وهْجُ نار

ما لا يجرؤ أحد على قوله: سيّدي الرئيس … أوصيك بالابتعاد عن “أهل البيعة والولاء ولعق الحذاء”

نشرت

في

سيدي الرئيس، نعم نحن في حالة تيه… نحن في حالة تيه عظيم وأعظم، فلا ترْمِ بفشلك وفشل حكومتك على “الكورونا” فكورونا مسّت كل العالم، وما يحدث في أوكرانيا وتأثيراته ستمسّ أيضا كل العالم…نحن في حالة تيه وضياع رغم أنك قلت وأعدت إننا لسنا كذلك… ونعم لدينا عديد الوجوه وأكثر من وجهين رغم أنك تصرّ على أننا بوجه واحد … وجه يؤلمنا وآخر يذبحنا من الوريد إلى الوريد وآخر يقتلنا وآخر يمهلنا قبل أن يدمّرنا…أي نعم سيدي الرئيس، قلت وأعدت عديد المرّات إنك ديمقراطي وضامن للحريات وأولها حرية الرأي والإعلام، فهلاّ قبلت بما أقول في مقالي هذا، هلا أثبتّ أنك فعلا تقبل من يقول لك أخطأت… وخرجت عن النص…ولم تأت شيئا في صالح هذا الشعب...

<strong>محمد الأطرش<strong>

هلاّ قبلت سيّدي برأي يخالفك القول…هلاّ قرأت واستمعت لقول مواطن صالح يدفع ضرائبه كاملة دون نقصان…مواطن صالح، خدم البلاد كما لم يخدمها أحد وبعض من حكموا البلاد يعرفون ذلك… مواطن خدم البلاد ولم يطلب ثناء ولا جزاء ولا شكورا…مواطن خدم ويخدم بلاده بشهادة كل من يعرفه وعرفه، وشهادة من نكروا جميله أيضا…مواطن لا يملك شهادة ملكية لأي عقار أو مؤسسة أو سيارة او حتى حمار وبردعة… مواطن لا أثر للفساد في حياته وفي ما يملكه…فلا أحد من أبنائه يعمل بمؤسسات الدولة بوساطة منه أو من احد الوزراء من أصدقائه رغم أنه كان قادرا على ذلك وأكثر…ولا شيء يملكه بلغة الممتلكات غير ثيابه التي يلبسها، ولا يملك شهادة ملكية مسجلة في دفتر خانة لسرواله او قميصه، أو حذائه الذي يئن من أوجاع ما يقطعه كل يوم مشيا على الاقدام…هلاّ امتنعت عن الكلام وأنت تقرأ ما وجب أن تقرأه منذ يوم جلوسك على كرسي قرطاج…

هلاّ قرأت ما أخفوه عنك من هم حولك من كلام كان عليك أن تسمعه منذ يوم حكمك الأول، لتعلم حقيقة ما يجري في البلاد وما يجب فعله للبلاد والعباد…هلاّ قرأت نصّا يخالف الدروس التي تُلقيها يوميا على ساكنة القصبة دون أن تخرج عن صمتها لتخالفك الرأي والقول، وتقول لك إن البلاد… وأنت… والشعب… وحكومتك… وكل مؤسسات الدولة في حالة تيه وضياع، وأننا جميعا فقدنا البوصلة…فإن قرأت قولي هذا دون أن تمسك سماعة هاتفك وتأمر بوضعي وراء القضبان، أو تأمر بمن يصفقون لك بــ”هرسلتي” وتشويهي ومضايقتي وذبحي معنويا من الوريد إلى الوريد، كما يأتونه مع كل خصومك ومع من تريد قطع الطريق أمامهم لتجد نفسك وحيدا في السباق القادم نحو الكرسي التي تجلس عليه الآن…إن لم تأمرهم بتخويني ونعتي بالعمالة وأنا المتعوّد على ذلك وأكثر (عزوزة ما يهمها قرص)… وإن لم تأمر لسانك في خطبك اليومية بأن يخوّنني أيضا فإني سأشهد للتاريخ ولأولادي ولأحفادي إن سمحت لي قدرتك وسطوتك في البقاء حيّا لأقول لهم وأعترف، بأن رئيسنا ديمقراطي كأرسطو يقبل بالاختلاف وبالرأي المخالف…وديمقراطي كأبراهام لينكولن لا يقطع الطريق أمام خصومه…وديمقراطي  كإدموند بيرك لا يريد الانتقام من الماضي… وديمقراطي كنيلسون مانديلا لا يريد كما يشاع إبادة المشهد السياسي وينتقم لنفسه، ليبقى لوحده الآمر الناهي وملك ملوك افريقية…

