عشرات الآلاف من التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا هم الآن بصدد تعمير بطاقات اختياراتهم الجامعية، وذلك بمرافقة العائلات والمختصين في المساعدة على التوجيه الجامعي والمصادر المختلفة للمعلومة التي تساعد على مزيد بلورة ملمح الشُّعب الجامعية المعروضة للتناظر، وتمثّل آفاقها العلمية والتشغيلية وما يتطلّبه كل مسلك جامعي من استعداد قبليّ … لأن التكوين الأساسي في الثانوي لا يؤهّل جميع الناجحين بنفس الكيفية حِيال آفاق بذاتها في التعليم العاليمفتوحة بشكل متساو أمام جميع أنواع الباكالوريا.
قدّمنا ضمن ورقة الأسبوع الماضي جملة من النصائح العامة الصالحة قبل انطلاق عملية “وضع الاختيارات النهائية”… أما اليوم وقد بِتنا على بُعد يومين فقط من إشراف الدورة الرئيسية للتوجيه الجامعي على نهايتها، بدا لي أنه قد يكون من المفيد مواصلة ما بدأناه في الورقة الماضية، مع التركيز على العناصر العملية المتصلة بتبديد بعض الغموض الذي يحول دون التعمير بشكل مطمئن.
ملاحظة عامة قبل البدء : لا تستمعوا إلى نعيق بعض الأصوات التلفزية والإذاعية (التي تتقاضى أجرا مُجزيا مقابل ما تقترفُه من هُراء وتخريف) التي لا ترى في الجامعة التونسية إلا بؤرة لإنتاج العاطلين والفاشلين والعَجَزة … لا تستمعوا إليهم وأصغوا إلى أصواتكم الداخلية وما يعتمل في نفوسكم من طموح بلا حدود وأمل تستجيب له الأقدار ورغبة في إكساب أجنِحتكم مزيدا من القوة والصلابة للطيران بحرية وتمكّن واقتدار في سماوات العالم. وتأكّدوا أن الشاب الأسترالي أو الألماني أو السويدي لا يفوقكم في شيء من حيث منسوب الذكاء والسيطرة على ناصية العلوم والمعارف والتجديدات،. بل أنتم الأفضل أحيانا لأنكم سليلو حضارة ضاربة في القدم ونمَوْتُم على إيقاع أنقى هواء وأعذب ماء وألذّ زيْت وأشهى خبز في العالم.
أولا :
اشرع في تعمير بطاقتك لتتدرّب عليها وتتعرّف على الشُّعب التي تُستدعى آليّا من خلال الاكتفاء بوضع رموزها في الخانات الأولى، فذاك يُزيل التوتّر ويمنحك تآلفا مع ذلك المشهد الغابي من المسالك والتخصصات والمؤسسات والمقاييس والمجاميع… باستطاعتك التعمير مئات المرّات وبشكل مختلف في كل مرة من حيث ترتيب الاختيارات، المهمّ أن تنتبه جيدا إلى النسخة الأخيرة من بطاقة اختياراتك التي ستعتمدها تطبيقة التوجيه الجامعي بوزارة التعليم العالي يوم الثلاثاء 26 جويلية على الساعة منتصف الليل. سجّل هذه النسخة وتأكّد من ظهور “وصل استلام الاختيارات” للاحتفاظ به وضمان حقوقك في صورة حدوث أي طارئ من أي نوع كان.
ثانيا :
احرص على تعمير أكثر ما يمكن من اختيارات. فكلما تضاءل مجموع نقاطك مقارنة بمؤشرات السنوات السابقة، تحتّم عليك التكثيف من عدد الاختيارات درءًا لأية مفاجآت قد تحصل أثناء تنافس المترشحين للتوجيه الجامعي على مختلف الشُّعب.
ثالثا :
لا تُقصِ نفسك بصورة ذاتية من اختيارات غير مؤكدة ولكنها مُمكنة (بالنظر إلى إمكانية تطوّر مجاميع النقاط نزولا هذه السنة، خاصة أن عدد ملاحظات “حسن جدا” أدنى من السنة الماضية في بعض الباكالوريات، وبالنظر أيضا إلى إمكانية تطور كثافة الإقبال نزولا على بعض المسالك). .. لأنك إذا طلبت شعبة مؤكّدة منذ البداية، ستحصل عليها وتُقصيك المنظومة الإعلامية بصورة آلية من الشعب الأخرى التي رتّبتها فيما بعد. المهمّ ضع اختيارين احتياطيين في نهاية الترتيب حتى لا تؤجّل إلى الدورة النهائية، وما هو ممكن الآن يصبح غير ممكن في الدورة النهائية.
