تابعنا على

جور نار

ما يبقى من الأولمبياد (11)

نشرت

في

عبد القادر المقري:

انطفأت أخيرا الأنوار عن عاصمة الأنوار

أنوار الشعلة الأولمبية وما رافقها من مواكب ضوء وصوت و عرق ولهاث ودموع فرح وترح

15 يوما من السباقات والمباريات والاقتتالات والأرقام القياسية وغير القياسية

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

غاب كثيرون، وحضر كثيرون، واختلطت السياسة بالرياضة بالمصلحة بالمال الوقح الذي عادل بين ما تصرفه دولة كالولايات المتحدة على ممثليها في الألعاب، وما تصرفه “دولة” كجنوب االسودان على شعبها في عام كامل.

وقد استنكر المعلق الفرنسي الأشهر “نلسون مونفور” هذا السفه وتساءل عن قيمة المساواة الأولمبية ونجوم السلة الأمريكية يهجرون قرية الرياضيين نحو فنادق 5 نجوم و5 حراس شخصيين لكل نجم.

غياب روسيا (أو تغييبها) ترك فراغا مهمّا سيّما في بعض الاختصاصات كالجمباز ورفع الأثقال وألعاب القوى وخاصة منها النسائية، مما ترك المجال للرياضيين الأمريكان حتى يحتكروا سبق جميع الألعاب تقريبا، ولو كان الروس حاضرين (بمعدل 60 إلى 70 ميدالية في كل دورة) لكان لذلك تاثير سلبي على الريادة الأمريكية في جدول الميداليات، إن لم يكن لصالح روسيا فعلى الأقل للصين التي لم تحل ثانية إلا بفارق الفضيات والبرونزيات.

غيابات أخرى ولكن من حيث الأداء خاصة. إذ تراجعت أرقام ومراتب دول عديدة كان لها وزن في كل محفل أولمبي. كوبا مثلا والتي كانت تدفع بأعداد كبيرة من الأبطال وتحصد تتويجات وتحقق أرقاما قياسية ما زال منها ما هو قائم إلى اليوم (كالوثب العالي)، أصبح الكوبيون أثرا بعد عين وصار وجودهم الأولمبي باهتا وقد لوحظ ذلك منذ دورتين أو ثلاث.

نفس الكلام يقال عن جامايكا أبطالا وبطلات، ويبدو أن اللعنة الكوبية طالت كافة دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.

تزامن غياب روسيا مع انطفاء شعلة ممثلي المعسكر الاشتراكي سابقا (عدا الصين) حيث لم تعد دول كبولونيا وبلغاريا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا (التين فككتا نفسيهما دون فائدة) تنافس بقوة في الرياضات الفردية وتحتل أعلى سلم الميداليات والأرقام الخارقة.

من النوادر أن ألمانيا الموحدة صارت أولمبيّا أقل توهجا منها حين كانت على دولتين. ففي حين كانت ألمانيا الشرقية السابقة لوحدها تفوز على الفرنسيين والبريطانيين وتنافس الأمريكان بقوة في أعلى الجدول، أصبحت ألمانيا الموحدة اليوم تأتي في ذيل المتصدرين، وتعطي مكانها لدول أقل تاريخيا مثل أستراليا وإيطاليا.

لم تتدخل السياسة في الرياضة فحسب بل صارت هي الأكثر حسما مما يصح به تسمية الألعاب بألعاب السياسة وموازين القوى والمكاييل المختلفة. فقد عوقب الرياضيون الروس جماعيا بسبب موقف غربي من سياسة بلادهم، في حين وقع الترحيب بحفاوة مبالغ فيها بوفد الكيان الصهيوني رغم أن جرائمه في غزة والضفة وجنوب لبنان تفوق بكثير ما فعله بوتين في أوكرانيا، رغم تعلل الطرفين (روسيا وإسرائيل) بنفس الذرائع الدفاعية.