سيدي جماعتك يريدونك صنما بما يفعلونه لك ومعك وما يروّجونه عنك… فهل حقّا تريد أن تكون صنما يعبده الشعب ويسجد له؟ فهل ينفع الصنم الأحياء وهو المصنوع من صلصال ومن طين قد يحطّمه رذاذ مطر خفيف بعد كل هذا الجفاف الذي نعيشه منذ توليك أمرنا وأمر البلاد؟ أتدري أنهم خدعوك واصرّوا وتعنّتوا وأوهموك بأن مخزونك من الدعم الشعبي هم كل من وضعوا اسمك في صندوق الاقتراع…ألم يقولوا أن استشارتك ستحطّم كل الأرقام القياسية في الولوج إليها …أتدري أن من ولجوا منصّة استشارتك الوثنية…عفوا الوطنية، هم رصيدك الانتخابي الحقيقي في قادم المحطّات وقد يصبح عددهم أقلّ بكثير من عدد من ولجوا … فلو كان الملايين الذين انتخبوك هم من يريدونك للبقاء في الحكم، وهم من يقبلون بكل ما ستفعله بالبلاد والعباد، لأسرعوا ولروّضوا كل الظروف المناخية والفنية والمادية والاجتماعية والسياسية، ولتطاولوا على كل الموانع حتى يلجوا منصتك الانتخابية عفوا الاستشارية ليفرضوك ملكا على البلاد والعباد، ألم أقل إنهم يخدعونك ويكذبون …

سيّدي جماعتك يريدونك إلها … فهل تقبل بأن تصبح إلها دون أن تكون غفورا رحيما… ألا تعلم سيّدي ان الله غفور رحيم فكيف لا تكون أنت مثله وانت عبد من عباده؟

سيّدي جميعنا يعلم أنك تعيش حالة حادّة من التشنّج والتوتّر منذ أن عرفت حقيقة حجم الولوج الحقيقي لاستشارتك… ألم يوهموك بأن موانع فنّية وأن مؤامرات تحاك حول استشارتك ونسوا الاعتراف بأنك لم تأت شيئا صالحا للبلاد وللعباد يجعلهم يهرولون نحو منصتك ويلجونها دون تردّد ليقولون لك بعد تلاوة ما جادت به ” أنت مولانا وتاج راسنا وسلطان البلاد والعباد”…لكنهم لم ولن يفعلوا…أعرفت الآن أنهم يخدعونك لغاية في نفوسهم؟ فهل أعلموك حقيقة غاياتهم ونواياهم؟

سيّدي، الكتابة اليك بهذه الطريقة، في أي وقت آخر، كان يمكن ان تكون موضعا لسوء الفهم. ولكن بما أني قدّمت نفسي وما أملكه وما أريده، ولأني وضعت واجب التحفّظ جانبا بإرادتي وباختياري، فما من أحد يستطيع اتهامي بالسعي للحصول على “خطّة وظيفية” ولا على “خطّة معتمد” في أحد الأرياف المخدوعة… أو واليا على احدى الولايات المنهوبة…أو حتى مستشارا في أحد دواوين وزراء حكومتك “العرجاء”…فأنا هكذا مذ ولدت لا ابحث عن الجاه والسلطة والنفوذ …بل أبحث عن رضاء الناس…كل الناس…

