سرديار

مرسيليا

نشرت

في

<strong>محمود بيرم التونسي<strong>

المرأة الطويلة البيضاء الممتلئة الجسم الثقيلة الردف كانت المثل الأعلى للجمال عند العرب و أحسب أن هذا الاختيار سيبقى على مر الدهور.

فالأحياء الواقعة في قسم الميناء كلها أحياء قديمة ذات شوارع مرتفعة و منخفضة و ميادين مشوهة بمبانيها و أهلها الفقراء . في أولئك الفقراء مئات البائعات من سمّاكة و بقالة و فاكهانية و خضرية تكفي الواحدة منهن لسدّ نهم ذلك العمدة الشرقي الذي يقيس الردف بالمتر و الوجه بالشبر.

أو الرجل الذي يريد الزواج بأربع نسوة مجموعات في امرأة واحدة.

هذه القوالب الضخمة يزينها جمال بارع و من أولئك البدينات الفقيرات تخرج ملكة الجمال في معظم السنين.

يقف الشرقي أمام تلك التماثيل متعجبا من تصرف القدر الذي يرمي بهن في الأسواق القذرة. متهما أهل مرسيليا بالجفاء و قلة الذوق لأنهم لم يعرفوا لهن قدرا.

استوقفني في الطريق فتى من الشوام المقيمين في مرسيليا يقرب طوله من المترين في عرض مناسب. و ظهر لي أنه يريد أن يكون لي دليلا و مرشدا فبدأني بتحية شامية:

ـ إيش لونكم ياه !

ـ بخير.

قال: ـ بتريد أفرجيك على مرسيليا؟ و بطلعك فوق في نوتردام عالجبل؟ و بامشي معك متل ما بتريد؟

و لكنه لما رآني أرفض كل هذه الخدمات شاكرا له همّته، أجاب شكري بأحسن منه و صمم على مصاحبتي مهما كلفه الأمر.

و مشينا في الطريق يسألني و أجيب:

ـ مين عم بيحكم في سوريا؟

قلت: ـ الجنرال غورو.

ـ زلمة منيح؟

قلت: ـ يحبه بعضهم و يكرهه البعض.

فوقف فجأة و استوقفني معه كما يفعل الأعيان و أخرج يده التي كانت في جيب معطفه الرثّ و لوّح بها في الهواء و قال مهددا للجنرال غورو:

ـ بدي أرجع لسوريا و اقتل ها الزلمة.

قلت: ـ العن الشيطان.

فأقسم برأس الإله و شارب الإله ليذهبنّ إلى بيروت لقتل غورو.

من (مذكرات في المنفى)

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version