وهْجُ نار

محمد الأطرش: لا حلّ لنا غير “مشكي وعاود” … قبل أن ينهار كل البناء على رؤوسنا !

نشرت

في

يعاني النظام السياسي في بلادنا اليوم مما يشبه الاحتضار، فلا أحد من مكوّنات الحكم أو لنقل لا أحد من ثلاثي الحكم يحاول جادا إيجاد حلول للأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد …والواضح من الأحداث التي عرفتها تونس نهاية الأسبوع الماضي أننا نعيش فعلا واقعا مرعبا لا أحد يمكنه التكهّن بعواقبه وتبعاته…فالأزمة اليوم ليست مجرد ازمة حكم او معارضه او نخب، بل هي ازمة وطن يئن تحت ثقل دولة ترهلت ونظام ولد أعرج يعيش حالة احتضار بعد أن أصابه الشلل النصفي...

<strong>محمد الأطرش<strong>

والمتأمل لما يقع بالمشهد السياسي اليوم يلاحظ السعي الحثيث لبعض الأطراف وعلى رأسها ساكن قرطاج، لخلق مناخ مُشبع بالضبابية يعرقل به كل مسارات الإصلاح التي تتطلبها المرحلة…فكل مكونات المشهد الحالي أعلنت الحرب على بعضها البعض ولا أحد فكّر ولو للحظة في تبعات ما وصلنا إليه…هؤلاء يفعلون ما يفعلونه منذ عشر سنوات بعد أن صُدموا بواقع مغاير عمّا كانوا يتصورونه عن الحكم….فجميعهم وخاصة أولئك التي سنحت لهم فرصة المسك بدواليب السلطة الحكم صُدموا وعرفوا أن معارضتهم لحكم بن علي سابقا كانت مُجانبة للصواب في العديد من القضايا، و أن تسيير شؤون دولة ليس مجرّد شعارات ترفع في مسيرة أو مظاهرة ضدّ النظام الحاكم…

الدول لا تحكم بالتشنجات والمزاجية وحزمة من الوعود الكاذبة والزائفة… فما عرفته البلاد منذ يوم حرق “السكير” لجسده أكبر دليل على أن تونس قبل ذلك اليوم لم تكن أبدا بكل ذلك السوء الذي روّجوه وسوّقوه عنها…فالفساد لم يكن بهذا الحجم الذي رأيناه منذ ترك الرئيس بن علي رحمه الله البلاد في اتجاه منفاه الاختياري… كما أن البلاد لم تعرف في تاريخها مثيلا لهذه الفوضى وهذا الخراب…فالذين خرجوا علينا رافعين شعار الحرية والعدالة والكرامة والشغل للجميع هم سبب الخراب الذي تعيشه البلاد…ومن كانوا يرفعون شعار “التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق” اكتفوا منذ ذلك اليوم بشعار “الزيادة استحقاق يا عصابة السرّاق” فمن السارق يا ترى؟؟…

هؤلاء ومن اختار طريقهم ومن جالسهم ورافقهم هم سبب الجوع الذي قد يطأ أرض هذه البلاد لو واصلنا الصمت أمام ما يفعلونه بها وبالعباد…كيف ذلك…ألم يكونوا هم سبب إغلاق وتعطيل أغلب مواقع الإنتاج…ألم يكونوا هم سبب هروب المستثمرين ومغادرتهم ارض البلاد….ألم يُغلقوا كل الطرق…ألم يُطردوا كل الكفاءات…ألم يتسببوا في إفلاس قطاعات إنتاجية بأكملها….ألم يُفلسوا قطاع السياحة بما فعلوه وما روّجوه…ألم يتسببوا في خسارة البلاد موقعها الريادي المتقدّم في إنتاج وتصدير الفوسفات وغيرها من المنتجات…ألم يربكوا الاقتصاد بما أتوه من دفع للتعويضات تحت عنوان “تسوية للوضعيات”…ألم يسمحوا للفوضى بأن تكون شعار المرحلة من خلال إنهاكهم للمؤسسة الأمنية وإفراغها كغيرها من المؤسسات من إطاراتها وكفاءاتها…

