… و يؤجل توزيع غنائم الحكم، إلى يوم اعتراف قرطاج بــ”باي” القصبة !
نشرت
قبل 4 سنوات
في
يسألك بعضهم هل ستخرج تونس من الوضع التي تردّت فيه؟ وأقول كيف تخرج وجميعهم يراوحون مكانهم؟؟ أسئلة عديدة تطرح نفسها اليوم حول مآل ما تتخبّط فيه البلاد…فهل سينجح الغنوشي في البقاء على كرسي باردو؟؟ وهل سيحافظ المشيشي على موقعه في القصبة؟ وهل يواصل ساكن قرطاج سياساته الحمقاء و يجرّ البلاد إلى ما لا تحمد عقباه؟ كلها أسئلة ترتبط إجاباتها بعضها ببعض وكلها أسئلة قد تذهب بنا إلى إجابة واحدة …
عن مّاذا يبحث الغنوشي يا ترى؟
يصرّ بعض المتابعين على القول بأن الغنوشي يبحث فعلا وبكل الطرق عن قيادة البلاد وحكمها والتربّع على عرش باردو والقصبة معا حتى نهاية هذه العهدة….وأعود لأقول هنا إن الغنوشي لا يبحث عن ذلك علنا وبالشكل الذي يروّجه البعض، بل يبحث فقط كيف يخرج من هذه العهدة سالما، وكيف يجنّب حركته السياسية التآكل قبل موعد الانتخابات القادمة وكيف يخرج من هذه العهدة دون أن تتحمّل النهضة تبعات فشلها المعلن، وكيف يخرج وكل خصومه في وضع لا يهدّد وجود حركته…هذا ما يبحث عنه الغنوشي لكن كل هذا يمرّ عبر كسب معاركه التي كثرت وأصبحت الخبز اليومي لهذا الشعب، ولن يمكن تحقيقه دون أن ينجح الغنوشي في خلط الأوراق مرّة أخرى في المشهد السياسي المتعفّن…
ومعركة الغنوشي الأكبر هي طبعا الحفاظ على كرسي باردو وهذه تعتبر أيسر معاركه الحالية وربما القادمة لأنها ستكون حرب استنزاف يشنها عليه خصومه كلما دعت لذلك الحاجة، فالغنوشي درس جيدا ما يريده خصومه في المجلس وعرف كيف يشتّت شملهم ليجنب نفسه النزول عن كرسي باردو، الغنوشي نجح بمساعدة غباء وحمق بعض الأحزاب وكتلها النيابية في أن تكون النهضة “جوكير” هذه العهدة وملح طعامها، فلن تشكّل حكومة دون النهضة ولن ينجح المجلس في تركيز المحكمة الدستورية دون النهضة ولن يمرّ أي قانون دون موافقة من النهضة هكذا فعل الغنوشي بالمجلس وجعله رهينة بين كفيه…
لسائل أن يسأل وكيف ذلك؟ خلاصة الإجابة، لا أحد اليوم من نواب وكتل المجلس يريد ويتمنى حلّ المجلس وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، فانتخابات في وضع كالذي تعيشه اليوم تونس، وكالذي تعيشه أغلب الأحزاب لن يغيّر حال البلاد وحال المشهد كثيرا وقد يذهب ببعض الأحزاب إلى أرشيف المشهد وتصبح في عداد ضحايا هذه العهدة…وقد يذهب بعض النواب إلى السجن يوم ترفع عنهم حصانة المجلس بعد حلّه…وقد يكتشف الجميع كذبة عمليات سبر الآراء يوم يقع الإعلان عن نتائج انتخابات سابقة لأوانها…كلها فرضيات وجب أخذها بعين الاعتبار وعدم إغفالها…
