ماذا لو فعلها الرئيس … واعتذر من الشعب عمّا اخطأ فيه؟
نشرت
قبل سنتين
في
ألا يجدر بنا اليوم أن نجعل للاعتذار يوما وطنيا …أو حتى يوما عالميا…نعتذر فيه ممن أخطأنا في حقّهم أو أتيناهم أمرا أزعجهم أو ظلمناهم حدّ الوجع علنا، والبكاء سرّا…
فكم أخطأنا في حقّ بعضنا البعض منذ وجدنا على هذه الأرض يا ترى؟ السنا اليوم ضحايا تعنتنا وعُنجُهيتنا وعدم قدرتنا وغياب شجاعتنا على الاعتذار…ماذا لو اعتذر البوعزيزي من فادية…وماذا لو اعتذرت فادية من البوعزيزي أكنّا نعيش هذا الوضع الموجع والمؤلم التي نعيشه كل لحظة اليوم…؟؟
نحن الشعب الذي لم يتعلّم أصول الاعتذار…ولم يجرّب ثقافة الاعتذار…نحن شعب تعلّم ثقافة “الريق البارد” والشماتة والتشفي عوض أن يتعلّم كيف يجبر خاطر من أخطأ في حقّهم…ماذا لو فكّرنا في اعتذار الحاضر من الماضي والماضي من الحاضر ونسيان اوجاعنا…وجبر خواطرنا أكان يمكن أن يكون حالنا على ما هو عليه…
وهنا وجب أن أسأل ونحن نعيش قصّة سال حولها الكثير من الحبر…قصّة قضاة ظلموا بمرسوم رئاسي، ثم أنصفتهم المحكمة الإدارية…أقول هنا وجب أن أسأل هل سيعتذر الرئيس عن إعفاء هؤلاء القضاة أم سيواصل وكأن شيئا لم يكن؟
قد يقول البعض وهل اعتذر هو عن العديد من الأخطاء والوعود التي لم تنجز ليعتذر من مظلمة قد يعتبر اعتذاره عنها ضعفا؟
ألا يمكن أن يبدأ رئيس الدولة بالاعتذار لتأسيس مرحلة أخرى في تاريخ البلاد؟ فنحن اليوم مطالبون بالاعتذار لمن ظلمناهم، ممن بنوا هذه الدولة وساهموا في استقلالها، ونسيناهم وظلمناهم وشتمناهم واستنقصنا مما أتوه وفعلوه…ألا يجب أن نعيد لهم الاعتبار بالاعتذار؟
ألم نظلم من وعدناهم بحياة أفضل ممن كانوا عليها؟ ألم نظلم الشعب كل الشعب بما وعدناهم به في برامجنا الانتخابية؟ ألا يستحق هؤلاء الاعتذار؟ ألم نظلم العاطلين عن العمل حين وعدناهم بحلّ لمشكلاتهم ولم نفعل؟ ألا يجب أن نجبر بخاطرهم باعتذار يشاهده كل العالم؟ ألم نظلم المئات من كفاءات منظومة ما قبل 14 جانفي واعفيناهم وأطردنا البعض منهم وسحلنا العشرات منهم وقتلنا البعض منهم كمدا وحسرة؟ ألا يجب أن نعتذر منهم ولهم ومن عائلاتهم ألم نكن سببا في موت بعضهم و”خجلهم” الذي لا موجب له أمام صغارهم وعائلاتهم؟
ألم نظلم قيادات المؤسسة الأمنية وأعفيناهم بين ليلة وضحاها تشفيا وانتقاما ألم يكونوا في حماية الوطن وحمايتنا؟ ألا يجب اليوم ان ننظّم لهم يوم اعتذار رسميا نعيد فيه الثقة بيننا جميعا وبينهم وبين الشعب؟
ماذا لو بدأ الرئيس اليوم مرحلة أخرى أساسها الاعتذار…ألم يخطئ هو منذ سنة في أغلب ما أتاه وما فعله؟ ألم يظلم الكثير بقرارات أسفرت نتائج البحث فيها عن سوء تقدير منه؟ ألا يمكن أن يكون بعض من هم حوله سبب أخطائه وما وقع فيه؟ فماذا لو اعتذر لمن أخطأ في حقّهم… وللشعب عموما عن هذا الوضع المأسوي الذي تعيشه البلاد؟ ماذا لو اعتذر عن كل وعد منه لم ينجزه خاصة وجميعنا يعلم انه لن ينجزه ولن يقدر على ذلك؟ ألا يمكن أن يكون اعتذار الرئيس عن كل أخطائه حلاّ لجميع مشاكلنا؟