سيّدي أتعلم انهم اوقعوك في شراكهم، وعوّدوك بخطاب التمجيد والهتاف، وبتلميع صورتك حتى أصبحت مدمنا على الثناء والمدائح…ولا غرابة أن يغرقوك في قادم الايام بالثناء وتنهال عليك المدائح وقصائد الشعر والاهازيج والاغاني، ولا غرابة أن تشكل طلعتك لوحدها مناسبة للبهجة والاحتفال عند أتباعك الذين لم يكونوا يحلمون يوما بالحصول على ما حصلوا عليه منك ومعك…شخصيا كنت ومنذ خطابك الأول معارضا لك ولطريقتك في الحكم، رغم أنى كنت من ناخبيك الذين خُدعوا بخطابك المتسامح والذي انقلب إلى خطاب حاقد…هم أوقعوك في ألاعيبهم إلى درجة أنهم أصبحوا يسجلون كل أخطائهم باسمك …

سيّدي أتعلم انهم يتباهون بخطابك اليومي “الفايسبوكي” فهم يستمعون إليك عبر هواتفهم قبل أن يشاهدوك في نشرة اخبار الثامنة التي أعلن لك أصحابها البيعة والولاء…أتدري أنك بما تقوله في ديباجة جلساتك سواء كانت في مجلس الوزراء أو مع ساكنة القصبة التي أكاد أجزم انها تعبت من السعي بين الصفاء والمروة عفوا بين القصبة وقرطاج، أو حتى عبر الدرس اليومي الذي تلزم وزراء حكومتك بالاستماع إليه، والانتباه لما جاء فيه دون أن يحركوا رمشا أو طرفا…أقول أتدري أنك توقع نفسك في معارك لا موجب لها؟ وأنك تستعدي أغلبية من في هذه البلاد فقط بما تقول دون موجب، ولا سبب يجبرك على ما تقول…أتدري أنك تضع نفسك موضع المعتدي والحال أنك وُجدت هناك لتعدل بين الناس ولا تظلم أحدا… فهل باتهام البعض من الشعب ستنال رضى البقية؟ وهل بتبريرات لا موجب لها سيرضى عنك من يعارضونك؟ وهل بتعلات واهية ستقنع الشعب بالصبر والاطمئنان على مستقبل أبنائه؟

بعد سنتين كاملتين من الحكم نصفها وأنت تعرقل عمل الحكومات التي سبقت حكومتك (رغم أني كنت أيضا معارضا شرسا لجميعها) وأكثر من ربعها وأنت الآمر الناهي سلطان البلاد وحاكم العباد ماذا قدّمت لهذا الشعب وهذه البلاد؟ لا شيء سيدي الرئيس… لا شيء ومن يهمس في أذنك أنك قدّمت الكثير يكذب عليك ويخدعك ولا يريد بك ولا بالبلاد خيرا… أتعتبر إبعاد النهضة عن الحكم إنجازا؟ لا … أتعتبر إبعاد القروي ومن معه إنجازا؟ لا… وألف لا… كنت أتمنى أن تكون الموحّد الذي يدور حوله الجميع…كنت أنتظر أن تعلن عن مصالحة سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة لا تقصي أحدا حتى نبدأ مرحلة بناء جديدة دون أحقاد…كنت أنتظر أن تكتفي بما قررته يوم عيد الجمهورية… أقول كنت أنتظر وكنت أتمنى لكن خاب ظنّي…ستقول سيدي، ألم تكن أنت أيضا معارضا للنهضة؟ سأقول نعم وكنت من أشرس من عارضوها وإن عادت على نفس الشاكلة سأعارضها بأكثر شراسة…لكن أتدري لماذا عارضتها بتلك الشراسة؟ عارضتها لأنها بدأت مرحلة حكمها كما بدأت أنت، بدأتها بلغة التهديد والوعيد والتعالي وكأنهم من الملائكة وبقية الشعب من الشياطين فسجنت وسحلت وجوّعت وفقّرت واتهمت باطلا وظلما … هي جاءت للانتقام والثأر…وأنت سلكت نفس الطريق يوم تأكدت أنك ستفشل في إصلاح حال البلاد والعباد…