فالغنوشي نجح في أن يجعل من كتلة قلب تونس كتلة الحلّ والربط في كل ما يقع بالمجلس، و هكذا أصبح إنزال الغنوشي يمرّ عبر تصويت كتلة قلب تونس…وإسقاط حكومة المشيشي يمرّ عبر تصويت كتلة قلب تونس…و إسقاط بعض القوانين أو مرورها يمرّ عبر أصوات نواب قلب تونس…فالغنوشي صنع متعمدا من كتلة حزبٍ رئيسُه يقبع في السجن بشبهة الفساد، الورقة الأهمّ في مجلس باردو، و مصير المشيشي اليوم يرتبط أساسا بأصوات كتلة قلب تونس…وسحب البساط من تحت أقدام الغنوشي يمرّ عبر أصوات نواب قلب تونس…فالوضع الحالي للمشهد السياسي لن يتغيّر ما لم يقع فكّ الارتباط بين كتلتي النهضة وقلب تونس وأحوازهما…
ولن يقع فكّ الارتباط بالسهولة التي يتصوّرها البعض فالمصالح المشتركة بين الكتل الداعمة لساكن القصبة أكثر من تلك التي تربط بين من يعارضها وبينها وبين بقية الكتل المكوّنة لمجلس باردو…والمصالح المشتركة بين كتلتي النهضة وقلب تونس أقوى بكثير من تلك التي تربطهما ببقية الكتل…فمستقبل الشيخ على رأس المجلس يمر عبر توطيد الارتباط مع كتلة قلب تونس وأحوازها، والحفاظ على تماسك كتلة قلب تونس يمرّ عبر توطيد الارتباط مع كتلة النهضة والبقاء ضمن الحزام المساند والداعم لحكومة المشيشي…فالمصير المشترك الذي يجمع من هم حول المشيشي اليوم سيمنعهم من فكّ الارتباط بين بعضهم البعض…
والواضح من هذا الارتباط الوثيق بين الكتل المكونة لحزام الحكومة السياسي أن المشيشي اصبح أيضا مكوّنا أساسيا من مكونات هذا الارتباط، فهذا الأخير لن يعود إلى حضن من رشحه لكرسي القصبة أبدا ولن يفكّر في الأمر أصلا، فحزام حكومته اليوم يوفّر له ما لا يمكن أن يوفره له حضن ساكن قرطاج و”مديرة” ديوانه… كما أن الغنوشي لا يريد أن يغيّر ساكن القصبة لغايات في نفس راشد…فالنهضة لن تغامر ولن تكون سعيدة كما يتصوّر البعض في حال عودة ورقة ترشيح من سيسكن القصبة إليها، و النهضة أدركت قبل الجميع صعوبة المرحلة التي تمرّ بها البلاد…وتدرك حجم الخسائر التي ستلحق بمن سيسكن القصبة ومن سيقف خلفه لذلك لن تغامر بتغيير ساكن القصبة مهما كانت الإغراءات …
فالحراك الاجتماعي الذي تشهده البلاد اليوم قد يصبح في قادم الأشهر جحيما لا يطاق وقد يأتي على الأخضر واليابس، والنهضة لا تريد تحمّل تبعات ذلك بمفردها بل تريد أن يشاركها الجميع في اسقاطات ذلك على مستقبل البلاد وخاصة على نتائج الانتخابات القادمة التي ستكون حتما مقبرة للكثير من الأحزاب الممثلة اليوم في مجلس باردو…النهضة وبقيادة رئيسها قرأت جيدا ما يدور في رأس المشيشي وعرفت أنه الشخص التي تتوفر فيه مواصفات من ستحمّله تبعات كل الفشل القادم…خاصة أنها لم تكن وراء اختياره لكرسي القصبة بل كان اختيارا لساكن قرطاج وسيحسب عليه حتى وإن أصبح ابنا ضالا في نظر هذا الأخير…لكن هل يمكن أن تغدر النهضة بالمشيشي في الوقت الحاضر وتقترب من ساكن قرطاج ومن هم حوله…وهل يمكن أن تقبل بتحالف جديد يستثني قلب تونس وبعض من هم معها اليوم؟ الإجابة هي “لا يمكن”…