الفرنسيون فعلوا كل شيء حتى تكون الألعاب فرصة إعلان ضخمة عن فرنسا السياحية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية وجتى السياسية، وقد أجّل الرئيس ماكرون عملية اختيار وزير أوّل تأجيله لصراعات المحاصصة الحزبية وحفاظا على وحدة وطنية ساعدته عليها إنجازات الرياضيين الفرنسيين والحق يقال. حيث لم تكن فرنسا موحدة منذ زمن طويل حول راية واحدة وموقف واحدة منذ سنين (بل عقود) طويلة كما حصل في الأسبوعين الماضيين.

من الغريب أن ذلك حصل أيضا في مكان آخر ومع من؟ مع الدول العربية التي ربما بسبب الاضطرار أو شحّ النتائج أو عاطفة الانتماء التي أججتها غزة، صاروا يتهاتفون بصوت واحد كلما اقتلع رياضي عربي ميدالية ما، سواء كان من تونس أو المغرب أو الجزائر أو مصر أو البحرين أو الإمارات وحتى من قطر. ففي الوثب العالي كانت كل الأنظار العربية متركزة على ذلك الشاب القطري الذي بقي ينافس عملاقين من أمريكا ونيوزيلندة إلى آخر اللحظات والسنتيمترات. كما هلل كثيرون لأول ميدالية عربية نالها بطلنا فارس الفرجاني في المبارزة، ولا تسل عما حدث في ما بعد عند فوز البنتين الجزائريتين أو المصري الذي جلب لبلاده ذهبية في اليوم قبل الأخير.

إلى حد اليوم الأخير من الألعاب، كانت تونس تتصدر قائمة المتوجين العرب بثلاث ميداليات، ولكن فوز جزائري وبحراني ومصري في الأنفاس الأخيرة تأخر بنا إلى المرتبة العربية الثالثة بالتساوي مع مصر، غير أن معلقي الجزيرة الرياضية أصرّوا على الرمي بنا رابعين وراء مصر. لماذا؟ الله أعلم.

بوفد لا يتجاوز 17 فردا فيهم إداريون وفنيون وحمَلة حقائب، أضاءت تونس سماء الأولمبياد رغم كل الظروف التي نعرفها و لا نعرف. ولطالما هاجمنا ضعف ممثلينا وفساد جامعاتنا وهزالة بنيتنا التحتية وسوء استعدادنا لأي محفل دولي، ومع ذلك يصر علمنا الأحمر على الارتفاع والخفقان في أركان العالم الأربعة. إن تقاعد القمودي صعد نجم الملولي، وإن غاب أسامة حضر الحفناوي، وإن أصيب أيوب فها أننا مع “معاركي” أخر اسمه القطوسي… من أين جاء هذا الوحش؟ من أين تأتين بهم يا تونس وأنت في تلك الحال؟ الله أعلم ثانية.

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

الدفعة الثالثة من الرد الإيراني… بالتزامن مع نتائج الانتخابات الامريكية أم قبلها؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

لفت الانتباه تصريح المسؤولين الإيرانيين خلال هذه الساعات الأخيرة، وهم يشيرون إلى ان النسخة الثالثة من الرد ستكون اكثر شمولية وقوة…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعود هذا الاصرار إلى الضغط الداخلي وايضا بسبب الحرص الإيراني على المحافظة على صورة الدولة القوية اثر محاولة التقزيم الذي عمد إليها نتنياهو وكررها داخل حكومته اليمينية… وخاصة ما ذهب اليه من ان إيران لن تتمكن من استعادة قوتها الصاروخية الا بعد سنة على الاقل… وفي المقابل يرى صقور السلطة الايرانية ان التحديات الصهيونية لاذرعها في لبنان و اليمن و سوريا وتحديدا ضرب الفرع العراقي، تضع صورة إيران في موضع محرج لا حل لتجاوزه الا بضربة ثالثة اكثر دقة و قوة و شمولية… و قد يقصد قادة إيران من “الشمولية” تحريك صواريخ الحوثيين و العراقيين وحزب الله بنفس التوقيت.