 اليوم انت ترمي بكل تبريرات فشلك على من سبقوك في الحكم… أتتصور أن الشعب لا يعلم بأن النهضة ومن معها ولا استثني أحدا، افسدوا في البلاد ولم يحاولوا إصلاح شأن واحد من شؤونها… هكذا وقعوا هم في الخطأ القاتل وهكذا اتبعت أنت اليوم طريقهم وأعلنت عن أم معاركك “الانتقام والثأر من كل خصومك وقطع الطريق أمامهم حتى لا يعودوا للحكم ” ليس بغية إصلاح البلاد وحال العباد، بل لتنجح في البقاء جالسا على كرسي قرطاج طمعا في أن تفعل شيئا تسجّل به اسمك في تاريخ البلاد … فجميعكم واقصد من جلسوا على كرسي بورقيبة كانت ولا تزال عقدتهم “الزعيم” فهل بما تأتيه اليوم ستسجل اسمك زعيما في تاريخ البلاد كبورقيبة العظيم، أو حتى كبن علي الوطني؟؟؟ لا أظنّ وأكاد أجزم، لكن يبقى أملي كبير في أن تغيّر منهجك وتبدأ مرحلة بناء جديدة لا أحقاد فيها…تجمع فيها كل من يريدون خيرا بالبلاد…

سيّدي الرئيس… أكاد أجزم أنهم يريدون القضاء عليك سياسيا ومحو اسمك من تاريخ البلاد بما يأتونه معك وما يخدعونك به… فحين يصمتون ويغلقون أفواههم ويشجعونك على الخطأ فإنهم يوقعون بك ويحوّلون وجهتك إلى حيث هم يريدون… هم يريدونك فاشلا ليبرروا كل ما ينوون فعله ويضعون على كاهلك كل مصائب البلاد … أتدري يا صاحب الجلالة، عفوا سيدي الرئيس أن لا بيت في هذه البلاد خال من الوجع والألم والمأساة… فالبطالة مأساة… والخصاصة مأساة… والحرمان مأساة… والمرض مأساة… وعدم توفر الدواء مأساة…والظلم مأساة…والعنوسة مأساة…والجهل مأساة… فهل حاولت أن تنزع عن الشعب كل هذه المآسي؟

سيّدي الرئيس هل فكّرت يوما في إعادة الاستماع إلى كل خطبك ودروسك أمام أعضاء حكومتك؟ لا أظنّ أنك ستفعل…أتدري لماذا لأنك لم تقل يوما خيرا في هذا الشعب… اتهمت بعضه بالفساد… ووضعت بعضه في الإقامة الجبرية بتهم لم يقع اثباتها إلى يومنا هذا… واتهمت البعض بالتآمر عليك ولم تعط يوما دليلا واحدا… واتهمت بعضنا بالعمالة ونحن الذي أفنينا أجمل سنوات عمرنا في خدمة هذه الأرض… ونعتّ بعضنا بالخيانة وأنت تدرك أن أمثالنا لا يمكن أن يخونوا الوطن…أنا يا سيّدي الرئيس على تمام الإدراك أنك رجل خيّر… وانك لا تريد سوءا بالبلاد ولا بالعباد…لذلك أنصحك بالاستماع فقط إلى ما يقوله لك ضميرك …حاول أن تكون زعيم المصالحة الشاملة وإن رفضها البعض… فالمصالحة لن تُرْضِي من يقتات على الفرقة والانقسام…حاول التوفيق بين الاضداد وكن الحكيم الذي يجتمع حوله الشعب ولا تكن “المستبدّ” الذي ينفضّ من حوله الناس…