فالنهضة لن تقترب من ساكن قرطاج دون أن تكون الرابح الأكبر من ذلك، ولن يكون ذلك الاقتراب ممكنا دون أن تقترب أيضا ممن هم اليوم مع ساكن قرطاج وأقصد التيار وحركة الشعب، وهذا لن يكون ممكنا ما لم يقع فكّ الارتباط بين النهضة وقلب تونس ومن معه، فقلب تونس جاء ليعوّض الكتلة الديمقراطية وأحزابها بعد القطيعة التي حصلت أثناء جلوس الفخفاخ على كرسي القصبة، ولن يكون التقارب مع التيار وحركة الشعب ممكنا دون أن تتنازل النهضة تنازلات في حجم أطماع التيار وحركة الشعب وساكن قرطاج وربما البعض الآخر وأطماع هؤلاء كبيرة جدا وقد لا تترك للنهضة نصيبا…وقد تشهد الساحة السياسية في قادم الأيام مراودات متبادلة بين جميع الأطراف لغاية في نفس كل طرف منهم…وقد يروّج هؤلاء وأولئك عن تقارب قريب…وعن قصّة حب بين النهضة وبعض الأطراف القريبة من قرطاج…لكن هل ستنتهي كل تلك القصص بالزواج…لا أظنّ…
المشيشي، الرابح الأكبر من المعارك التي تدور حوله..
يدرك الجميع أن المشيشي لا يمكن أن نعتبره شخصية سياسية، ولا يمكن أن نصفه بالرجل القادر على إصلاح الأوضاع المتأزمة بالبلاد، كما لا يمكن أن ننتظر منه نجاحا أو حتى إصلاحا بسيطا لحال البلاد…فالرجل قد يكون رئيسا جيدا لمصلحة بإحدى المؤسسات العمومية أو كاتبا عاما لإحدى الولايات ليس أكثر، لكنه ورغم كل ذلك فهو الرابح الأكبر والمستفيد الوحيد من كل ما يدور اليوم حوله، والغريب في هذه المعادلة الصعبة أن الجميع أعلنوا الحرب على الجميع من أجل كرسي يجلس عليه المشيشي ولا يريدون الجلوس عليه…فالقدر أتى به إلى كرسي لن يغامر أحد بطلب الجلوس عليه في وضع كارثي كالذي تعيشه تونس اليوم،
فهذا الكرسي قد يصعد بك إلى السماء لو نجحت في إصلاح ولو بسيط لأوضاع البلاد، وقد يذهب بك إلى السجن لو أخطأت ولو خطأ صغيرا، وقد يصيبك بكل أمراض العصر بسبب الضغوطات التي ستعيشها…والوحيد الذي يريد إنزال المشيشي من كرسي القصبة هو ساكن قرطاج والأحزاب التي تدور في فلكه وهؤلاء يتمنون ذلك ويطالبونه بذلك، فقط لأنهم أخرجوا من الحكم بخروج الفخفاخ من القصبة ويدركون جيدا أن الفرصة قد لا تتاح ثانية ليكونوا في الحكم مرّة أخرى…رغم كل هذا لا أظنّ أن المشيشي سيفرّط في فرصة أرادتها له الاقدار، وكأني به يدرك ما يعنيه بيت شعر يقول “من أمكنته فرصة فأضاعها، وأستعتب الأيام فهو المعتدي” …
والمتابع لما يفعله المشيشي اليوم يدرك لأول وهلة أن المشيشي بدأ مرحلة كسب ودّ من هم حوله وودّ من يمكنهم الوقوف معه في قادم الأيام والاشهر إن كتب لحكومته الصمود في وجه العواصف التي تلوح مدمّرة في قادم الأيام…المشيشي أدرك أن حزامه السياسي لا يريد تركه لمصيره الآن، ومتمسك به وخاصة حركة النهضة فتركه لمصيره في هذه الفترة سيعتبره المتابعون لما يدور في البلاد انتصارا لساكن قرطاج وهذا سيضرّ بأحزاب الكتل الداعمة قاعديا وجماهيريا…كما يدرك المشيشي أن اتحاد ساحة محمد علي وخاصة أمينه العام يبحث عن إطالة عمره التنظيمي وعمر عهدته على رأس الاتحاد، ولن يكون ذلك ممكنا دون أن يوفر له بعض آليات “الرضاء” والقبول لدى قواعده وهياكله من خلال الإمضاء على عشرات الاتفاقيات القطاعية المعطّلة بالجملة ولسان حاله يقول “اعطه ألف درهم يا كعلي…وغدا نأخذها أضعافا” مخاطبا وزير ماليته وقاصدا بما يعنيه أمين عام الاتحاد…