ويبدو من خلال الأحداث التي باحت بها هذه الساعات مع تصريح نتنياهو عن ضرب كل دعم إيراني لحزب الله انطلاقا من سوريا، انه سيتوسع في استباحة الاراضي السورية عبر مضاعفة الاغتيالات و ضرب القواعد والمباني على شاكلة لبنان وغزة ما دامت “الثيران العربية” مكسورة القرون… والعارف بالعقلية الإيرانية يستشف من القرار المفترض بالضربة الثالثة رسالة واضحة المعالم للولايات المتحدة الأمريكية. لكلا المرشحين (هاريس او ترامب) اعتمادا على قناعة البيت الأبيض الذي لا يرغب في فتح جبهات قد تقود إلى مواجهات موسعة بالشرق الأوسط.والخليج…

و في نظرنا وبعيدا عما صرح به الايرانيون حول الرد الاسرائيلي او ما أكد الكيان دقته و تدميره لكل القوى الصاروخية الإيرانية، فإن دفعة الضربات الثالثة من جانب إيران لن تقع الا اذا ما اقتنع مخططوها بانها ستؤثر جديا على مجريات الحرب الدائرة، سواء بين الكيان والمقاومة او بين إيران واسرائيل…

لكن يبقى السؤال الأكثر طرحا هو: هل أن نتنياهو ـ بمغامراته التصعيدية هذه ـ سيستمر في نشر الرعب لدى مجتمع الصهاينة الذي انتخبه؟ وهل ستكون الضربة الإيرانية الجديدة سببا في ازاحته حتى قبل التحاق الرئيس(ة) الأمريكي(ة) الجديد(ة) بالبيت الأبيض؟؟

أكمل القراءة

جور نار

عندما تختلط البيروقراطية بـ”الخلفية المسبقة”

نشرت

في

محمد الزمزاري:

باعتباري اطارا سابقا بقطاع البريد، فقد آمنت دوما بأنه كان وأرجو ذلك لحدود اليوم مدرسة عتيدة تحظى بمكانة مرموقة بفضل دقة خدماتها و حتى تضحيات اعوانها من أجل اسداء خدمة ممتازة للمواطن.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

كل ذلك رغم الازدحام الذي تشهده مكاتب البريد عموما وتنوع تلك الخدمات المالية منها، بالاضافة إلى المراسلات بكل اصنافها… وإذ احيي اطارات واعوان البريد الزملاء القدامى فانه حرصا على الصورة الناصعة للبريديين، لا يمكنني المرور مر الكرام على بعض النقاط السوداء التي صدمتني كمواطن راغب في قضاء خدمة او تسوية غلطة “لا ناقة له فيها ولا جمل” ! … و ربما تتطلب هذه النقطة السوداء التي عشتها خلال يوم الأربعاء الماضي، تنقية قطاع البريد مما علق به مثله مثل عديد القطاعات العمومية وربما الخاصة أيضا للوصول بنا إلى تحقيق إدارة وطنية في خدمة المواطن دون أي ارتخاء او تعطيل او بيروقراطية. ….

أعود لاسرد انه خلال الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء الماضي تقدمت إلى مكتب بريد سليمان 1 (الواقع قرب محطة النقل) لمتابعة مصير رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالاستلام، كنت أرسلتها منذ. مدة ولم يتم اعلامي بالقبول من عدمه كما اني لم اتلق اي اعلام ( avis) على عنواني… ولدى استفساري بالنافذة تمت دعوتي لمقابلة رئيس المكتب وهذا يعد عاديا جدا ..قمت بالنقر على باب المكتب ثم انتظرت … واعدت الكرة مرتين في مساحة وقت تصل تقريبا إلى 20 دقيقة دون أية خلفية مادمت أدرك متطلبات العمل البريدي التي تشمل احيانا قبول احتساب رزم الأموال او اي أداء عمل اخر …

لفت انتباهي على الجانب الأيسر المحاذي لباب المكتب قلم تم ربطه بإسلاك حبل (سباولي) ازرق …وهذا أيضا لم. يتجاوز الا ابتسامة .. اطل السيد رئيس المكتب طالبا مني مزيد الانتظار ..وهذا أيضا شيء عادي رغم اني شاهدته وراء نوافذ المكتب للقيام بالتمام او توجيه مهني… اخيرا استقبلني السيد رئيس المكتب بطريقة جافة… لم أكن بحاجة لأي ترحيب قدر رغبتي في حل مشكلة رسالتي المضمونة الوصول التي لم أعلم عن مصيرها …

وفي واقع الأمر كنت لا انتظر حلا من رئيس هذا المكتب الذي فكر قليلا ثم اردف: (موزع البريد متغيب منذ يومين ولا نعرف أي سبب… عد غدا لعله يكون هنا ليرى مآل الرسالة… لكن عليك بتقديم طلب كتابي)… تبسمت قليلا وانا أدرك جيدا ان رئيس المكتب إما انه لا يعرف اني لست مطالبا بتحرير مطلب، وان بكل مكاتب البريد مطبوعات لمثل هذه الحالة (imprimé de réclamation) … وهذا خطير… او انه يعرف ذلك جيدا و يطالبني بالرجوع موكلا كل الشكوى للموزع “الغائب”… وقد يعيد لي الاسطوانة خلال الغد في صورة تواصل غياب موزع البريد… وهذا أخطر بكثير فقد جمع مزيجا من البيروقراطية وربما سوء القصد ..ولا ادل على ذلك اني من الغد عوض العودة لنفس مدير هذا المكتب تقدمت إلى مركز بريد اخر لتتم الاستجابة لي بسهولة …

مفارقة بين عقلية بيروقراطية و حرص على اداء الواجب ؟؟ هنا تطرح الاسئلة الحادة والرغبة الجامحة في تحسين الخدمات و تنقية الادارة من كل الشوائب العالقة ..

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 83

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

يبدو انّ اولاد عمّنا الطلاين حفظوا ممّا حفظوه عنّا بعض الامثال الشعبية ومنها (اللي يعمل طاحونة، وفي رواية اخرى كوشة، يعمللها دندان)…

عبد الكريم قطاطة

الطلاين يعلمون جيّدا انّ علاقتنا باللغة الايطالية هي علاقة تمظهر لا غير ..جلّنا يعمل فيها بطل ويردد تشاو او غراتسي ..شفويا فقط ولا يعرف حتّى كيف تُكتب الواحدة منها …وانا كنت واحدا من هؤلاء المتمظهرين واندهشتُ جدّا يوم تعلّمت اللغة الايطالية، بل وضحكت على نفسي زاجرا إياها على حبّ التمظهر … الراي اونو اعدّت العدّة لتجاوز جهلنا للّغة الايطالية … وتكفّلت القنصلية الايطالية بتونس العاصمة باخضاعنا لتدريب على لغتها ولمدّة شهرين …نعم وبمعدّل 7 ساعات يوميا و5 ايام في الاسبوع … وتكفلت مؤسسة التلفزة التونسية بمصاريف اقامتنا خاصة ونحن في جلّنا من اذاعة صفاقس …

في تلك المدّة المخصّصة لتعلّم اللغة زاد يقين اغلبنا بانّنا سنهاجر لبلاد الفنّ والجمال .. كنّا تحت رعاية مدرّسة ومدرّس ..المدرّسة السيدة كيارا كانت ايطالية لحما ودما ..امّا المدرّس الذي نسيت اسمه وطبيعيّ ان انسى اسمه، كان جدّيا جدّا الى درجة التجمّد …وهو بالنسبة لي يستحيل ان يكون ايطاليّ الجينات ..ممكن الماني هولندي ..ذلك الذي لا يحرّك فيّ كمدرّس الشعور بالمتعة .. بارد جامد 5555 درجة تحت الصفر … على عكس السيّدة كيارا ..هي تلك التي تغنّي وهي تتكلم ..هي تلك التي تُضيء في الواحد منّا شموس الحياة وهي تبتسم… وحتى غضبها من مشاكساتنا لها لا يعدو ان يكون من نوع (يززّي يا مفيد) واعني هنا زميلنا الكاميرامان مفيد الزواغي ..

كنت اراه انذاك (بليد وماسط) لكن عندما تواترت الايام وعرفته اكثر احببته واحببت بلادته ..وهو يعلم ذلك جيّدا ..ربما لم تنتبهوا لكلمة السيّدة كيارا وهي تقول يززّي … هذه لسيت كلمة ايطالية بل تونسية لحما ودما وماركة مسجّلة .. السيدة كيارا متزوجة بتونسي من قفصة ومنطقي ان تكون عارفة بلغتنا .. وحتى في البداية عندما نتهامس ببعض العبارات التونسية اللي (فيها وعليها) كانت تنظر الينا بنظرات عاتبة …انا طيلة دراستي كنت مفتونا بتعلّم اللغات الحيّة ..ووجدت في موسيقى اللغة الايطالية نوعا من السمفونيات التي تهزّني للسحاب تماهيا معها … والسيدة كيارا كانت على درجة من الذكاء … هي شعلة متحرّكة ….انها تلمس في كلّ واحد منّا مدى استيعابه للدروس ..وهنا لابدّ من الإشارة إلى بانّنا كنا كاغلبية من يستمع للايطاليين نعتقد انّ اللغة الايطالية سهلة للغاية… يكفي ان ناخذ كلمة بالفرنسية وننهيها بـ A او O حتى تصبح ايطالية لكن اكتشفنا بعد الدراسة انّ اللغة الايطالية من اصعب اللغات الحيّة في قواعد النحو والتصريف …(جوجمة كبيرة )… وللامانة ايضا السيّدة كيارا كان لها ودّ خاصّ لعبدالكريم ..ومردّ ذلك انّ عائلة زوجها من المستمعين الشغوفين بعبدالكريم في اذاعة صفاقس ..

هذا الامر اسرّته لي يوما ما كيارا بقولها وبعربية مهروشة .. (دار راجلي يهبوك برشة) … طبعا تقصد يحبّوك … وحرف الحاء هو من اصعب الحروف نطقا لدى الاوروبيين عموما .. وربما من اجل ذلك وفي ختام الدروس وقبل الامتحان النهائي للحصول على شهادة تمكّن الناجحين فقط من السفر والقيام بتربّص تقني في الراي اونو ..ربما لذلك السبب وقبل يوم من الامتحان وعند انتهاء الدرس طلبت منّي كيارا ان لا اغادر لامر هامّ …خرج الجميع وجاءتني كيارا بتردّد ولكن بحزم وحبّ ..قالت لي: سي عبدالكريم (واقرؤوا الحرف “هـ” كلما استعملته عوضا عن حرف الحاء) ماشي نقلك هاجة ويلزم هتّى هدّ ما يسمع بيها ..انا هبيتكم الكلّ في الشهرين اللذين قضيناهما معا وقلبي يوجعني لو ايّ فرد منكم لا يسافر الى ايطاليا … وانا مطمئنة لمستواكم في استيعاب اللغة باستثناء اسمين …خايفة عليهم .. فرجاء وبطريقتك وبشكل غير مباشر هسسهم انّ الامتهان سيكون في الدرسين الفلانيين …

اندهشت جدا واغرورقت عيناي بالدمع .. وحاولت ان اتجاوز واخفي ذلك بقولي لها: توة ولاو ثلاثة، حتى انا وليت نعرف موضوع الامتحان … نظرت إليّ وقالت بكلّ وثوق: انت ما نخافش عليك لاباس لاباس .. وكان الامر كذلك واتصلت بالزميلين واشعرتهما بـ”تكهناتي” في مواضيع الامتحان ..ويوم الامتحان اندهشا من حدسي هذا ..ولم اشأ اخبارهما بما حدث بيني وبين كيارا لحدّ يوم الناس هذا … رايت في صمتي عدولا عن تنغيص فرحتهما انذاك واستنقاصا منهما بعد ذلك .. اليست افضل الصدقات ان لا يكون فيها منّ…؟؟… ونجح الجميع وبعضنا وكنت منهم بملاحظة اوتّيمو .. هذه طبعا بالايطالي موش بالفائز من التسجيل سنة ثانية ايطالية بمعهد اللغات الحيّة بالعاصمة …بورقيبة سكول …

