جور نار
مبادئ تربويّة جُرّبت فصحّت
نشرت
قبل 7 أشهرفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriليست التربية سوى ذلك السلّم الذي نجني بواسطته ثمار شجرة المعرفة وليست هي الثمرة في حدّ ذاتها… (ألبرت إينشتاين)
أعتقد أن البناء – أيّ بناء- يحتاج إلى يدٍ ماهرة وعقل مُصمّم وقدرة عالية على التخطيط والتصرف والتقييم والتعديل بعدالشروع في تنفيذ مشاريع البناء. لكنه يحتاج أيضا إلى ذوق يُحاكي المناويل القائمة ولا يستنسخها وحضور متبصّر يقرأ حسابا لتُربة الإنبات بماضيها وخصوصية تكوينها وشتى عناصر الإخصاب والإعطاب فيها. وقد يحتاج أيضا إلى حوار واسع بين كل هؤلاء المتدخّلين جميعا قبل مباشرة البناء أو إعادة البناء (في حالات تآكل ما بناه الأجداد وتداعيه للتهاوي) من أجل الاتفاق على الجوانب الوظيفية أي الإجابة بوضوح عن السؤال غير البديهي بالمرّة : لِمَ كل هذا وما هي حقيقة انتظاراتنا من ورائه وأيّ المنافع ستتحقّق بفضله ؟ وإذا سحبنا هذا المنطق العفوي على مشروع إعادة بناء مدرستنا أو لنقل نظامنا التعليمي والتكويني بصورة عامة، يجدر بنا أن نتساءل عما ينتظره مجتمعنا اليوم من مشروع وضع أسس مدرسة برؤى جديدة وبوظائف مُبتكرة وبآفاق حاضنة أكبر تُتيحها هذه المدرسة أمام خرّيجيها.
لو اختزلنا الغايات الأكثر سُموّا لمثل هذا المشروع في هدف واحد لقُلنا إن فلسفات إعادة البناء مهما تعدّدت ومداخل الإصلاح مهما تنوّعت لا بدّ من أن تُفضي إلى تحقيق نجاحين أساسيين على الأقل : تجاوز ديمقراطية التمدرس نحو ديمقراطية النجاح والتميز اللذين أصبحا مكافأة تحتكرها أقلية قليلة من التلاميذ والطلبة والمتكوّنين، ومن ناحية ثانية مغادرة التلميذ لمقاعد المدرسة نحو المسالك التكوينية الموازية أو نحو الجامعة أو نحو مسالك الحياة عامّة بملمح يقيهِ شرّ ركوب قوارب الحياة دون مجاديف. وهما نجاحان- جناحان لا يمكن لمدرستنا التحليق في سماء التطور والتقدم من دونهما.
وفي هذا السياق، أنا موقنٌ أن الاطلاع على بعض ما به تتألق المدارس الريادية في العالم قد يهِبُ قيادات الإصلاح المرتقبْ والمبتعد كلما قلنا اقتربْ، بعض المبادئ التربوية التي جُرّبت فنجحت. ومنها :
تنمية ذاكرة الأطفال والشباب مهمة ولكنها لا تكفي لتحقيق النجاح
يقول أندرياس شلايكر منسّق مسابقة بيزا التربوية العالمية: “من بين مناطق العالم كلها، قد يكون أمام المنطقة العربية الطريق الأطول من أجل تحسين نتائج أبنائها الذين يُعبّرون عن مستوى جيد في مجال إعادة ما حفظوه، وليس في مجال المشاركة في عمليات تتطلب من التلاميذ التفكير بشكل فيه إبداع“. ويُترجم هذا الموقف عن واقع مؤلم لأجيال نُطالبها داخل الفصول وخارجها بالحفظ والتخزين و”شربان الدروس شربة ماء” دون إقدارها على تفكيك “محفوظاتها” وتمثّل معانيها وعلاقتها بالواقع المعيش. (أفتح قوسا صغيرا هنا للتأكيد على أنني لم أستوعب حقيقة معنى “ألهاكم التكاثر” إلا لمّا بلغت سن العشرين تقريبا صدفة عندما فهمت أن “شغلهُ الشيء عن كذا” معناه ألهاه وصرفه عنه. كما نكّل بي المعلّم في المرحلة الابتدائية لأنني لم أقدر أبدا على حفظ سورة “الكافرون” … وكم تمنّيتُ ساعتها أن أتأكد أن المعلّم نفسه كان يحفظها عن ظهر قلب كما يُقال.
القطع مع المنافسة
المتتبّع لما يجري داخل الفصل يُلاحظ بيسر أن مساحات العمل المشترك ضمن مجموعات منحسرة جدا بالرغم ما لهذه الصيغة من مزايا مؤكدة لكونها تسمح للتلاميذ بمحاولة التعبير عن أفكارهم الخاصة وإيصال انطباعاتهم المشوّشة والمترددة والإصغاء إلى ما يقوله أقرانهم، بدلا من التمرين الصعب المتمثل في مواجهة جمهور عريض تحت أنظار معلّم أو أستاذ لا ينتظر سوى الإجابات الصحيحة كما صاغها هو. كأن يحاول الإيحاء بالجواب على النحو الآتي :
المعلم : “وقد خُلق الإنسان لكي يَعْ….”
التلميذ : “لكي يعمل خيرا في الدنيا سيدي”
المعلم : ” غالط يا سي الدبّير، المعنى واضح هنا : لكي يعْبُد ربّه”
التلميذ : “هام كيف كيف سيدي …تقريبا” !
المعلم : “ولّيت تتفلسف توّة ؟”
نظام التقييم الحالي يُغذّي التنافس الكريه بين التلاميذ، أي ذلك السّباق الذي لا يصل خلاله المتسابقون إلى نفس النقطة واحدا وراء الآخر (وليس بالضرورة دُفعة واحدة) بل تصل أثناءه كوكبة صغيرة جدا من العدّائين وتُترك البقية على قارعة المضمار… وفي ذلك ضربٌ سافر لمبدإ أساسي موكول إلى المدرسة وهو حق الجميع في الوصول إلى محطات ذات إضافة ومعنى ولو بطُرُق عدْوٍ وأنفاس مختلفة. هذا بالإضافة إلى ما يُخلّفه تساقط الخائرة قواهم والشّاحبة بُناهم أثناء الركض والصراع وتنازع المراتب، من وصْم ومُركّبات (في الاتجاهين : الغرور المُنتج للتعالي والخُفوت المُولّد للاستسلام والانكسار) ومغادرة هذه المحضنة الكاذبة التي نسميها مدرسة، برأس فارغة وروح لا شيء فيها سوى الخيبة والإحباط.
لا تقدّم لمدرسةٍ مازالت تعتمد الحشْو والإثقال
من بين الأسباب التي صنعت نجاح المنظومة التربوية الفنلنديّة وتفوّقها على كل المنظومات الأمريكية والأوروبية دخول الطفل إلى المدرسة في سنّ السابعة وتمتّعه بمساحات أكبر للراحة واللعب المُفيد وساعات دراسية أقلّ (300 ساعة سنويا أقل في الابتدائي مقارنة بالتلاميذ الأمريكيين مثلا) إضافة إلى عدم وجود برنامج خاص لما يسمّى بالنخبة ولا وجود تقريبا لمدارس خاصة أو امتحانات وطنية مُقيّسة بغاية الانتقاء، مقابل اهتمام أكثر بالتلاميذ الذين يتضح أنهم بحاجة إلى عناية خاصة، أي تعليم نموذجي لفائدة التلاميذ الأقل حظا وليس العكس.
تعليمنا النظامي لا يُسنده تعليم لا نظامي
ما يُلاحظ في بلادنا أن العائلة والمجتمع يُساهمان بشكل مَا في تسميم المناخ المدرسي للمدرسة داخل جدرانها غير العازلة، عوضا عن مُعاضدتهما لمجهودات المعلمين والمربّين في تلقين المبادئ الثقافية والمدنية والمُواطنية المنتظرة لبناء مجتمع على نحو آخر. فهناك تعلّمات أساسية أخرى لا تقلّ أهمية عن “تعلّم مبادئ الحساب والقراءة والكتابة” يتولاّها الآباء والأقرباء وبطاحي تجمّع الأنداد والأجسام الثقافية والمدنية والرياضية المختلفة، مثل الهندام الذي يليق بكل مقام، ونوعية الخطاب اليومي الذي يُستطاب والعلاقة السويّة والمتصالحة مع الجسد، والتعامل مع البيئة، وتنمية الشعور بالانتماء إلى الفضاء التعليمي بوصفه مجالا للبناء الذاتي لا حَلَبة لتجريب شفرات الحلاقة وممارسة شتى أشكال الحماقة.
تتحدّث العلوم في هذا السياق عن مهارات تتجاوز المعرفي الضيق، أي كيف يتوصّل المتعلّمون إلى توظيف تجاربهم السابقة من أجل إنجاز تخطيط أو تحقيق هدف أو تخيّر استراتيجيات أو التفكير بشأن ما تعلموه والطريقة التي تعلموا بها…على امتداد كامل مسارهم ما فوق العرفاني. وهي كفاءات ضمنية في أغلب الأحيان وغير مباشرة مثل تعلّم المشاهدة وتعلّم الانتباه وتعلّم التصرف في المشاعر وتعلّم توظيف الذاكرة وتنميتها وتعلّم التفكير الذاتي وتعلّم أن تفهم وتتعلّم، وتعلّم التعرف على ما نعلمه وما لا نعلمه وتعلم طلب المساعدة عند الضرورة وتعلّم الاستفادة من الفشل والنكسات… تبدو تعلّمات بسيطة ولكنها هي التي تصنع الفرق في النهاية بين من تكون المدرسة بالنسبة إليهم مِقفزا tremplin وبين من تشكل بالنسبة إليهم حاجزا شائكا يصعب تسلّقه أو القفز عليه.
التربية من خلال التجربة
تعجبني شخصيا مقولة بنجامين فرانكلين: ” قل لي وسأنسى، أرِني وسأتذكّر، دعني أشارك، دعني أُجرّب وسأستوعب” لأنها تلخّص مبدأ تربويا بسيطا ولكنه ناجع : ضرورة تجاوز التلقين والإنشاء والتحفيظ، نحو المشاهدة والتجريب وتمكين المتعلّم من “تلطيخ يديه بعجين العلم والمعرفة والحياة”…فالذاكرة -حسب العلوم العصبيّة- لا تحتفظ إلا بما ينحفر في جيوبها الداخلية الدقيقة من معلومات، نُزعت عنها أغلفتها المجرّدة وباتت لها معان روّضها العقل وهضمها.
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
استطلاع
صن نار
- فُرن نارقبل ساعتين
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يوم واحد
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يوم واحد
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يوم واحد
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يومين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يومين
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يومين
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل