وهْجُ نار

محمد الأطرش: حرب القصور تصيب مفاصل الدولة بالقصور…

نشرت

في

نعيش هذه الأيام على وقع الرعب الذي تعيشه منظومة الحكم بكامل مكوّناتها…فساكن قرطاج رافض لتحوير وزاري أخرج بموجبه ساكن القصبة كل حصّته وحصّة نادية عكاشة مديرة ديوانه من الوزراء…وكشف هذا الرفض عمق الخلافات بين سكان القصور وعدم اهتمامهم بمشاغل وهموم الشعب…

<strong>محمد الأطرش<strong>

فالأمور الاقتصادية ساءت إلى درجة قد يستفيق معها الشعب خلال قادم الأشهر أو ربما بعض الأسابيع بإعلان الإفلاس…والاختلافات السياسية بين مكونات مجلس النواب أصبحت خطيرة إلى درجة تنذر بالشلل التام لمؤسسات الدولة….والهوّة اتسعت بين طرفي السلطة التنفيذية، ولا أمل في الأفق في إطفاء فتيل الأزمة…والواضح أن الأزمة لن تنتهي دون تنازل من أحد طرفي الخلاف، كما لا أظن أن التنازل سيكون آخر جولات هذا الخلاف، فالخلاف الحقيقي ليس بين ساكن قرطاج وساكن القصبة بل بين ساكن قرطاج وساكن باردو…

فهذا يريد وضع يده على القصبة ومكوناتها ليحتمي بها من غوائل هذه العهدة التي جاءت بمجلس مشتّت ومفتّت والآخر يريد وضع يده على القصبة من أجل إرضاء ناخبيه خوفا من ابتعادهم عنه وهو الذي يريد تعديل الدستور من أجل توسيع صلاحياته، ولا أحد منهما مستعد للتنازل عن أطماعه التوسعية…هكذا هو حال البلاد منذ وصول ساكن قرطاج إلى أرض عليسة…وهكذا هي حالنا منذ 14 جانفي 2011…فالأمور كانت خطيرة دون علم الشعب الذي انساق وراء إسقاطات كذبة الربيع العربي منذ عشر سنوات…والوضع قد يؤدي بالبلاد إلى منحدر سحيق …

حالات التخريب الممنهج والمتعمّد للمرافق العامة للوطن لم تكن بريئة، وكادت تعصف بأمّة كاملة فالوضع أصبح شبيها باغتيال شعب بالتقسيط المريح وبطلب منه…فالمتابع لاعترافات هذا وذاك من الذين انشقّوا عن أحزاب ما بعد 14 جانفي لا يصدّق بأن هؤلاء الذين دخلوا رافعين ألوية النصر وشعارات حقوق الإنسان والتقدمية جاؤوا فقط من أجل الانتقام من شعب، وتاريخ شعب،  فنحن اليوم نكتشف أن المشهد الذي عشناه أسود كان يمكن أن يكون أكثر سوادا…وأن عقلية العقاب الجماعي كانت عقلية الحكام الجدد للبلاد…

من جاؤوا رافعين لواء الإصلاح حكموا على الشعب بالقتل من خلال اغتيال بعض رموزه وحكموا عليه بالموت بالتقسيط المريح من خلال تجويعه عبر الرفع من معدلات البطالة، والتخفيض الممنهج للقدرة الشرائية للمواطن من خلال خلق الفوضى السوقية العامة…والأخطر من كل ما جرى هو اكتشافنا أن هؤلاء الذين يفاخرون بالوطنية هم أقرب للخونة منهم للأحرار…

لقد بكت الجماهير يوم مات بورقيبة….وبكت أيضا حسرة على عهد ورثة بورقيبة…ثم وبعد سنوات من الكذب والخداع بدأت أغلبية من عاشوا عصور البناء والتحديث في وصلة من البكاء على مجد دولة ضاع بين أيادي روّاد السفارات، وهواة لعق حذاء أمراء الخليج وملمّعي حذاء العمّ سام…واكتشفوا أن الذين كانوا يشتمون العمّ سام علنا كانوا يلعقون حذاءه سرا….واكتشف الشعب الخديعة الكبرى وها هو اليوم يكتشف الخديعة الأكبر…

فمن كان يقول عنهم هؤلاء أنهم الخونة وأنهم من باعوا الوطن…لم يكونوا بتلك البشاعة التي سوقوها لنا قبل وبعد 14 جانفي…بل كانوا أقرب الناس إلى الوطن وحبّ الوطن وأعطوا المثال على الإيثار والتفاني في خدمة العباد والبلاد…فالذين هلّلوا ورقصوا يوم خرج بن علي رحمه الله قاصدا البقاع المقدّسة أصابهم الندم…وعضّوا على أصابعهم… وسيعَضُون قادم السنوات أصابع من خدعهم…

وأظنّ أن المقارنة التي كان يفاخر البعض بها لا تجوز أصلا اليوم…فمن حكمنا بعد 14 جانفي لا يمكن مقارنته بمن حكمنا قبل ذلك التاريخ….فبورقيبة وبن علي رحمهما الله ومن معهما كانوا أكثر وطنية من كل من جاؤوا بعدهم….فبورقيبة بكيناه يوم وفاته….وبن علي بكيناه يوم اكتشفنا حجم الخراب الذي جاء بعده…وكل عام ونحن نعيش الخديعة….وكل خديعة ونحن إلى الوطن أقرب….

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version