ألم يعتذر رئيس النمسا لشعبه عن مخالفة قانون كورونا؟ ألم يعتذر أيضا رئيس الوزراء الياباني لشعبه عقب سلسلة الفضائح التي أدت إلى فقدان حكومته لثقة الشعب، مؤكداً أنه شكل حكومته الجديدة سعيا لاستعادة ثقة اليابانيين والمضي قدماً في تنفيذ سياساته…؟ ألم يعتذر رئيس كوريا الجنوبية لشعبه عن سقوط ضحايا جراء الأمطار الغزيرة وعن سوء تقدير الدولة لمجابهة ذلك؟ ألم يعتذر رئيس جنوب السودان لشعبه عن عامين من الحرب الأهلية؟
وهل يعلم الرئيس كيف اعتذر عمر الفاروق من مسيحية…أي نعم من مسيحية … عمر الذي اشتهر بعدله، وبقضاء حوائج الناس اعتذر من مسيحية جاءته تطلب سداد ديْن عنها وهي بلا عائل ولا ولد، فطلب منها الدخول الإسلام إلا أنها أبت، فلام عمر نفسه من أن تحسبه المرأة يساومها على الإسلام مقابل سداد ديونها فعاد إليها وهو خليفة المسلمين ليعتذر منها ويطلب منها العفو عما بدر منه ويوافق عن سداد دينها من بيت مال المسلمين…ألم يقرأ هذا رئيسنا أم لا يذكره أصلا؟
تعالوا نعتذر من بعضنا البعض قبل فوات الأوان…قبل الندم…فنحن اليوم في وضع لم نعشه قطّ سابقا…نحن اليوم في أسوا حال واتعسه…نحن اليوم في قطيعة تامة مع بعضنا البعض…جميعنا يكره جميعنا…وجميعنا يحقد على جميعنا…وجميعنا لا يحبّ الخير لجميعنا…وجميعنا تأبط شرّا بجميعنا…تعالوا نعتذر…
وللرئيس أقول…أنت أولى بالاعتذار من الشعب…فالشعب رغم ما يبديه بعضه نحوك فإن اغلبه غير راض عمّا أتيته بالبلاد وبحالها…تعال كن قدوتنا واعتذر…عمر الفاروق قدوتك التي تقول وتعيد القول اعتذر من مسيحية فكيف لا تعتذر أنت من شعبك ومن أبناء شعبك ومن كل من أخطأت في حقّهم وأنت في قرطاج…تعال فابدأ وكن أول المعتذرين…تعال وسنعتذر جميعنا من جميعنا بعدك…ونعتذر من الوطن الذي خذلناه…وعذبناه…وارديناه اسفل… إصرارك المتواصل على تبرير مواقفك من كل خطأ اتيت سيعمّق الهوّة بينك وبين الشعب…اعتذارك عمّا أخطأت فيه سيفتح صفحة أخرى قد تكون أجمل…فلم الإصرار على تبرير كل أفعالك وأخطائك وكأنك المعصوم من الخطأ؟…
تعال وكن شجاعا واعتذر لشعبك ومن شعبك عمّا أخطأت فيه…تعال فشجاعة الاعتذار لا يتقنها إلا الكبار…تعال وكُن كبيرا…في عيون الشعب…تعال لنعتذر جميعنا من الماضي الذي ظلمناه…وتعال نعتذر جميعنا من الحاضر الذي خذلناه…وتعال نعتذر جميعنا من المستقبل الذي نسيناه ووأدناه…تعال… ألم يقولوا سابقا “ماء الاعتراف يمحو دنس الاقتراف”…تعال وكُن شجاعا…وأعلم أنك ستفعل…تصوّروا معي غدا…كل صحف العالم تخرج علينا بعنوان بالبنط الغليظ وبخطّ الرقعة كأننا في زمن السبعينات والثمانينات من القرن الماضي…”رئيس يعتذر من شعبه ومن خصومه”…وأخرى تكتب “شجاعة رئيس اعتذر من شعبه”….ومذيعة قناة تلفزية تقف احتراما للرئيس …وآخر يرفع قبعته أمام جمهور المشاهدين للرئيس التونسي…
تعال سيدي الرئيس…وأعدك أني سأكتب عنك ما لم أكتبه قبلك…تعال وكُن شجاعا…واعتذر ضاحكا…فنحن لم نر اسنانك إلا ….أحيانا…وفي الحلم…