محمد الهادي البديري: مسؤوليّة الفساد في بلادنا: 50% للشعب، و50% للحُكّام
نشرت
قبل 4 سنوات
في
منذ اندلاع الثورة في 2011 إنطلقت عديد الأطراف الرسمية والمجتمعيّة في مُلاحقة ظاهرة الفساد، بداية من عائلة بن علي والطرابلسية ومن معهم، ثمّ توسعت الدائرة لتشمل رجال أعمال معروفين ومهرّبين لم نكن نسمع بهم أصلاً.
فالفساد كما هو متّفق عليه، صار ظاهرة مُربِكة للاستقرار في تونس، ألقت بظلالها على جميع أوجه الاقتصاد والأمن والصحّة وحتى الرياضة والثقافة، ففي السابق، كان زين العابدين بن علي يحتكر هو وأركان حكمه عملية الفساد، لكن هذا الفساد انتشر بعد الثورة كالنار في الهشيم، إذ بات المسؤولون (وخاصة السياسيين منهم) يتورّطون يومياً في ممارسات فاسدة وينتفعون منها، ممّا جعل عددا من مكوّنات المجتمع المدني يُطلقون العديد من المبادرات والإجراءات القانونية الكثيرة لمكافحة الفساد ومجابهة نظام الكليبتوقراطية (حكم اللصوص)
إضافة طبعا لمجابهة مايُعرفُ بالفساد الصغير (خمّوس وعاشور وبِلقاسم) المتفشّي على نطاق واسع وخصوصا في الإدارات العمومية بالنسبة للحصول على الوثائق بسرعة ودون انتظارٍ وكذلك على الطرقات بالنسبة للمخالفات المروريّة. فقد أدّى التعامل مع ملف الفساد وفق طريقة “من أعلى إلى أسفل” الذي اتّبعته الحكومة للتصدّي إلى الفساد – كما بدا جليّاً من قانون المصالحة – إلى تآكل الثقة بينها وبين المواطنين، وإضعاف عملية التشاور مع الرأي العام إضافة إلى عدم مسايرة القضاء لمجهودات مقاومة أشكال الفساد.
فقد كان ينبغي على الحكومة التونسية أن تعمل على إنفاذ القوانين القائمة، بدءاً من إلزام كلّ المسؤولين التونسيين بالتصريح علناً وليس خفيةً عن ممتلكاتهم، وإشراك منظمات المجتمع المدني في عملية صياغة وتطبيق إجراءات مكافحة الفساد لضمان أن تحظى الإصلاحات بالقبول الشعبي، وإعطاء الأولوية لإنشاء محكمة دستورية، وضمان فاعلية القطب القضائي الاقتصادي والمالي المكلَّف بالبحث والتتبّع والتحقيق والحكم في قضايا الفساد
كما كان على الحكومات المتعاقبة الاستثمار وبشكلٍ مكثّف في المناطق الحدودية لإعطاء فرصة للعاملين في القطاع غير المنظّم ( المهرّبين بلغة أصدق ) للانضمام للاقتصاد المنظم وضخّ “شكاير” العُملات التونسية والأجنبية في السوق الرسمية. فمن الغريب، أنّه في ملف محاربة الفساد نجد أنّ الحاكم والمحكوم لهما – تقريبا – نفس المسؤولية، إذا أنّ السياسيين الذين يحكموننا لم يأتو من المرّيخ، فهم مِنّا والينا ( وكيفنا ويشَبّهُولنا ) … فهل نحن – وبكل صراحة – شعب ( ما أحلاه وخدّام و َيخاف ربي ويتقن في العمل متاعو وما يعطيش رشوة وماعناش فساد وجاوونا حكام سُرّاق وشواطن ؟؟ ) … هذا غير صحيح بالمرّة،
ولن يتغيّر الامرُ بتغيير حكومة، فالأمر سيبقى على حاله وربّما سيسير نحو الأسوإ ( مادامنا نفس الشعب العظيم ) … فقبل المطالبة بإصلاح أعلى الهرم علينا أن نُصلح انفسنا وعندما نتحوّل إلى شعب محترم يعمل بتفاني ولايُسكّر الفانة ولايغلق السكّة الحديدية ولا يخرجُ “للإحتجاج” ليلا، فعندها سيحكُمنا حكام محترمين مثلنا… وكما قال “شكسبير” : كثّر من الإحتجاج تَمسَاط… فبحيثُ…