اجتماعيا

متسوّلون في بلد متسوّل

نشرت

في

يمنع الفصل 171 من القانون الجزائي التونسي ممارسة التسول في الطريق العام … و ينص على عقوبات تصل إلى ستة أشهر سجنا لكل من يتحيل على الناس و يكذب عليهم كي يحصل على الصدقة و ترتفع العقوبة إلى سنة كاملة إذا كان المتسول يستغل طفلا للتأثير على المارة … ورغم زجر التسول في تشريعاتنا فإن عدد ممارسيه يزداد يوما بعد يوم خصوصا بعد الثورة مما يتبادر إلى الذهن أن الدولة سلمت أمرها و استراحت لتفشّي هذه الظاهرة.

<strong>غنجاء عريضي<strong>

 لا ندين المحتاجين العاجزين عن توفير لقمة العيش لسبب العجز وعدم وجود معيل ولا توفر لهم الدولة المساعدة … و لكنك صرت ترى الشحاذين في كل مكان فحيثما اتجهت يعترضونك  زرافات و وحدانا مما يدعوك إلى الاستغراب من غياب بعض القيم واندثارها كالتعفف و عزة النفس و أيضا انحلال الروابط الأسرية و أخطر منها عقوق الوالدين … فقد شملت الظاهرة فتيات في ريعان الشباب ونساء قادرات على العمل وكسب الرزق الحلال في الفلاحة أو ممارسة حرف تحقق رزقا محترما أو حتى كمعينات منزليات قد يتجاوز مرتبهن مرتب أستاذ أو معلم

 لكنك تراهنّ أمام الجوامع و المغازات و حول المصحات و في الساحات العامة كما ترى رجالا يتظاهرون بالعجز و المرض، هذا قد لفّ رجله بالقماش و تظاهر بالإعاقة وذاك اعوجّت يداه و ارتعش رأسه معظما عليك ” جاه ربي” أن تساعده … و ثالث يقدم لك و رقة دواء و قد جلس القرفصاء صحبة امرأة و طفل على أنها عائلة سورية و أن له ابنا سيجري عملية جراحية أو زوجة ولدت بالمستشفى وليس له مال لشراء الملابس ودفع المصاريف … إضافة إلى نساء و كهول و شبان و صبايا يبيعون المناديل الورقية و يستعطفو ن السيارات المتوقفة عند إشارات المرور ،… و عندما تدفع لهم ثمنها (مائتي مليم مثلا) يثورون في وجهك و يتهمونك بالبخل و الامتناع عن فعل الخير !

 متسول متشرط

 كان المتسولون في السابق يطلبون خبزا أو ما يسد الرمق ولكن اليوم لا يرضيهم إلا المال أو بعض الكماليات … تخرج من المغازة حاملا قليلا من الياغورت لأطفالك فتسمع صوتا “بجاه ربي أعطيني كعبة ياغرت” فما عليك إلا أن تناوله إياها . وقد يصادف أن تمرّ ببائع الغلال و تشتري بعض الموز لأمك أو لطفلك فتفاجئك امرأة ترتدي جبة غالية السعر وتطلب منك نصيبها. ويأتي بعدك زبون آخر فتستجدي منه نفس الشيء …

و يحدث أن تعطف على أحدهم أو إحداهنّ و تقترح عليه عملا في مرمة بناء أو حديقة منزل أو عاملة تنظيف إذا كانت امرأة … فيتعللون بأمراض و أوجاع ظهر و مخلفات عملية على الفتق و ينصرفون بسرعة … بينما لا يبدو عليهم سقم و لا عجز، بل ربما العكس تماما …

. ليس الفقر بالضرورة سببا

 في أواخر الستينات و أوائل السبعينات كان الناس يعيشون حياة بسيطة، يكتفون بما يسد الرمق و يلبسون ما ستر وإذا جاء القيم العام إلى القسم ليسجل أسماء المحتاجين للحصول على أحذية و معاطف توفرها الدولة يخجل الجميع من رفع الإصبع حفاظا على كرامتهم حتى أن المدير أو أحد المسؤولين يتولى بنفسه تسجيل الأسماء لمعرفته الجيدة بوضعية كل تلميذ.

أجل كان الناس فقراء محتاجين ولكنهم كانوا يرفضون التجاهر بفقرهم، كانوا متعففين قنوعين و كنا نكره الفقر و نعتبره عدوا لدودا… لكننا كنا نعد له العدة و نسعى لمكافحته و القضاء عليه لأن هناك من ربى النشء على عزة النفس و كرامتها و فعلا كل من عرفتهم صاروا في مستويات محترمة جدا وتحملوا مسؤولياتهم و ساعدوا الإخوة والآباء …

. لكنك اليوم صرت ترى العجب العجاب وتستغرب في أمر هؤلاء البشر من تواكل ورغبة شديدة في النيل من كل شيء دون تعب …

و لكنك اليوم أصبحت تشاهد من يتذلل و يمد يده من أجل شراء حذاء ماركة كذا أو سروال آخر موضة أو هاتف ذكي باهظ الثمن لابنه … إرضاء لدلاله و شهواته و حتى يكون مثل  أترابه و لم لا أحسن منهم  ǃ.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version