للمرة لا أدري كم، تزيد أسعار المحروقات … مثل هذه الزيادات قديما كانت تتم بعد سنة، سنتين، أربع أو خمس سنين … اليوم صارت تتم كل شهر تقريبا و يمكن تصبح زيادة أسبوعية … و هناك أكثر من قائل بأنهم يريدون الوصول إلى 3 د.ت قبل موفى 2022 …
التعلة المعلنة تعلات … منها عبء الدعم على موازنة البلاد و ضرورة التخفيف منه و لم لا التخلص منه جملة، بحسب شروط صندوق النقد الدولي الذي صرنا من زبائنه الأكثر ركاكة و إلحاحا … و كم صارت تتواتر على الذهن صورتنا في شكل متسوّل رثّ مقرفص على رصيف صندوق النقد و بالضبط يمين مدخله الرئيسي … ويدنا النحيلة ممتدة مفتوحة واسعة، تحت عين كسيرة و صوت متضوّر لا يكاد يُسمع … و إن وصل إلى الأسماع منه شيء فهو لا يزيد عن ترنيمة الشيخ النقشبندي خاشعة مبتهلة: مولاي إني ببابك قد بسطت يدي …
أستغفر الله و أستغفر الشيخ الراحل و لكن ماذا تريد … بل ماذا يريد صندوق الصنادق و هو يشترط و يعرف مسبقا أنه لم يعد لنا ما نرهنه و لا ما نتعهد به … أيريدنا أن نبيع أعضاءنا الصالحة والطالحة في معظمها؟ أيريدنا أن نبيع أطفالنا الصالحين و الطالحين في أغلبهم؟ أيريدنا أن نؤجر أرضنا ملجأ للهاربين من جحيم طالبان كما فعلت رواندا؟ أيريدنا أن نرفع الأسعار إلى سقف يباع فيه الماء بالقطرة كأدوية الدواجن؟
و من ناحية ثانية، لماذا نجري وراء القروض الدولية و ماذا سنفعل بها؟ هل أنت و أنا و نحن واثقون أنها ستسدّ حاجة وطنية ما؟ هل عندنا علم بمآلات ما سبق من قروض و ديون و إراقات لماء الوجه؟ هل حسنت تلك حالنا و لو نزرا يسيرا؟ … دعنا من هذا … هاهي الزيادات المتلاحقة في أسعار البنزين و ما يتبعها من زيادات في كل شيء … هل نفع ذلك معيشتنا؟ بل هل خفف ذلك عن صندوق الدعم و قام ناطق رسمي ليقول لنا أخيرا ابشروا لقد ارتاحت ميزانية الدولة من أحمال دعمكم يا ثقلاء الدهر؟ …
أبدا … لم يحصل هذا و يبدو أنه لن يحصل حتى لو وصل سعر البنزين إلى مائة دينار للتر الواحد فماذا نفعل معكم؟ … وزارة التجارة منذ أيام صارت تتكلم بمنطق جمعيات المستهلكين و تدعونا لمقاطعة المواد التي ارتفع سعرها … طيب سنمشي بنصيحتكم و لكن هذه المرة ماذا سنقاطع؟ محطات البنزين مثلا؟ … أوكي … و وقتها لن نقاطع النقل العمومي فحسب بل النقل الخاص أيضا … يعني نقبع في بيوتنا، فلا عمل، و لا دراسة، و لا خدمات، و لا جمهور كرة، و لا جمهور سياسة، و لا جمهور نقابة، و لا جمهور سلطة، و لا جمهور معارضة، و لا جمهور برلمان منحلّ، و لا جمهور انقلاب مبتلّ …
وقتها يستريح الجميع من الجميع و نعود إلى أيام كورونا … مع فارق … في السابق أغلقنا على أنفسنا خوفا من الفيروس الفتّاك … أما اليوم فإننا نفتح الأبواب و ندعوه لزيارتنا بكل ترحاب … عسى أن يبدأ بنا و ينتهي بكم، و تخلو هذه الأرض المنكوبة من المسروق و السارق في نفس الآن …