فالغنائم التي كسبها الطبوبي أخيرا من ساكن القصبة رغم أنها مؤجلة التنفيذ لم يغنمها من غيره في وقت قياسي كالذي مرّ من عمر حكومة المشيشي، وفي وضع اقتصادي مأزوم وقابل للانفجار في كل لحظة، وتحت طائلة شروط ملزمة من صندوق النقد الدولي بالتخفيض في كتلة الأجور والحدّ من انتفاخها المتواصل منذ عشر سنوات…فهذه الاتفاقيات المجدولة زمنيا ستُخرج الطبوبي من ورطة الإمضاء على هدنة مشروطة للدخول في حوار وطني يعطي شرعية البقاء للطبوبي وبعض من معه، وإطالة عمر وجودهم النقابي والسياسي بالمشهد العام للبلاد التونسية…
أما عن تعامل المشيشي مع التحوير الوزاري الذي أجهضه ساكن قرطاج فلن يكون صداميا في قادم الأيام وقد يلتزم الصمت وعدم الردّ عن كل ما سيصدر من ساكن قرطاج ومن يدور في فلكه لغايتين…الأولى هي أنه أدرك أن ساكن قرطاج يمر بفترة عصيبة على المستوى النفسي وقد تتكرر الأخطاء الصادرة عنه وعمن هم حوله، وقد تتوسع رقعة المنتقدين والرافضين لتصرفاته وهو الأمر الذي قد يضطرّه إلى القبول بالأمر الواقع والعمل على إنهاء بقية تفاصيل التحوير الوزاري المجهض منذ أكثر من نصف شهر للحدّ من تصاعد الأصوات المرتفعة ضدّ تصرفاته الرعناء وغير المسؤولة خاصة وأن أي ردّ صدامي من القصبة على تصرف خاطئ من ساكن قرطاج سيُخسر ساكنها نقاطا هو في حاجة أكيدة إليها اليوم…
والغاية الثانية هي أن المشيشي ادرك أيضا أنه يقوم بحرب بالمناولة ضدّ ساكن قرطاج نيابة عن النهضة ورئيسها، وأن هذه الحرب ليست حربه لوحده كما تروج النهضة لذلك بل هي حرب كل مكونات الحزام السياسي الذي لا يريد أن يكون بعيدا عن حكومته، خاصة أن ساكن قرطاج يريد أن يستأثر بالحكومة وإبعاد من لا يريدون العيش تحت مظلته…فالمشيشي أدرك أخيرا أنه ليس الوحيد المعني بهذه الحرب ضدّ ساكن قرطاج وأن على كل من يشكلون حزامه السياسي المشاركة في هذه الحرب بالعدّة والعتاد وكسبها سريعا قبل المطالبة بنصيبهم من غنائم الحكم…وهذا يعني أن المشيشي قد يعطّل أو يؤجّل كل توزيع لغنائم الحكم إلى ما بعد كسب معركة التحوير والاستقرار الحكومي وتهدئة الأجواء مع ساكن قرطاج ويرفض أن يكون الجندي الوحيد في حرب قد يكون هو الخاسر الأكبر فيها إن خسرها…
وفي انتظار أخطاء قاتلة أخرى من ساكن قرطاج سيواصل المشيشي صمته ولامبالاته عن كل ما يحاك ضدّ حكومته …وقد يأتي الخطأ القاتل من ساكن قرطاج ويضطرّ إلى رمي المنديل والإعلان ضمنيا عن خسارته حرب “نادية وهشام”…