المرأة الطويلة البيضاء الممتلئة الجسم الثقيلة الردف كانت المثل الأعلى للجمال عند العرب و أحسب أن هذا الاختيار سيبقى على مر الدهور.
فالأحياء الواقعة في قسم الميناء كلها أحياء قديمة ذات شوارع مرتفعة و منخفضة و ميادين مشوهة بمبانيها و أهلها الفقراء . في أولئك الفقراء مئات البائعات من سمّاكة و بقالة و فاكهانية و خضرية تكفي الواحدة منهن لسدّ نهم ذلك العمدة الشرقي الذي يقيس الردف بالمتر و الوجه بالشبر.
أو الرجل الذي يريد الزواج بأربع نسوة مجموعات في امرأة واحدة.
هذه القوالب الضخمة يزينها جمال بارع و من أولئك البدينات الفقيرات تخرج ملكة الجمال في معظم السنين.
يقف الشرقي أمام تلك التماثيل متعجبا من تصرف القدر الذي يرمي بهن في الأسواق القذرة. متهما أهل مرسيليا بالجفاء و قلة الذوق لأنهم لم يعرفوا لهن قدرا.
استوقفني في الطريق فتى من الشوام المقيمين في مرسيليا يقرب طوله من المترين في عرض مناسب. و ظهر لي أنه يريد أن يكون لي دليلا و مرشدا فبدأني بتحية شامية:
ـ إيش لونكم ياه !
ـ بخير.
قال: ـ بتريد أفرجيك على مرسيليا؟ و بطلعك فوق في نوتردام عالجبل؟ و بامشي معك متل ما بتريد؟
و لكنه لما رآني أرفض كل هذه الخدمات شاكرا له همّته، أجاب شكري بأحسن منه و صمم على مصاحبتي مهما كلفه الأمر.
و مشينا في الطريق يسألني و أجيب:
ـ مين عم بيحكم في سوريا؟
قلت: ـ الجنرال غورو.
ـ زلمة منيح؟
قلت: ـ يحبه بعضهم و يكرهه البعض.
فوقف فجأة و استوقفني معه كما يفعل الأعيان و أخرج يده التي كانت في جيب معطفه الرثّ و لوّح بها في الهواء و قال مهددا للجنرال غورو:
ـ بدي أرجع لسوريا و اقتل ها الزلمة.
قلت: ـ العن الشيطان.
فأقسم برأس الإله و شارب الإله ليذهبنّ إلى بيروت لقتل غورو.