كنت وددت لو تمكنت من ذلك ولكن لا تسالوا الناس بل اسألوا الظروف .. ظروفي وقتها يستحيل معها ان اقيم بالعاصمة لمواصلة الدراسة ببورقيبة سكول ..اقولها بكلّ حُرقة واسف لانّي عاشق لغات باستثناء اللغة الالمانية …مانيش على نفس الموجة انا ويّاها… احسّ بها لغة متعجرفة متغشرشة متهوغششة . ما تسألونيش اشنوة معناها الكلمات اللي قافيتها شششة ..والله لا نعرف …رغم عشقي الكبير للالمان ..الارادة .. العمل .. الانضباط ..

وحان شهر ماي للرحيل ..المحطّة الاولى كانت بتورينو .. مدينة اليوفي ..لابدّ وقبل الدخول في التفاصيل من التنصيص على انّ مصاريف اقامتنا سكنا و(ميكول) ومصروفا يوميا تكفلت به الراي اونو ..وترانا كلّ بداية اسبوع نهرع جميعا للمكلّف بالخزانة المالية كي نستلم نصيبنا الاسبوعي من تلك المنحة… وكانت صدقا الخير والبركة ..السفر وكما تعلمون هو من يكشف لك حقيقة الاخرين ..وقتها نكتشف اللي حدّو حدّ روحو ونكتشف القرناط (اي البخيل) ونكتشف الزبراط ونكتشف خفيف الظلّ وثقيله ..خاصة عندما تقتسم واياهم شهرين كاملين الاول بتورينو وهو مخصّص للجانب النظري والثاني بروما وهو للجانب التطبيقي ..لن اوغل في الجانب المعرفي طوال الشهرين فقط اكتفي بالقول انّ دنيا التلفزيون في ايطاليا وتحديدا في الراي اونو ومشتقاتها دنيا رهيبة ..هم يعملون كخلايا النحل ولكن وهو الاهمّ هم مبدعون خلاقون وفي منتهى حذق مهني على درجة عالية من الكفاءة .

في احد الايام كان لنا لقاء بمعدّ ديكور انبهرنا بما اعدّه كمناظر لبرنامج ما ..وعندما سالناه عن ماهية تلك القطع الجميلة التي صنع منها ديكوره كانت الدهشة والانبهار الحقيقي ..انه صنع مناظره من علب الياغرت الفارغة … شيء يمخوج والله … اذن ليس غريبا ان تتبوّأ ايطاليا المكانة العالمية الاولى في جودة التلفزيون… من جانبنا كتونسيين وجدنا كلّ الاحاطة تأطيرا وعلاقات انسانية .. وخاصّة المامهم وبسرعة بقدرات كل واحد منّا .. كنت مثلا الناطق الرسمي باسم المجموعة تقديرا من زملائي لشخصي وتقديرا من الطرف الايطالي لتمكّني من اللغة الايطالية .. وعندما عرفت المجموعة الايطالية بهذا الامر اصبحت تتعامل معي بكلّ ثقة وتفهّم وتقدير .. ووصل الامر ببعض المكوّنين عندما ارغب في عدم حضور حصة ما واطلب الاذن منهم، ودون تردد يوافقون… خاصة انّ شهري ماي وجوان لتلك السنة تزامنت مع دورة رولان غاروس الفرنسية في كرة التنس ..فكنت يوميا انا وزميلي الحبيب المسلماني نشتري ما لذّ وطاب لاهواء كلّ منّا وننصبو الطاولة في بيتي لمتابعة دورة التنس . ويلتحق البقية ولن تنتهي الجلسة الا في أعقاب الليالي .وآشي فسدق وآشي فراز … وآشي بنان وآشي حاجات ..

دون تفاصيل في آشي حاجات احتراما لخصوصيات الاخرين .. لكن اعدكم بالحديث حول بعض تلك الخصوصيات ..وهو يصير فول مدمّس من غير كمّون ؟؟ اعدّو العدّة اذن للمدمّس وما شابهه في الورقة القادمة …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار