الجمعة 8 أفريل 2022 الموافق للسابع من رمضان 1443 هجرية
غادرت العمل حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر، امتطيت سيارتي و توجهت نحو الباب الرئيسي للمؤسسة و لكن لم أستطع الخروج ، لا أنا و لا زملائي … ستّ سيارات بقي أصحابها سجناء أنانيّة أحدهم … لقد ركن سيارته أمام باب المؤسسة و توجه نحو الجامع المجاور ..
إنّه رمضان شهر الصوم و العبادة و هل خير من صلاة الجماعة و إن تعطلت مصالح الآخرين و تلفت أعصابهم و تأخروا عن بيوتهم و مواعيد خروج أبنائهم من المدارس و الحضانات … المهم أن يكسب هذا الـ”أحدهم” و أمثاله ثواب صلاة الجماعة و يستمتعوا بدرس الجمعة (الذي من فرط ما يرفع المشرفون على المسجد من درجة مكبرات الصوت أثناءه، صار مزعجا لتلاميذ المدارس و المعاهد المجاورة و للرضع و المرضى)
يكسب هؤلاء ثواب الصلاة و تصيبهم لعنات من تعطلت شؤونهم بسببهم …
إن الدين يقوم على أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك … و لكنّ روّاد المساجد و خصوصا أيام الجمعة لا يأبهون لهده القاعدة و كثيرا ما تسببوا – بركن سياراتهم عشوائيا على جنبات الطريق- في تعطيل حركة المرور و في حوادث للمترجلين الذين يحرمون من المشي على الرّصيف أو في تأخر سيارة إسعاف عن إدراك أحد المصابين … فليت الأئمة يخصصون حيزا من دروسهم إلى هذه الظواهر بدل الحديث عن عذاب القبر و فوائد دخول بيت الراحة بالرجل اليمنى .. ليتهم يركزون في خطبهم على آداب الطريق و ضرورة احترام الجار و احترام إشارات المرور و مساعدة الفقير و صون الأمانات …
الجمعة 8 أفريل 2022 الموافق للسابع من رمضان 1443 هجرية
خرجت على الساعة السادسة مساء لقضاء شأن مستعجل … فبدا لي الشارع كأنّه يوم الحشر …
أمام المخابز تمتدّ طوابير طويلة واحد للرجال و الآخر للنّساء – هذه بدعة جديدة من بركات الثورة المباركة – من أجل الظفر بالخبز ساخنا و الحلويات طازجة و أمام محلات الفطايرية حضبة و أصوات تتنادى “آنا جيت قبل سربيني آنا الأول …” و صفوف مماثلة أمام باعة اللّبن الطازج و الياغرت الدياري و ازدحام و تدافع … المغازات الصغرى و الدكاكين تفيض بحرفائها باحثين عن الملسوقة و البيض و الشاميّة والجبن و المملّحات و غيرها … إنه شهر الصوم عفوا شهر الشهوات و كلّ يجري على بطنه ..
السيارات و الدراجات في الطريق تتسابق للحاق بالبيوت و عليك أن تضاعف من درجة تركيزك و انتباهك كي لا تصطدم بأحدها .. و فجأة سمعت صوت ارتطام شديد و توقفت حركة السير أمامي و نزل رجلان من سيارتيهما بعد الاصطدام … و أسمعا بعضهما ما تيسّر من السباب و الشتائم و مرّ الكلام – عندهم الحق مرمضنين و على أعصابهم – و كاد الأمر يتحوّل إلى تشابك بالأيدي لولا تدخّل بعض المارة و تفريقهم بينهما …
مشاهد عايشتها بالأمس … لوحات من صور التونسي في رمضان و في غير رمضان .. صور تحتاج إلى دراسات نفسيّة و اجتماعيّة و سلوكيّة … الأنانيّة و اللهفة و العنف عند التونسي حتّى و هو يمارس شعائره الدينيّة ما سببها و ما مرجعياتها ؟ أ ليس الدين المعاملة ؟ أ لا يفترض أنّ العبادات تساهم في تحقيق السكينة و الهدوء و الراحة النّفسيّة ؟ فلم لا ينعكس ذلك على سلوكنا نحن التوانسة ؟