أتدري سيدي، أن الشعب سئم العراك والانقسام والاحقاد… أتدري ان هذا الشعب لم يهنأ باله منذ أكثر من احدى عشرة سنة؟ أستزيد انت من أوجاعه؟ بما تأتيه وتفعله ويحملك إليه قول من هم حولك؟ لن ينفع الشعب صراخك في خطبك ولا تأويلك الخاطئ للأحداث، ولا غضبك على خصومك ولا شتمك لهم، ولا اتهامك لهم ولا ضربك طاولتك بقبضة يدك… سيسعد بعض أتباعك حين يستمعون إليك، لكنهم سيعودون إلى منازلهم يجرّون أذيال الخيبة والوجع وستسألهم زوجاتهم عما فعلوه من أجل العائلة ومن أجل أبنائهم وسيجيبون “ألم تستمعي لخطاب الرئيس، إنه فعل بخصومه ما لم يفعله مالك وما لم يقله عن الخمرة” وسيفاخرون بقولك فهم سكارى وما هم بسكارى…لن نأكل خبزا بصراخك وبخطابك المتشنّج… ولن نقضي على الفساد باتهامات واهية وبكشف أسماء بعضهم دون أدلة… ولن نصلح حال التعليم بخطاب في مجلس وزاري …ولن نُشفي مرضانا بشتمك لخصومك… ولن نجلب قمحا للبلاد برفضك لما دأبت عليه البلاد من سياسة خارجية… ولن نقضي على الاحتكار بالتهديد والوعيد… ولن تنجح الاستشارة بضرب الخصوم والشعب واتهام الجميع بما ليس فيهم…ولن نُصلح أوضاعنا الصحيّة بشعارات جوفاء واتهام من حكموا قبلنا… اليوم أنت سيدي، تحكم فماذا فعلت؟؟ لا تقل لي إنهم منعوك من الإصلاح، كيف يمنعونك وأنت الحاكم بأمره؟

أتظنّ سيدي ان وجع الرأس سيذهب بمجرّد سجن البحيري أو غيره من خصومك… أتظن سيدي ان امرأة فقيرة من شعبك المخدوع سيتُشفى من سرطان الثدي دون دواء بمجرّد أن ترمي بالغنوشي أو عبّو في سجن انفرادي؟ أتظنّ أن صندوق النقد الدولي سيكون رحيما بنا أكثر من بعضنا بالبعض؟ لا وألف لا؟ أتظنّ ان دول الخليج ستُهديك مليارات من الدولارات لسواد عينيك او عيون وزير خارجيتك، فقط لأنك أخرجت النهضة وائتلاف الكرامة من الحكم؟ لا سيّدي هم فقط يريدونك من اتباعهم تفعل ما يريدونه متى يريدونه؟

 ما لم يكن شعبك معك من شماله إلى جنوبه بكل فئاته ومكوناته السياسية، لن تنجح في إصلاح ثقب في عجلة جرار، وأرجوك سيدي لا تقل لي إن الشعب معك كما أوهموك… فالشعب ليس معك ولن يكون معك ما لم تكن أنت مع الشعب وأنت اليوم لست معه…وإن خدعوك بغير ذلك…

أتدرى سيّدي، وانا على بيّنة من أنك لا تدري ان البلاد اليوم على صفيح ساخن، فما كنّا نستغربه عند بعض أجوارنا أصبحنا نعيشه… فلا أحد منّا اليوم يجد رغيفا بالسهولة التي تتصورها، ولا أحد منّا ينجح في الفوز بلتر واحد من زيتكم وأقصد طبعا ما يسمونه “زيت الحاكم”، ألست انت الحاكم بأمره فاين ذهب زيتك سيّدي؟؟ ما نعيشه اليوم مخجل ومسيء للبلد، فقبل سنوات وقبل حكمك سيّدي كان قطاعنا الموازي وقنوات التهريب تصدّر من المواد الغذائية ما يكفي هذا الشعب لسنة كاملة. ألم نتحمّل تبعات مليون لاجئ ليبي إضافة إلى التهريب اليومي لموادنا الغذائية المدعّمة ولم نشعر بأوجاع في الرأس، اين ذهب كل ذلك الإنتاج؟ هل أغلقت كل مصانعنا؟ هل جفّت منابعنا؟؟

أتدري يا من تسكن قرطاج وتجلس على كرسي العظيم بورقيبة رغم زلاته، أن في تونس اليوم الكل يكيد للكل…والكل يتربّص بالكل…أتدري أنك لا تملك ولن تجد حلاّ لكل هذا دون أن تكون لك الجرأة في إعلان مصالحة شاملة، وأعي ما أقول شاملة باستثناء من أجرموا جرما حقيقيا لا ريب فيه… فالصلح الجزائي الذي أعلنته لن يفيد البلاد في شيء ما لم يكن مصحوبا بمصالحة سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة لا تستثني بيتا واحدا … ففي البيوت اوجاع ومآس والم وبكاء تنفطر لسماعه القلوب ولا أحد منّا يعلم بما يعانيه أغلب هذا الشعب…

 عليك بمصالحة تعيد عقارب ساعة البلاد إلى الصفر لننطلق من جديد في بناء تحديثي على قاعدة صلبة خال من البناء الفوضوي الذي سلكت طريقه، وحوّلوا وجهتك إليه منذ جلوسك على كرسي بورقيبة العظيم… لقد أورثوك تركة تشبه إلى حدّ كبير حافلة معطوبة المحرّك والطريق امامك وعرة…ومطباتها بعدد شعرات الرأس ولا اقصد طبعا رأس “جعفر القاسمي” او “تيلي سافالاس” ذلك الذي نعرفه باسم “كوجاك”، لكنك مطالب بتجاوزها عبر طريق جبلية تصعد بك عاليا دون مكابح…ولا أظنّك ستكون قادرا بمن هم حولك اليوم، ومن ينصحونك اليوم على تجاوز كل هذه المصاعب والمتاعب…والخطأ الكبير الذي أوقعوك فيه من هم حولك هو انك صرحت عديد المرّات، انك على بيّنة بالمطبات التي ستعترض طريقك، ورغم ذلك تعنّتّ وقررت ان تجتازها بمفردك دون نصيحة خالية من المكائد والمؤامرات والدسائس…فاليوم لن يلام التاريخ ولا من حكموا قبلك إن واصلت على هذا النهج بل سيتهمونك انت بإعطاب الحافلة لأنك كشفت عن اوجاعها في اغلب خطبك ولم تحرّك ساكنا لإصلاحها بل اكتفيت بالتشخيص الذي حوّل وجهتك إليه بعضهم لغاية في نفس يعقوب واسحاق وبنيامين والبقيّة…فالمشكلة ستصبح في من يقود الحافلة وأنت وحدك من يقودها اليوم…أعرفت الآن لماذا لم يزر منصتك الاستشارية أكثر ممن انتخبوا ائتلاف الكرامة؟

