هل أصبحت تونس اليوم بلا دولة بالمفهوم الحقيقي للدولة، وبالمعنى المتعارف عليه…هل أصبحت البلاد مجرّد شبح لدولة تآكلت؟…فبعد سنة ونصف من الهراء والتخاريف والكلام الأجوف “الأحرف” من ساكن قرطاج، يخرج علينا هذا الأخير منذ يومين بتجاهل تام وغير مبرّر لأهم مناسبة وطنية تحتفل بها الشعوب…
عيد الاستقلال هو عيدنا الوطني الأهمّ والأبرز … لكن “مولانا” ساكن القصر لا يريد الاعتراف به، ولا الاحتفال به، وكأني به يريد إلغاء كل ما سبق عهده “الأحرف”…رئيسنا الأكثر صراخا في تاريخ من جلسوا على كرسي قرطاج لم يخرج يوما من جلباب خطبه الناسفة…وكأني به لم يستوعب إلى حدّ الساعة أنه أصبح ساكن قرطاج، وأن عليه تغيير خطابه الناسف إلى خطاب جديد يعيد من خلاله الأمل لشعب فاقد للأمل منذ عشر سنوات…
الشعب والمتابعون لخطبه أصبحوا لا يفرّقون ولا يعرفون إن كان رئيسهم يضحك أم يبكي من شدّة تكلّس تعابير وجهه في كل خطبه الملغومة والقابلة للانفجار في كل جملة يقولها…أعود لأقول هل يريد ساكن قرطاج إلغاء كل ما سبقه بتجاهله غير المبرّر للعيد الوطني الأهمّ على الإطلاق….وهل بدأت أعراض وباء الحقد على القديم تظهر على” مولانا” أيضا من خلال ما يأتيه وما يصرخ به في خطبه العنقودية؟ ألم يشبّهه أنصاره بالفاروق عمر…ألم يقولوا إنه فوق كل الأحقاد …ألم يقولوا إنه الرئيس الجامع القادر على توحيد كل مكونات المشهد من أجل هدف واحد…انقاذ البلاد…هل بما فعله يريد حقّا خدمة البلاد وانقاذها…؟؟
هل نسي ساكن قرطاج أن المواطن التونسي هو من يدفع اليوم ضريبة أزمة الثقة المتجذّرة بين مكوّنات المشهد وبين سكان القصور الثلاثة…هل نسي أن المواطن التونسي هو من يدفع اليوم ضريبة الحرب بين الكتل السياسية التي تتصارع على المصالح الشخصية والحزبية في البلاد…هل نسي ساكن قرطاج أن كل ساسة البلاد لم يراعوا الظروف التي تعيشها البلاد والوجع الذي يعيشه المواطن التونسي كل يوم…هل نسي ساكن قرطاج كل ذلك وهو الذي لم يحفظ عنه الشعب غير خطابه التحريضي على خصومه…والظهور في ثوب الملائكة…وهو ليس منهم ولا يحمل حتى البعض من صفاتهم…فالملائكة لا يحقدون…ولا يصرخون…ولا يبيعون الأوهام لشعوبهم…هل من ينتحل صفات الفاروق يأتي ما أتاه رئيسنا؟
هل من يلقبونه أتباعه بالفاروق يُلغي كل تاريخ من سبقوه لأنه فقط غير قادر على إتيان ما أتوه …وتخليد اسمه مع من سبقوه…ألم يقرأ عمّا أتاه الفاروق بعد وفاة من سبقه من الخلفاء الراشدين؟ إن كان لا يعلم ولم يقرأ فليقرأ…فقد يعود له بعض العقل…”شدَّ انتباه عُمر بن الخطاب أن أبا بكر يخرج إلى أطراف المدينة بعد صلاة الفجر ويدخل بيتا صغيرا لساعات ثم ينصرف إلى بيته…وكان عمر يعرف كل ما يفعله أبو بكر الصديق من خير إلا سر هذا البيت…مرت الأيام ومازال خليفة المؤمنين يزور هذا البيت، ومازال عمر لا يعرف ماذا يفعل الصدّيق داخله، فقرر عُمر دخول البيت بعد خروج خليفة المؤمنين منه، ليشاهد بعينه ما بداخله، وليعرف ماذا يفعل فيه الصدّيق بعد صلاة الفجر.
حين دخل عمر هذا البيت الصغير وجد سيدة عجوز عمياء العينين لا تقوى على الحراك ليس معها أحد فعرفها بنفسه مستغربا ما شاهده…وأراد أن يعرف ما سر علاقة ابي بكر بهذه العجوز العمياء…سأل عمر العجوز: ماذا يفعل هذا الرجل عندكم ويقصد أبو بكر الصديق؟ فأجابت العجوز وقالت: والله لا أعلم يا بُني، فهذا الرجل يأتي كل صباح يُنظف لي البيت ثم يكنسه…ومن ثم يُعِدُّ لي الطعام، وينصرف دون أن يُكلمني ولو كلمة واحدة …
لما مات أبو بكر قام عُمر باستكمال رعاية العجوز الضريرة فقالت له: أمات صاحبك؟ قال: وما أدراك؟ قالت: جئتني بالتمر ولم تنزع منه النوى. ..جثم عمر بن الخطاب على ركبتيه وفاضت عيناه بالدموع وقال عبارته الشهيرة: “لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أبا بكر”
وأظنّ يا ساكن قرطاج وصاحب الخطب الملغومة أن من سبقوك على كرسي قرطاج أتعبوك خاصة الزعيم بورقيبة رحمه الله فهو الذي دخل السجون وعانى المنافي ولم يتخل عن القضية الوطنية وتحوّل من الجهاد الأصغر بعد حصول البلاد على استقلالها إلى الجهاد الأكبر، جهاد البناء والتحديث، فقاوم الجهل والأميّة والأمراض، وترك لمن جاء بعده دولة يصفّق الجميع لمجرّد ذكر اسمها في المحافل الدولية…
فهل نبكي أبا بكر أم نبكي عمرا … أم نبكي حالنا بعدما انتخبناك وخيبت ظنّ الجميع…أم نبكي حالك الميؤوس منه بعد سنة ونصف السنة من الهراء والتخاريف وخطب لا نفع من ورائها…
و هلاّ عُدت إلى رشدك يا رجل قبل أن يسوء حال البلاد أكثر…ويصرخ بعضنا في وجهك “ارحل”…”لقد أتعبت بعدك الرؤساء يا بورقيبة”…