جور نار

ماذا ينتظر التونسيون خلال العهدة الجديدة من رئاسة قيس سعيّد؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

لقد كشفت الانتخابات الرئاسية عن عدد من المعطيات و الحقائق منها ان الشعب التونسي مسكون بالرغبة الجامحة في كنس كل علق من رواسب عشرية حكم الاخوان… وهي رغبة تجد شرحها في تمسك التونسيين بالأمن و الأمان والقطع مع ما عاشته تونس من ارهاب واعتداءات ونهب وتسيب في الإدارة ومسالك خدماتها وتوسع مافيات التهريب و المخدرات التي انضمت إلى ما ذكرنا.

سابقا… كان الشعب التونسي ميالا إلى التغيير في اول فرصة انتفاضة مع تردي أوضاعه الاجتماعية إلى حد غير محتمل ( جانفي 78، انتفاضة الخبز في الثمانينات، الحوض المنجمي، ثورة “البرويطة” في 2011)… لكن يبدو أن هذا الشعب الذي مر بأيام ضنكة جدا بسبب فقدان ممنهج لبعض المواد الضرورية من المافيات السياسوية التي كان تسعى لاثارته ضد السلطة وايضا من المافيات المالية الفاسدة التي كانت مسكونة بالخوف على كيانها و متوجسة من المحاسبة التي ضربت البعض من باروناتها الكبار دون تردد…

نفس هذا الشعب اثبت هذه المرة انه اكثر نضجا من كتل المعارضة، إذ فهم “الحبكة” و واجهها بصبر أيوب معتمدا على رصيد الثقة في الرئيس الذي لم يتوان عن فتح واجهات متعددة في وقت واحد و اثبت شجاعة كافية تبعث الأمل في قوة سلطة القانون وضمانات حماية مستدامة … وحتى نكون موضوعيين في طرح مشكلة النقص الذي وصل إلى أوجه خلال السنة الماضية خاصة، يمكن القول ان للديوان الوطني للتجارة دورا في كبح بعض الواردات ضمن خطة وطنية موجهة لتعديل مخزون العملة الذي نزل إلى اقل من 50 يوما في عهد حكم الاخوان ..

عملية التقليص من استيراد بعض المواد حققت هدفها لكن على حساب متطلبات المواطنين من أجل كنس خطة المافيات، اكثر حتى من المساهمة في خطة السلطة الساعية إلى تقليص العجز التجاري و دعم مخزون العملة الصعبة و اجتناب التداين المتراكم خلال العشرية السوداء … الشعب عبر عن ثقته وعن براغماتية فاقت ما تغرد او تنعق به بعض الاطراف الانتهازية او المتظللة بجهة معروفة..

وجدير بأن نشير أيضا إلى ان الانتخابات الرئاسية الأخيرة قد سجلت عددا من الاستنتاجات الواقعية:

لأول مرة في تاريخ تونس يتم تنظيم انتخابات نزيهة… ففي عهد بورقيبة نذكر جيدا ما وقع من تدليس وردم للبطاقات التي صوت اصحابها لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين في الانتخابات التعددية الوحيدة سنة 1981… وفي عهد بن على لا فائدة من ذكر المباريات التي كانت تقوم بين مختلف ولاة الجمهورية فيمن تصوت ولايته أكثر لبن علي … أما في رئاسية ما بعد الثورة فقد تم تعيين المرزوقي دون أية انتخابات لكن أفرزته بالصدفة انتخابات تشريعية راينا خلالها العجب العجاب في حشد المواطنين من أجل التصويت للنهضة… من حقق الطماطم وارطال المكرونة و انحراف نشاط الجمعيات و الأموال المشبوهة وتوظيف المساجد (من لا يصوت للنهضة فهو كافر ) …

إثر هذا الطرح الذي قد يعجب او لا يعجب العديد حسب لون النظارات التي يحملها على عينيه و تطلعاته، لنر ماذا ينتظر الشعب من فترة حكم قيس سعيد القادمة ؟