كل الحكومات التي جاءت بعد حكومة الباجي وحكومات الترويكا (الثلاث) تحمّلت غصبا عنها تبعات ما عاثت به تلك الحكومات فسادا بالبلاد وتدميرا ممنهجا، وترضيات ما أنزل الله بها من سلطان و لا موجب لها أصلا…وكل حكومات ما بعد حكومة الباجي وحكومات الترويكا وجدت وضعا اقتصاديا واجتماعيا مأساويا لم تنجح في إصلاحه رغم بعض الصدق في نواياها…كما أن تركة واسقاطات حكومة قائد السبسي الأولى وحكومات الترويكا سترافق كل الحكومات القادمة وستتسبب في كل الأوجاع التي لن تقدر البلاد على تحمّلها طويلا…فالإرهاق الذي يصاحب كل الحكومات التي سكنت دار الباي بالقصبة منذ 2016 ليس بسبب خيارات تلك الحكومات أو بسبب ضعف تخطيطها بل لأنها ورثت وضعا كارثيا تسببت فيه حكومة الباجي قائد السبسي الأولى التي لم تفكّر مطلقا في الإصلاحات بل فكّرت فقط في “الترضيات” وإسكات غضب الشارع والنقابات…وتسببت فيه أيضا حكومات الترويكا لجهلها بحقيقة وواقع السلطة والحكم، ففشلت في تحقيق الوعود التي أغرقت بها المشهد الانتخابي وخيبت آمال ناخبيها…واصطدمت بحقيقة كانت تجهلها فسقطت كل بدائلها أرضا ولم تقدر على معالجة جرح واحد من الجراح التي تسبب فيها التتار والوندال الذين سكنوا البلاد منذ 14 جانفي…

كما أن التطاول على الدولة كان أحد أهمّ أدوات تخريب اقتصاد البلاد، فالقبول باقتسام الحكم مع الاتحاد أساء كثيرا للدولة وأضرّ بها داخليا وخارجيا…و الإضرابات العشوائية ومحاولة الاستحواذ على نصيب كامل من السلطة من خلال تحريك الشارع وغلق مواقع الإنتاج والتسبب في شلل العديد من القطاعات الإنتاجية كانت من أهمّ أسباب الإفلاس غير المعلن والمؤجل للبلاد…فمن كانوا يتهمون بن علي بالاستحواذ وعائلته على مقدّرات البلاد وثرواتها، هم من أنهكوا البلاد وأسقطوها أرضا بما أتوه في حقّها…وقد يتجاهل بعضنا اليوم الأمر مع سابق الإضمار والترصّد خوفا من عصابات مواقع التواصل الاجتماعي أو خوفا من أن تطالهم عقوبات من أوهموا الشعب بأنهم هم حماة الديار وهم من جاؤوا لإنقاذه…  وهم حاضنة ما يسمونها بالثورة …ويقصدون ضمنيا “الثروة”…

فالواضح مما تعانيه البلاد اليوم، أن الشعب أساء اختيار من يجلسون على كراسي الحكم…فلا ساكن قرطاج يليق بمقام كرسي بورقيبة ولا ساكن باردو يليق بكرسي جلولي فارس ولا ساكن القصبة يليق بكرسي الهادي نويرة …هؤلاء جميعا فشلوا في القيام بالدور الموكول لهم…هؤلاء جميعا لا يعرفون معنى كلمة قيادة دولة وقيادة شعب وتسيير شؤون بلاد …هؤلاء لم يدركوا إلى حدّ الساعة أن أساس القيادة هو ان تكون سباقا قبل أن تكون مجرد متفاعل مع حدث أو مع فعل أو ما شابه…فاستباق الأحداث هو أساس القيادة، أما القادة الذين يجلسون في مكاتبهم ينتظرون حدوث الكارثة ثم الخروج لردّ الفعل فهم أكثر القادة فشلا في مسيرتهم…

القائد الناجح هو من يستبق الأحداث ويستعد لها واضعا لها الحلول من خلال خطّة تتكيّف مع الظروف والمتغيرات والأحداث المستجدة  قاطعا الطريق أمام كارثة قد تحدث…كما أن القائد الذي لا يتمتّع برؤية أشمل وأوسع لن ينجح أبدا في تحديد وجهته ووجهة دولته ولن يصل بعيدا…والقائد الذي ينفرد بالرأي والقرار دون تشريك من هم معه لتنمية رؤيته وتطوير قدراته القيادية لن يصل بعيدا بمشروعه …لكن هل تتوفّر هذه المواصفات في أحد سكان قصورنا الثلاثة ؟؟ لا أظنّ بل لا أرى أثرا لنصف هذه المواصفات في أي من سكان هذه القصور الثلاثة…ولا أرى مخرجا مما نحن فيه غير إعادة ترتيب أوراق هذه البلاد من خلال انتخابات شاملة سابقة لأوانها تشمل كل القصور، فبقاء ساكن واحد في أحد قصور الحكم سيُفشل بقية المسارات ولن تخرج البلاد مما هي فيه اليوم.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version