محمد الهادي البديري: نداء للحكومة … فوّتوا في تونس الجويّة للخواص،”تربحو فيها أجر” !
نشرت
قبل 4 سنوات
في
لماذا يسعى اتحاد الشغل إلى المحافظة على شركة الخطوط الجويّة التونسية كمؤسسة عمومية ويستميتُ في رفض خوصصتها؟ هل مَردُّ ذلك حُبّ النقابيين العاملين بالشركة لمؤسستهم؟ أم حبّهم لمزايا الشركة وما تُغدقُه عليهم من نِعَمٍ وإمتيازات وحوافز؟
الناقلة الوطنية كما يحلو للمتابعين تسمية شركة تونس الجويّة تعرف أيّاما عصيبة، قد تعصف بهذه المؤسّسة التي شكّلت ولعقود فخر الاقتصاد التونسي، وأحد الوجوه المشرقة لبلد تُمثّل السياحة من أنجح المجالات الاقتصاديّة فيه وذلك رغم صغر حجم هذه الشركة قياسًا بمثيلاتها الأوروبيّة وحتّى العربيّة.
والأكيد أنّ مشاكل تونسالجوية والصعوبات التي تعيشها حاليا، ليست وليدة الأمس القريب، حيثُ أن هذه الشركة لم تتأسّس على قاعدة الفاعليّة الاقتصاديّة، أيّ العمل على تخفيض الكلفة وتحقيق أفضل الأرباح، بل كان على قاعدة واجهة ناصعة للبلاد، وأحد المشغلين القادرين على ضمان أجرة مُجزية لأبناء واقارب المسؤولين والعائلات المتنفّذة في البلاد، وإن كان على حساب مؤشر الانتاجيّة، أي أفضل الأرباح قياسًا بعدد العاملين.
فحين ننظر إلى سوق النقل في العالم، وخاصّة في الدول المنافسة، وعلى الأخصّ الشركات العاملة على الخطوط القريبة من سمائنا، نجد أنّ معظمها عمدت إلى الانضمام إلى تكتلات أو اندمجت مع نظرائها أو تمّ التفويتُ في نسبة كبيرة من أسهمها للخواص أفرادًا أو شركات، مثل ماوقع للخطوط الجويّة الفرنسيّة مع الخطوط الجويّة الهولندية، دون أن ننسى اتفاقيات التكامل والتنسيق بين عديد الشركات في أوروبا وعبر العالم.
إنّ أيّ خبير في مجال النقل الجوي، سيؤكد أنّ «الغزالة» عاجزة على الثبات وتأمين وجودها، وهي بالحجم التي هي عليه، وكذلك بفعل الدور الاجتماعي قبل الإقتصادي الذي أراده أصحاب القرار السياسي، حين وضعوا الفاعليّة الاقتصاديّة في مرتبة أدنى، هذا بالإضافة إلى ما ينتظر شركتنا الوطنية من منافسة شرسة بعد دخول اتفاقيّة السماء المفتوحة التي تتيح لأيّ ناقل جويّ أن يعمل على الخطّ الذي يريده وأن يحدّد ثمن التذكرة التي يراها مناسبة،
هذه عوامل ستمثّل الضربة القاضية لتونس الجويّة لعدم قدرتها على مجاراة الشركات الأخرى والنزول بثمن التذكرة إلى مستواها، خاصّة أنّ مداخيل الشركة غير قادرة على تغطية عجزها المالي، في وقت عرفت أجور العاملين فيها ارتفاعًا مهولا، يقابله عجز ميزانيّة البلاد على ضخّ مزيد من الأموال في ميزانيتها لإنقاذها من العجز، بل من الإفلاس.
إنّ مانراه اليوم من صراع بين الإدارة الجديدة لتونس الجويّة والاتحاد العامّ التونسي للشغل خاصة بعد إستعراض العضلات الذي قام به نورالدين الطبّوبي في الأسبوع المنقضي حين أوقف العمل بمطارت البلاد وترأس اجتماعا عاما بأعوان الشركة في مقرها الاجتماعي متحديا بذلك الرئيسة المديرة العامة الجديدة ألفة الحامدي يُعدّ أمرا طبيعيا، فمن واجب الإدارة أن تسعى لإنقاذ «الغزالة»، وكذلك من حقّ الاتّحاد العامّ التونسي للشغل، أسوة بأيّ نقابة في مثل حالها، أن يدافع عن حقوق منظوريه وعدم جعلهم «كبش فداء».
حين نريد تلخيص المشكلة نجد أنّ «الغزالة» تعاني من أخطاء مقاربات التسيير على مدى عشرات الأعوام، التي اعتمدت السياسة الاجتماعيّة وأهملت الجانب الاقتصادي المباشر، في مراحل كان من الممكن ترشيد التصرّف وتحسين المردود دون انتهاك قوانين الشغل في البلاد… وكذلك لم تبحث الشركة (بقرار سياسي أيضا) على الدخول في شراكات استراتيجيّة أو في برامج تعاون وتكامل مع ناقلين في الجوار المغاربي والعربي وكذلك الإفريقي والأوروبي خاصّة.
فقد كان بإمكان الخطوط التونسية أن تتحوّل إلى أحد أهمّ الناقلين بين القارتين الأوروبيّة والافريقيّة، وهو الدور الذي تلعبه حاليا الخطوط الملكية المغربية رغم عدم تمتعها بذات المكانة الجغرافيّة، ممّا يعني أنّ «الغزالة» عانت ولا تزال من تراكمات القرارات السياسيّة الخاطئة،
وإذا كان الجميع متّفق على استحالة مواصلة الوضع الحالي للشركة، وكذلك ارتفاع كلفة تسريح العمّال إذا قررت الادارة تنقية وضع الشركة وإقلاع «الغزالة» من جديد فإن المنطق يقتضي تخلّي الدولة عن هذه الشركة حسب جدول زمني معقول والسعي لخوصصتها بإعتبار أنّ المستثمرين الخواص أثبتوا قدرتهم على التسيير وعلى الرفع من تنافسيّة المؤسسات التي يشرفون عليها،
ويكفي أن ننظر للبنوك العمومية التي تعاني الأمرّين (مثل البنك التونسي) والبنوك الخاصة المزدهرة (مثل بنك تونس العربي الدولي) أو ننظر لشركة المغازة العامة ووضعها الكارثي حين كانت عمومية ووضعها المزدهر والرابح حاليا بعد التفويت فيها لمجمّع البيّاحي.
خلاصةُ الكلام: على الدولة التخلّي عن تونس الجويّة للقطاع الخاص أو نصف الخاص والتفرّغ للقطاعات التنمويّة الكبرى كالصحة والتعليم والفلاحة.