رابعا :
منظومة التعليم العالي لا يمكن اختزالُها في أربعة أو خمسة مسالك كبرى (الطب والاختصاصات شبه الطبية، والأقسام التحضيرية للدراسات الهندسية، واللغات، وبعض المؤسسات المتخصصة في العلوم الاقتصادية وعلوم التصرف…) … وبالتالي خذ وقتك كاملا للبحث عن مسالك جامعية قد تكون غير معروفة ولا يتداولها الناس والإعلام بشكل يومي ولكنها تظل تخصصات ممكنة يشرف عليها جامعيون متمرّسون وتُفضي إلى آفاق مرموقة. فتصميم المنتوج على سبيل المثال والتصرف الالكتروني في المعلومات والتربية المختصة والبيوتكنولوجيا والإلكترونيك وعلوم الإعلامية في كليات العلوم التقليدية والصناعات الغذائية والصحة والسلامة المهنية وعشرات العروض الأخرى …هي أيضا اختصاصات ذات شأن ولكن لا نتناولها في حديثنا اليومي ولا نُثمّنها بشكل كاف.
خامسا :
بإمكانك مزيد الاطلاع على تفاصيل التكوين في التعليم العالي (المواد المدرّسة في السداسيات الأولى والضوارب والأرصدة والتشابه بين المسالك…) عبر بوّابة “سليمة” http://parcours-lmd.salima.tn التي بإمكانك الولوج إليها إما مباشرة أو عبر موقع التوجيه الجامعي www.orientation.tn . كما يمكنك تصفّح الدليل التفاعلي في موقع التوجيه الجامعيhttp://guide.orientation.tn/ الذي يوفر لك إمكانية البحث في جامعة أو مؤسسة بذاتها أو حسب باكالوريا محدّدة أو في علاقة بشعبة أو إجازة مخصوصة…أو كل هذه المداخل مجتمعة. هذا بالإضافة إلى خدمات الرقم الأخضر المجاني 80102520 الذي تنتهي خدماته غدا مساءً، والأرقام الهاتفية الخاصة التي تضعها الجمعية التونسية للإعلام والتوجيه على ذمّتك إلى غاية يوم 03 أوت.
سادسا :
مهما تكن برامجك الموازية (الدراسة بالخارج أو التعليم العالي الخاص أو التكوين المهني في مستوى مؤهل تقني سام أو الترشح للدراسة بالجزائر والسينغال أو المشاركة في مناظرات إعادة التوجيه لشهر مارس 2023 …). احجز لنفسك مقعدا جامعيا يوم 01 أوت ولكل حادث حديث. فكم من طالب قديم دخل مُكرها إلى مسلك جامعي ما، ثم سرعان ما تأقلم مع برنامجه واستمرّ فيه إلى النهاية. وكم من طالب قديم نجح في مناظرة إعادة التوجيه بالاختبارات الكتابية ورفض الالتحاق بالشعبة التي نجح فيها.
سابعا :
عندما تُفتح دورة إعادة التوجيه (من 11 إلى 15 أوت) لا تتردّد في المشاركة بعد الاطلاع على مجموع نقاط آخر موجّه 2022 في كل شعبة أو إعداد ملفّ صحي أو عائلي أو مهاريّ مقنع، خاصة أن نتيجة إعادة التوجيه لا تُلغي التوجيه الأصلي.
ثامنا :
إن كنت منتميا إلى شعبة التقنية أو العلوم التجريبية على سبيل المثال وترغب في الالتحاق بمسلك جامعي محسوب تقليديا على باكالوريا رياضيات (أو العكس) احرص خلال هذه الصائفة ولو بصفة مرنة وغير ضاغطة على تدارك “الدروس أو الأقسام الناقصة أو المحذوفة” في هذه الباكالوريا أو تلك. (علوم الحياة والأرض بالنسبة الى تلميذ الرياضيات على سبيل المثال الراغب في الالتحاق بالشعب الطبية، أو مادة الرياضيات بالنسبة إلى تلميذ باكالوريا تقنية الراغب في الالتحاق بشعبة الرياضيات-فيزياء- إعلامية، إلخ…).
ملاحظة أخيرة إلى من لم ينجحوا في امتحان الباكالوريا هذه السنة أو الذين هم في مستويات دراسية أدنى من الباكالوريا : أرأيتم معاناة من نجحوا بمعدلات ضعيفة واصطدامهم بالواقع المرير لانتقائية المنظومة والقيمة الحاسمة لأية نقطة إضافية تحصل عليها في الباكالوريا لا في المواد الأساسية فحسب وإنما في كل المواد بدون استثناء. كمن يقف أمام بضاعة معروضة ولكن تضاؤل الرصيد المالي الذي في جيبه يُقصيه بشكل بشع من اقتناء كل الغلال والفواكه التي حلُم بتذوّقها. فتهيّأْ من الآن لمواجهة هذه الاستحقاقات بأكثر ما يمكن من نقاط قوّة ومتانة تكوين.