أتدري سيّدي، أنك ودون ان تدري ربما، أوقعت نفسك في ورطة استعداء الجميع حتى من كان معك ليلة الخامس والعشرين من جويلية الماضي، واستفاق على انقلابك على شركائك في الحكم…أتدري سيّدي أنك في الدقائق الأخيرة من مباراة فاصلة لا وقت إضافي فيها ولا لجوء إلى ضربات جزاء فكل وقت إضافي او لجوء إلى ضربات جزاء سيؤكّد انقلابك على من كنت تحكم معهم وتعرقل مساراتهم… فالحكم سيصفّر نهاية اللقاء وأنت لم تحقّق وعدا واحدا من وعودك لناخبيك! فبرنامجك الانتخابي لم يكن يشمل كل النقاط التي تفاخر بها أنت وبعض من انضموا إليك يؤلّهونك ويحملونك على الاعناق لأنك فقط نجحت في إشعال النار في منزل خصومهم … هم يريدون مشهدا سياسيا دون خصمهم الظاهر(النهضة) وخصمهم الخفي الذي تحاربه عن بعد (الدستوري الحر) فجميعهم لن ينجحوا في التخلّص منهما عبر الصندوق…

أتدري أنك خدمت خصومك وخصومهم خدمة سيشكرونك عليها إن عاجلا أو آجلا…أتدري سيّدي ان من قربتهم إليك هم اليوم بصدد إفراغ مؤسسات الدولة ممن نجوا من تسونامي 2011 وغربال الترويكا، ولن يبقى بمؤسسات الدولة إلا من كان لاعقا لحذاء من جرفتهم مياه تسونامي 14 جانفي وما بعد ذلك التاريخ…أو من أعلن لك البيعة والولاء …

تقول مدونات التاريخ في كامل العصور إن من يثق في من لا تجربة له سيلقى مصيرا افظع من مصير من سبقوه… فهؤلاء سيفشلون، وفشلهم سيحسب عليك…وسيخطئون، وسيحسب الخطأ عليك… وسيسرقون، وستحسب السرقات عليك…وسينتهكون الأعراض، وكل ذلك سيسجل باسمك فأنت من وثق فيهم ومن بوأهم مكانة لم يكونوا ليحلموا بها رغم ضحالة تجاربهم وتكوينهم وكفاءتهم…

سيّدي الرئيس لا توسّع الهوّة بينك وبين الشعب، ولا تستمع إلى من يسعد بضربك لخصومه وتخليصك له منهم، ولا تجعل كل قراراتك تثير حفيظة شعبك … فالشعب لن يبقى طويلا في حالة سكر…فبعضهم يعتبر قولك وخطبك المتشنّجة عبقرية، فقط لأنها تخدمه خدمة لم يقدر عليها بالوسائل المشروعة والشرعية…وعليك ان تعلم أن من غادروا البلاد هربا مما هي فيه لم يغادروها خلال حكم من سبقوك بل غادروها وأنت على سدّة الحكم… فهم في قرارة أنفسهم يبحثون عن وطن أقلّ وحشية من وطنهم الذي شعروا بالغربة وهم بين احضانه… فاحتضِنْ جميع أفراد شعبك قبل هروبهم بحثا عن حضن آخر يقبلون به وطنا ويقبل بهم شعبا…

سيّدي الرئيس، لا تستمع كثيرا إلى من لا يأبهون إن حوّلوك غدا إلى فرعون أو النمرود… فهم لن يتحمّلوا معك أو عنك تبعات أخطائك… ولن يحاسبهم التاريخ معك… ولن يذكرهم بسوء كما سيذكرك، لو اخترت الطريق الذي يريدونه لك… وبك…سيّدي لا أظنّ أنه بالاستبداد سنبني وطنا خاليا من الأحقاد نتركه وطنا للأحفاد…وأوصيك سيّدي أن تبتعد عن “أهل البيعة والولاء ولعق الحذاء” فهؤلاء هم كالعسل المسموم حلو المذاق مرّ الختام…عليك بــ”أهل التجربة” فهم “الترياق” مرّ المذاق بخطابهم الذي قد لا يعجبك سماعه…وعليك يا مولاي أن تعلم أن غضب أهل التجربة حين يكتبون عما يؤلمهم من حال الوطن ليس كغضب اهل البيعة والولاء ولعق الحذاء فهم يغضبون من أجل مصالحهم…وأهل التجربة يغضبون من أجل الوطن…ولا شيء غير الوطن…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version