استيقظت من نومي مذعورا مما شاهدته، وعشته طيلة ثماني ساعات من النوم المتواصل دون انقطاع، ودون وقت مستقطع ولا راحة بين الشوطين…أتدرون سادتي ماذا عشت وكيف عشت…عشت مع الكلاب…وتعلمت من الكلاب….واستمعت إلى الكلاب…فالكلاب أفضل منا…وأفضل حتى من الحمير أبناء عمومتنا…
أتدرون البارحة عشت معها، فمعها يُسمح بالنباح صباحا مساء ويوم الخميس…جلست إلى كبيرها وحدثني كثيرا عن حياتهم …حدثني الشيخ العُربُج وهو كلب ضخم عجوز يعاني من عديد الأمراض المزمنة ورغم ذلك لا يخاف الوباء الذي حلّ بالبشر …يقول الشيخ العُرْبُج إن الكلاب تخلّصت من كل القيود …وجميعها تتمتع بحرية من النادر مقارنتها بالحرية التي يعيشها بعض البشر…فحتى كلابهما الضالة فتحت لها بعض المآوي …وهي كالأحزاب عندنا فهناك مأوى لكلاب اليسار وآخر لكلاب اليمين وآخر لمن هي بين بين…و ترسل بعضها إلى زرائب الحمير في تكوين خاص تتعلم فيه الصبر على الكأداء وظلم البشر…
سألت شيخنا الكلب: وهل لكم بعض طباع البشر؟؟ أجاب: لا.. نحن نخجل من أفعال وطباع البشر…سألته: وهل تعيشون التعتيم والاستبداد بالرأي؟…أجاب شيخنا الكلب: لا نحن نعيش حرية لا تضاهيها حرية لا عند البشر ولا عند أبناء عمومتهم الحمير…نحن لم نعد نحمل القيود في أيدينا…فنحن ومنذ اعتزال مولاتنا الشيخة ” بريجيت باردو” نذهب حيث نريد…ونأكل ما نريد ومتى نريد…ولنا حرية النباح من الصباح إلى الصباح…فلا الأمن يسألنا ما نفعل…ولا الأمن يأمر بإيقافنا في شبهة فساد أو ثلب أو اعتداء…أو حتى في الانتماء إلى بعض الأحزاب…
أغلب الكلاب انضمت إلى الأحزاب…وكل الأحزاب تطلب ودّ الكلاب…ولنا كتل برلمانية للكلاب…ورئيس لمجلس النواب من الكلاب…وحكومة تهتمّ بشؤون جميع الكلاب…يرأسها أحد الكلاب…وتدعمه أكبر كتل مجلس نواب الكلاب…سألته: وهل تسمح قوانينكم بأن ننضمّ إليكم ونصبح من الكلاب؟؟ فكّر طويلا…وأخذ نفسا عميقا صاحبته تنهيدة…وقال: لا أظنّ أن البشر يمكن أن يغيّر طباعه ويصبح منّا وإلينا ولا أظنّ أن الكلاب ستغيّر دستورها لتقبل بكم بينها… فهل سمعت يوما بأن الكلاب تخون الكلاب؟؟ وهل سمعت يوما بكلب استولى على مال كلب؟؟ وهل سمعت يوما بكلب لقّح خلسة عن باقي الكلاب؟؟
هل سمعت يوما بكلب يرفض الالتزام بدستور الكلاب؟؟ وهل سمعت يوما بكلب يتهم بقية الكلاب دون دليل ؟؟ وهل رأيت يوما كلبا يراود كلبة صديق؟؟ وهل استمعت إلى كلب يسخر من كلب للونه أو شكله أو انتمائه؟؟ هل رأيت كلبا يقبل بأن يترك والده أو والدته دون مأوى ودون غذاء فتضطر حكومة الكلاب إلى ايوائهما بدار الكلاب المسنين؟؟ هل استمعت إلى كلب أو كلبة تكفّر كلبا أخر؟؟ هل قرأت خبرا يقول إن كلابا هاجرت إلى سوريا وانضمت إلى الدواعش…وهل ثمّة دواعش من الكلاب؟؟
هل قرأت في صحفنا أن كلبا اغتصب كلبة تسكن قبالتهم؟؟هل علمت يوما بكلب تحيّل على كلب واستحوذ على متاعه وغذائه وأملاكه وأرضه؟؟ هل قرأت في صفحات الكلاب الفايسبوكية شتما وشيطنة من كلب لكلب؟؟ هل هتك أحد الكلاب عرض كلب أو كلبة؟؟ وهل شاهدت مرّة فوضى في مجلس نواب الكلاب ؟؟؟ هل سمعت يوما بأن للكلاب حصانة؟؟ كل هذه الأفعال التي لا يفعلها الكلاب تفعلونها أنتم البشر…فبعضكم وصل به الأمر إلى الاعتداء بالفاحشة على الحمير والبقر…وبعضكم وصلت به الدناءة إلى الاعتداء على كلباتنا المحصنات؟؟
نحن معشر الكلاب نقرأ صفحات أهلكم على فضاءات التواصل الاجتماعي…ونقرأ يوميا كيف تأكلون لحم بعضكم البعض ولا تخجلون من ذلك…أنتم اليوم اصبحتم أسرى الحقد والحقد يقتل صاحبه ولو بعد حين…فهل سمعت يوما بكلب يأكل لحم أخيه…فكيف تريدنا أن نطمئن لكم ونقبل بكم بيننا؟؟ نظر لي نظرة فيها الكثير من الحزن وقال: إن كنت تريد أن تكون منّا…انبح…انبح…قلت… لم أقل شيئا…واستيقظت من نومتي وكنت على قاب قوسين أو أدنى من أن أصبح كلبا…بين الكلاب…محلاها عيشة الكلاب…