يبدو جليا ان موضوع التشغيل يأتي في اعلى هرم أولويات الشعب التونسي وخاصة شريحة الشباب وبالأخص خريجي التعليم العالي… أما المشاغل الثانية فهي تتمثل في ضرورة الضغط على الغلاء الفاحش في الأسعار وضمان طاقة شرائية معقولة لدى الأسر التونسية التي تعاني من نتائج ما يدور في ثنايا السوق من غلاء و مضاربات و ترفيع في الأسعار وحتى الغش…

على السلطة التفكير جديا في تحديد اسعار منخفضة خاصة للمواد الضرورية ..فاللحوم الحمراء تستوجب الا يفوق سعرها 10 دنانير / كلغ… أما لحوم الدجاج فيتوجب تحديد سعرها بـ 5 دنانير للكيلو والبيض 600 مليم… كذلك ضرورة التخفيض من سعر زيت الزيتون حتى لا تجد الدولة نفسها تدفع (مقابل عجز ميزانية المواطن عن اقتنائه) أكثر من الفارق، تكاليف علاج للأمراض الناتجة عن عدم تناوله …

اسعار الخضر وقفّة المواطن عليها ان تتعدل باتجاه التوازن… ليس هذا فقط فاسعار الكهرباء و استهلاك الماء والأدوات المدرسية و كراء المساكن واقتناء مسكن كاد يكون حلم اليقظة… ودائما في قطاع البناء نقول ان استمر الأمر على هذه الأوضاع من غلاء مواد البناء و الشقق فإن القطاع سيشهد انهيار ا على شاكلة ما وقع بالولايات المتحدة في التسعينات…كما لا بدّ من مراجعة المجلة العمرانية باتجاه التقليص من البناء الأفقي والمحافظة على الأراضي الزراعية التي تناقصت بشكل مريع…

نمر الان إلى القطاعات الحيوية التي تتطلب عناية عاجلة:

1) الفلاحة وضرورة السعي الجدي لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي و مثلما تم ايقاف نسبة التداين من الخارج فإن الاكتفاء الذاتي الغذائي اكثر أهمية وقابلية للتنفيذ متى ما وجدت ارادة فولاذية و حركية ودعما للقطاع

2) التعليم… مراجعة البرامج ودعم التعليم العمومي وتحقيق رفاه مادي معقول لرجال التعليم

3) قطاع الصحة… شرع القطاع في التردي منذ اواخر ايام بن على حين تم ايقاف دعم الدولة المهم للمستشفيات… ووصل إلى حافة الانهيار بعذ الثورة حيث تم ملؤه بالأتباع دون صفة أو حق أو كفاءة… وطغى عليه مثل كافة القطاعات الفساد والتسيب و استضعاف سلطة مديري المستشفيات و فرض فوضى النقابات و حتى مراقبي المصاريف… وتراجعت لدي المسؤول روح المبادرة وقيم قدسية العمل والإنجاز و القانون… كذلك تنامي ميزانية الأدوية التي تاخذ اكثر من 70% من ميزانية المؤسسة وربما اكثر بكثير… مما أدى إلى تراكم الديون على المؤسسات وعجز الصيدلية المركزية وظهور دعوات إلى خوصصتها وإلغاء الرقابة على الأدوية.

4) قطاع الخدمات…يشمل قطاع الخدمات بمفهومه العام كل ما تقوم به المؤسسات الوطنية او الخواص من خدمات لصالح المواطن ولصالح الدورة الاقتصادية والاجتماعية… وربما من متطلبات المرحلة النهوض بقطاع النقل والبنية الأساسية للمرور لا سيما بالولايات الداخلية كركيزة للنشاط الاقتصادي للبلاد…

ـ يتبع ـ

(في الحلقة القادمة: ماذا عن قطاعات الثقافة والإعلام والبحث العلمي والطاقة؟)

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version