدى بايدن أحد الأسباب الجوهرية لخسارة نائبته هاريس الانتخابات الرئاسية. لم تبدِ شخصية مستقلة عن إرثه، لا دعت إلى حل سياسي للحرب الأوكرانية ولا نددت بجرائم الإبادة الجماعية في غزة. باليقين فإن وطأتها أقل من ترامب بالنسبة للحرب في غزة، لكنها فشلت في اتخاذ مسافة عن بايدن الذي فقد شعبيته وصورته وأدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة التساؤلات الحرجة عن مستقبله مع زيادة نسب التضخم وارتفاعات الأسعار في الأسواق.

استثمر ترامب في فشل بايدن، ونجح في الفوز براحة لم تكن متوقعة. كسب إلى صفه قطاعات من الأمريكيين السود رغم سجله السلبي، الذي استدعى احتجاجات واسعة نشأت في زخمها حركة حياة السود مهمة. كما نجح في اجتذاب كتل محافظة خارج نطاق حزبه الجمهوري أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم عرب ومسلمون.

كانت المفارقة الأفدح توزع الصوت العربي والإسلامي بين المرشحين بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابي ضد إدارة بايدن وهاريس لدورها في الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة.
وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب وعده الانتخابي، الذى أطلقه بولاية ميتشيغان المتأرجحة، بإنهاء حربي غزة ولبنان.

كان ذلك تحليقا في فراغ الأهواء. بدت حكومة بنيامين نتنياهو الأقصى يمينية في تاريخ الدولة العبرية، هي الأكثر ابتهاجًا بفوزه. حسب تعبيره فإن فوز ترامب يعني إعادة القوة للتحالف الأمريكي الإسرائيلي، كأنه كان مهتزًا على عهد بايدن، الذي وفر لآلة الحرب الإسرائيلية كل ما تحتاجه من تسليح ودعم استخباراتي وغطاء سياسي منع ملاحقة قادتها أمام المحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب أخطرها الإبادة الجماعية. وحسب وزير الأمن القومي المتطرف اتيمار بن غفير فإنها فرصة لتحقيق النصر المطلق دون أن يكون لديه أي تصور يتعدى التقتيل والإبادة والتجويع والتهجير القسري للفلسطينيين.

الحرب في لبنان أخطر على واشنطن ومصالحها من الحرب على غزة.
هذا استنتاج مرجح في ما تنشره الصحافة الأمريكية، رغم ما يقال عن تفاهمات بين ترامب ونتنياهو تقضي باستخدام كل ما يلزم من قوة لحسم الحرب على غزة حتى يمكن إنهاؤها فور دخوله البيت الأبيض ويكون ذلك إنجازًا يحسب للرئيس العائد.

في كل الأحوال لا يمكن تجاوز الحقائق على الأرض، في لبنان وفلسطين. القضية الفلسطينية تستعصي على الإلغاء، إلى حد نفي مشروع الدولة الفلسطينية وعدم الاستعداد للاعتراف بأية حقوق سياسية لشعبها.
إننا بقرب محاولة جديدة لإلغاء الأثر السياسي والمعنوي لعملية السابع من أكتوبر (2023) وما جرى بأثر حرب الإبادة في غزة من أوسع موجة تضامن شعبية دولية مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر وطني بالمقام الأول والأخير.

يصعب تخيل حدوث هذا السيناريو بعد كل ما جرى. ولا هو سهل ومتاح العودة إلى صفقة القرن بصورة أو أخرى بالتوازي مع الضغط الهائل على دول رئيسية في الإقليم كالسعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل دون أي مقابل سياسي.

إننا بقرب ابتزاز سياسي ومالي جديد تعترضه الحقائق الفلسطينية، التي ثبت دومًا أنه يستحيل تجاوزها.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

الصوت المضيء

نشرت

في

وفاء سلطان:

البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.

وفاء سلطان

فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،

ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به

أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.

في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما

فردّ على الفور:

بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.

قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!

فردّ: أخاف من الله

قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟

لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.

عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.

الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.

نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.

الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى

دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم

بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.

الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته

أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق

ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس

فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين

Motif étoiles

أكمل القراءة

جلـ ... منار

“هابرماس”… والعدوان على غزّة

نشرت

في

عبد الله السيد ولد اباه*:

يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.

لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.

ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!

لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.

لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.

ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.

وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.

ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟

العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.

الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .

وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”

لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.

كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟

لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني

أكمل القراءة

صن نار